ثم إن قيل : إن المأمور بذبحه بقرة معينة في نفسها غير مبينة التعيين حسن موقع سؤالهم ، لأن المأمور به لما كان مجملاً حسن الاستفسار والاستعلام . أما على قول القائل إنها للعموم فلابد من بيان أنه ما الذي حملهم على هذا الاستفسار فذكروا وجوهاً أحدها : أنه لما أخبرهم بشأن البقرة تعجبوا وظنوا أن البقرة التي لها مثل هذه الخاصية لا تكون إلا بقرة معينة ، فلا جرم استقصوا في السؤال عن وصفها كعصا موسى المخصوصة من سائر العصي بتلك الخواص ، إلا أن القوم كانوا مخطئين في ذلك لأن هذه الآية العجيبة لا تكون خاصية البقرة ، بل كانت معجزة يظهرها الله على يد موسى ، أو لعل القوم أرادوا قتل أي بقرة كانت إلا أن القاتل خاف من الفضيحة فألقى شبهة في البين وقال : المأمور به بقرة معينة لا مطلق البقرة ، فلما وقعت المنازعة رجعوا إلى موسى ، أو الخطاب وإن أفاد العموم إلا أن القوم أرادوا الاحتياط فسألوا مزيد البيان وإزالة الاحتمال ، إلا أن المصلحة تغيرت واقتضت الأمر بذبح البقرة المعينة . فإن قيل : السؤال بما هو لطلب الحقيقة والحقيقة لا تعلم إلا بأجزائها ومقوماتها لا بصفاتها الخارجة ، فالجواب بالأوصاف الخارجة لا يكون مطابقاً للسؤال . قلنا : من البين أن مقصودهم من قولهم " ما البقرة " ليس طلب ماهيتها النوعية فإن ذلك كالمفروغ منه عندهم ، وإنما وقع السؤال عن المشخصات . فالظاهر يقتضي أن يقال : أي بقرة هي ؟ فإن مطلب " أي " السؤال عن الصفات الذاتية والخواص . فسبب العدول إما إقامة الحقيقة الشخصية مقام الحقيقة النوعية فإن الشخص من حيث هو شخص حقيقة أيضاً قد يطلب تصورها ، وإما لأنهم تصوروا أن البقرة التي لها هذه الخاصية العجيبة حقيقتها مغايرة لحقيقة سائر البقرات وإن كانت صورتها موافقة لصورتها ، وإما لأن السؤال عن الجزئيات كزيد وعمرو إنما يكون ب " من " إذا كان طلباً للعوارض ، وههنا الجزئي غير ذي عقل فناسب أن يقام ما مقام " من " .
الفارض المسنة ، وقد فرضت فروضاً فهي فارض كطالق كأنها فرضت سنها أي قطعتها وبلغت آخرها . والبكر الفتية ، وكان الأظهر أنها التي لم تلد كما في الإنسان .
نواعم بين أبكار وعون *** . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فإن أتوك وقالوا إنها نصف *** فإن أطيب نصفيها الذي ذهبا
وقد يستدل من هذا على جواز الاجتهاد واستعمال غلبة الظن في الأحكام إذ لا يعلم أنها بين الفارض والبكر إلا بطريق الاجتهاد . وإنما جاز دخول { بين } على لفظة { ذلك } مع أنه لا يدخل إلا على متعدد ، لأنها في معنى شيئين حيث وقع مشاراً به إلى ما ذكر من الفارض والبكر . وإنما أشير بذلك إلى مؤنثين وهو للإشارة إلى واحد مذكر على تأويل ما ذكر وما تقدم للاختصار في الكلام { ما تؤمرون } مثل : أمرتك الخير فافعل ما أمرت به . بمعنى ما تؤمرون به ، أو أمركم بمعنى مأموركم تسمية المفعول بالمصدر كضرب الأمير .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.