السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{قَالُواْ ٱدۡعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَۚ قَالَ إِنَّهُۥ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٞ لَّا فَارِضٞ وَلَا بِكۡرٌ عَوَانُۢ بَيۡنَ ذَٰلِكَۖ فَٱفۡعَلُواْ مَا تُؤۡمَرُونَ} (68)

{ قالوا ادع لنا ربك يبيّن لها ما هي } أي : ما سنها وكان من حقه أن يقولوا أيّ بقرة هي أو كيف هي لأن لفظ ما يسأل به عن الجنس غالباً لكنهم لما رأوا ما أمروا به على حال لم يوجد بها شيء من جنسه أجروه مجرى ما لم يعرفوا حقيقته ولم يروا مثله { قال } موسى { إنه } أي ربي { يقول إنها بقرة لا فارض } أي : مسنة ، وسميت فارضاً لأنها فرضت سنها أي : قطعته وبلغت آخره { ولا بكر } أي : صغيرة { عوان } أي : نصف أي : وسط قال الشاعر :

نواعم بين أبكار وعون***

جمع عوان { بين ذلك } أي : بين ما ذكر من الفارض والبكر .

فإن قيل : بين يقتضي شيئين فصاعداً فمن أين جاز دخوله على ذلك ؟ أجيب : بأنه في معنى شيئين حيث وقع مشاراً به إلى ما ذكر كما تقرّر وعود هذه الكنايات وإجراء تلك الصفات على بقرة يدل على أنّ المراد بها معينة ويلزمه تأخير البيان عن وقت الخطاب بالأمر ومن أنكر ذلك زعم أنّ المراد بها بقرة من جانب البقر غير مخصوصة ثم انقلبت مخصوصة بسؤالهم ويلزمه النسخ قبل الفعل فإن التخصيص إبطال التخيير الثابت بالنص والحق جواز تأخير البيان عن الوقت المذكور والنسخ قبل الفعل ويؤيد الرأي الثاني ظاهر اللفظ والمروي عنه عليه الصلاة والسلام : ( لو ذبحوا أيّ بقرة أرادوا لأجزأتهم ولكن شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم ) وتقريعهم بالتمادي وزجرهم عن المراجعة بقوله : { فافعلوا ما تؤمرون } به من ذبحها .