{ قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ } ولو أنّهم عمدوا إلى أدنى بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم ولكنهم شدّدوا على أنفسهم فشدّد الله عليهم وإنّما كان تشديدهم تقديراً من الله عزّ وجلّ وحكمة ، وكان السبب في ذلك على ما ذكره السّدي وغيره أنّ رجلاً في بني إسرائيل كان بارّاً بأبيه وبلغ من برّه به أنّ رجلاً أتاه بلؤلؤة فابتاعها بخمسين ألفاً وكان فيها فضل فقال للبائع أبي نائم ومفتاح الصندوق تحت رأسه فأمهلني حتّى يستيقظ وأعطيك الثمن . قال : فأيقظ أباك وأعطني المال . قال : ما كنت لأفعل ولكن أزيدك عشرة آلاف فانتظرني حتّى ينتبه أبي .
فقال الرّجل : فأنا أعط عنك عشرة آلاف إنْ أيقظت أباك وعجلت النقد . قال : وأنا أزيدك عشرين ألفاً إنْ انتظرت انتباه أبي . ففعل ولم يوقظ الرجل أباه فأعقبه برّه بأبيه أن جعل تلك البقرة عنده وأمر بني إسرائيل أن يذبحوا تلك البقرة بعينها .
قال ابن عبّاس ووهب وغيرهما : كان في بني إسرائيل رجل صالح له ابن طفل وكان له عجل فأتى بالعجل الى غيضة وقال : اللّهمّ إنّي استودعك هذه العجلة لابني حتّى يكبر ومات الرّجل فسبيت العجلة في الغيضة وصارت عواناً وكانت تهرب من كل مَن رامها .
فلمّا كبر الابن كان بارّاً بوالدته وكان اللّيلة يقسّم ثلاثة أثلاث : يصلّي ثلثاً وينام ثلثاً ويجلس عند رأس أمّه ثلثاً فاذا أصبح انطلق واحتطب على ظهره ويأتي به السّوق فيبيعه بما شاء الله ثّم يتصدّق بثلثه ويأكل ثلثه ويعطي والدته ثلثاً ، وقالت له أمّه يوماً : إنّ أباك ورّثك عجلة وذهب بها إلى غيضة كذا استودعها الله عز وجل فانطلق اليها فادعُ إله ابراهيم واسماعيل وإسحاق بأن يردّها عليك ، وإن من علامتها أنّك إذا نظرت إليها يخيّل إليك أنّ شعاع الشمس يخرج من جلدها وكانت تسمى المذهّبة لحسنها وصفرتها وصفاء لونها فأتى الفتى الغيضة فرآها ترعى وقال : أعزم عليك بإله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب فأقبلت تسعى حتّى قامت بين يديه فقبض على عنقها وقادها فتكلمت البقرة بإذن الله وقالت : أيّها الفتى البارّ بوالدته اركبني فإنّ ذلك أهون عليك . فقال الفتى ، إنّ أُمي لم تأمرني بذلك ولكن قالت : خذها بعنقها فقالت البقرة : بإله بني إسرائيل لو ركبتني ما كنت تقدر عليَّ أبداً فانطلق فإنّك لو أمرت الجبل أن ينقلع من أصله وينطلق معك لفعل لبرّك بوالدتك . وسار الفتى فاستقبله عدوّ الله إبليس في صورة راع فقال : أيّها الفتى إنّي رجل من رعاة البقر اشتقت إلى أهلي فأخذت ثوراً من ثيراني فحملت عليه زادي ومتاعي حتّى إذا بلغت شطر الطّريق ذهبت لأقضي حاجتي صعداً وسط الجبل وما قدرت عليه وإنّي أخشى على نفسي الهلاك ، فإن رأيت أن تحملني على بقرتك وتنجني من الموت واعطيك أجرها بقرتين مثل بقرتك فلم يفعل الفتى وقال : اذهب فتوكّل على الله فلو علم الله منك اليقين بلغك بلا زاد ولا راحلة فقال إبليس : فإن شئت فبعنيها بحكمك ، وإن شئت فاحملني عليها وأعطيك عشرة مثلها فقال الفتى : إنّ امّي لم تأمرني بهذا فبينا الفتى كذلك إذ طار طائر من بين يدي البقرة ونفرت البقرة هاربة في الفلاة وغاب الرّاعي فدعاها الفتى باسم إله إبراهيم فرجعت إليه البقرة فقالت أيّها الفتى البار بوالدته ألم تر إلى الطائر الذي طار إنّه إبليس عدو الله إختلسني أمّا إنّه لو ركبني لما قدرت عليَّ أبداً فلمّا دعوت آله إبراهيم جاء ملك فانتزعني من يد إبليس وردّني إليك لبرّك بوالدتك وطاعتك لها .
فجاء بها الفتى إلى أمّه ، فقالت له : إنّك فقير لا مال لك ويشقّ عليك الاحتطاب بالنّهار والقيام باللّيل فانطلق فبع هذه البقرة وخذ ثمنها . قال بكم أبيعها ؟
قالت : بثلاثة دنانير ولا تبعها بغير رضاي ومشورتي وكانت ثمن البقرة في ذلك الوقت فانطلق بها الفتى إلى السّوق فبعث الله ملكاً إنساناً خلقه بقدرته ليخبر الفتى كيف برّه بوالدته وكان الله به خبيراً فقال له الملك : بكم تبيع هذه البقرة ؟
قال : بثلاثة دنانير واشترط عليك رضا والدتي .
فقال الملك : ستّة دنانير ولا تستأمر أمّك . فقال الفتى : لو أعطيتني وزنها ذهباً لم آخذه إلاّ برضا أمّي فردّها إلى امّه وأخبرها بالثّمن فقالت : ارجع فبعها ستّة على رضاي فإنطلق الفتى بالبقرة إلى السوق وأتى الملك وقال : استأمرت والدتك ؟
فقال الفتى : انّها أمرتني أن لا أنقصها من ستة على أن أستأمرها . قال الملك : فأنني أعطيك إثني عشر على أن لا تستأمرها .
فأتى الفتى ورجع إلى أمّه واخبرها بذلك قالت : إنّ ذلك الرجل الّذي يأتيك ويعطيك هو ملك من الملائكة يأتيك في صورة آدمي ليجرّبك فإذا أتاك فقل له أتأمرنا أن نبيع هذه البقرة أم لا ؟
ففعل ذلك فقال له الملك : إذهب إلى أمّك وقل لها بكم هذه البقرة ؟ فأنّ موسى بن عمران يشتريها منكم لقتيل يقتل من بني إسرائيل فلا تبيعوها إلاّ بملء مسكها دنانير فأمسكوا البقرة ، وقدر الله على بني إسرائيل ذبح تلك البقرة بعينها وأمرهم بها فقالوا يستوصفون ويصف لهم حتّى وصف تلك البقرة بعينها موافاة له على برّه بوالدته فضلاً منه .
فضلاً منه ورحمة وذلك قوله عزّ وجلّ { ادْعُ لَنَا رَبَّكَ } أيّ سل وهكذا هو في مصحف عبد الله ، سلّ لنّا ربّك يبين لنا ماهي ؟ وما سنّها ؟
قال موسى : إنّه يُعني إن الله يقول : { إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ } لا كبيرة ولا صغيرة وارتفع البكر والفارض بأضمار هي إذ لا هي فارض ولا هي بكر .
مجاهد وأبو عبيدة والأخفش : الفارض الكبيرة المسنّة التي لا تلد يقال له : فرضت تفرض فروضاً .
كميت بهيم اللون ليس بفارض *** ولا بعوان ذات لون مخصف
يا رُبَّ ذي ضغن عليّ فارض *** له قروء كقروء الحائض
أيّ حقد قديم ، والبكر : الفتية الصغيرة التي لم تلد قط .
وقال السّدي : البكر : التي لم تلد إلاّ ولداً واحداً وحذف الحاء منها للأختصاص . { عَوَانٌ } نصف بين سنيّن ، وقال الأخفش : العوان التي نتجت مراراً وجمعه عون ، ويُقال منه : عونت تعويناً . { فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ } من ذبح البقرة ولا تكرّروا السؤال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.