التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِۚ قُلۡ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا خَالِصَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (32)

فهذه الآية الكريمة تهدى الناس إلى ما يصلح معاشهم ومعادهم ، إذ أنها أباحت للمسلم أن يتمتع بالطيبات التي أحلها الله ، ولكن بدون إسراف أو بطر ، ولذا جاء الرد على المتنطعين الذين يضيقون على أنفسهم ما وشعه الله في قوله - تعالى - بعد ذلك : { قُلْ مَنْ حَرَّمَ . . . } .

أى : قل يا محمد لأولئك الذين يطوفون بالبيت عرايا ، ويمتنعون عن أكل الطيبات : من أين أتيتم بهذا الحكم الذي عن طريقه حرمتم على أنفسكم بعض ما أحله الله لعباده ؟ فالاستفهام فإنكار ما هم عليه بأبلغ وجه .

ثم أمر رسوله أن يرد عليهم بأبلغ رد فقال : { قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الحياة الدنيا خَالِصَةً يَوْمَ القيامة } .

أى : قل أيها الرسول لأمتك : هذه الزينة والطيبات من الرزق ثابتة للذين آمنوا في الحياة الدنيا ، ويشاركهم فيها المشركون أيضاً ، أما في الآخرة فهى خالصة للمؤمنين ولا يشاركهم فيها أحد ممن أشرك مع الله آلهة أخرى .

وقوله - تعالى - : { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } معناه : مثل تفصيلنا هذا الحكم نفصل سائر الأحكام لقوم يعلمون ما في تضاعيفها من توجيهات سامية ، وآداب عالية .