غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَۚ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا فَارِضٞ وَلَا بِكۡرٌ عَوَانُۢ بَيۡنَ ذَٰلِكَۖ فَٱفۡعَلُواْ مَا تُؤۡمَرُونَ} (68)

67

ثم إن قيل : إن المأمور بذبحه بقرة معينة في نفسها غير مبينة التعيين حسن موقع سؤالهم ، لأن المأمور به لما كان مجملاً حسن الاستفسار والاستعلام . أما على قول القائل إنها للعموم فلابد من بيان أنه ما الذي حملهم على هذا الاستفسار فذكروا وجوهاً أحدها : أنه لما أخبرهم بشأن البقرة تعجبوا وظنوا أن البقرة التي لها مثل هذه الخاصية لا تكون إلا بقرة معينة ، فلا جرم استقصوا في السؤال عن وصفها كعصا موسى المخصوصة من سائر العصي بتلك الخواص ، إلا أن القوم كانوا مخطئين في ذلك لأن هذه الآية العجيبة لا تكون خاصية البقرة ، بل كانت معجزة يظهرها الله على يد موسى ، أو لعل القوم أرادوا قتل أي بقرة كانت إلا أن القاتل خاف من الفضيحة فألقى شبهة في البين وقال : المأمور به بقرة معينة لا مطلق البقرة ، فلما وقعت المنازعة رجعوا إلى موسى ، أو الخطاب وإن أفاد العموم إلا أن القوم أرادوا الاحتياط فسألوا مزيد البيان وإزالة الاحتمال ، إلا أن المصلحة تغيرت واقتضت الأمر بذبح البقرة المعينة . فإن قيل : السؤال بما هو لطلب الحقيقة والحقيقة لا تعلم إلا بأجزائها ومقوماتها لا بصفاتها الخارجة ، فالجواب بالأوصاف الخارجة لا يكون مطابقاً للسؤال . قلنا : من البين أن مقصودهم من قولهم " ما البقرة " ليس طلب ماهيتها النوعية فإن ذلك كالمفروغ منه عندهم ، وإنما وقع السؤال عن المشخصات . فالظاهر يقتضي أن يقال : أي بقرة هي ؟ فإن مطلب " أي " السؤال عن الصفات الذاتية والخواص . فسبب العدول إما إقامة الحقيقة الشخصية مقام الحقيقة النوعية فإن الشخص من حيث هو شخص حقيقة أيضاً قد يطلب تصورها ، وإما لأنهم تصوروا أن البقرة التي لها هذه الخاصية العجيبة حقيقتها مغايرة لحقيقة سائر البقرات وإن كانت صورتها موافقة لصورتها ، وإما لأن السؤال عن الجزئيات كزيد وعمرو إنما يكون ب " من " إذا كان طلباً للعوارض ، وههنا الجزئي غير ذي عقل فناسب أن يقام ما مقام " من " .

الفارض المسنة ، وقد فرضت فروضاً فهي فارض كطالق كأنها فرضت سنها أي قطعتها وبلغت آخرها . والبكر الفتية ، وكان الأظهر أنها التي لم تلد كما في الإنسان .

والعوان النصف قال :

نواعم بين أبكار وعون *** . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وقد غونت وقال :

فإن أتوك وقالوا إنها نصف *** فإن أطيب نصفيها الذي ذهبا

وقد يستدل من هذا على جواز الاجتهاد واستعمال غلبة الظن في الأحكام إذ لا يعلم أنها بين الفارض والبكر إلا بطريق الاجتهاد . وإنما جاز دخول { بين } على لفظة { ذلك } مع أنه لا يدخل إلا على متعدد ، لأنها في معنى شيئين حيث وقع مشاراً به إلى ما ذكر من الفارض والبكر . وإنما أشير بذلك إلى مؤنثين وهو للإشارة إلى واحد مذكر على تأويل ما ذكر وما تقدم للاختصار في الكلام { ما تؤمرون } مثل : أمرتك الخير فافعل ما أمرت به . بمعنى ما تؤمرون به ، أو أمركم بمعنى مأموركم تسمية المفعول بالمصدر كضرب الأمير .

/خ74