نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِۚ قُلۡ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا خَالِصَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (32)

ولما كان من المعلوم أن ما كانوا ألفوه واتخذوه ديناً يستعظمون تركه ، لأن الشيطان يوسوس لهم بأنه توسع الدنيا ، والتوسع{[32162]} فيها مما ينبغي الزهد فيه كما دعا إليه كثير من الآيات ، أكد سبحانه الإذن في ذلك بالإنكار على من حرمه ، فقال منكراً عليهم إعلاماً بأن الزهد الممدوح ما كان مع{[32163]} صحة الاعتقاد في الحلال والحرام ، وأما ما كان مع تبديل شيء من الدين بتحليل حرام أو عكسه فهو مذموم : { قل } منكراً موبخاً { من حرم زينة الله } أ ي الملك الذي لا أمر لأحد معه { التي أخرج لعباده } أي ليتمتعوا بها من الثياب والمعادن وغيرها .

ولما ذكر الملابس التي هي شرط في صحة العبادة على وجه عام غيرها من المراكب وغيرها ، أتبعها المآكل والمشارب فقال : { والطيبات } أي من{[32164]} الحلال المستلذ { من الرزق } كالبحائر والسوائب ونحوها ؛ ولما كان معنى الإنكار : لم يحرمها من يعتبر تحريمه بل أحلها ، وكان ربما غلا في الدين غال تمسكاً بالآيات المنفرة عن الدنيا المهونة لشأنها مطلقاً فضلاً عن زينة وطيبات الرزق ، قال مستأنفاً لجواب من يقول : لمن ؟ : { قل هي } أي الزينة{[32165]} والطيبات { للذين آمنوا } وعبر بهذه العبارة ولم يقل : ولغيرهم ، تنبيهاً على أنها لهم بالآصالة { في الحياة الدنيا } وأما الكفار{[32166]} فهم تابعون لهم في التمتع بها وإن كانت{[32167]} لهم أكثر ، فهي غير خالصة لهم وهي للذين آمنوا { خالصة } أي لا يشاركهم فيها{[32168]} أحد ، هذا على قراءة نافع بالرفع ، والتقدير على قراءة غيره : حال كونها خالصة { يوم القيامة } وفي هذا تأكيد لما مضى من إحلالها بعد تأكيد ومحو الشكوك{[32169]} ، وداعية للتأمل في الفصل بين المقامين لبيان أن الزهد المأمور به إنما هو بالقلب بمعنى أنه لا يكون للدنيا عنده{[32170]} قدر ولا له إليها التفات ولا هي أكبر همه ، وأما كونها ينتفع بها فيما أذن الله فيه وهي محقورة غير مهتم بها فذلك من المحاسن .

ولما كان هذا المعنى من دقائق المعاني ونفائس المباني ، أتبعه تعالى قوله جواباً لمن يقول : إن هذا التفصيل فائق فهل{[32171]} يفصل غيره هكذا ؟ { كذلك } أي مثل هذا التفصيل البديع { نفصل الآيات } أي نبين أحكامها ونميز بعض المشتبهات من بعض { لقوم يعلمون* } أي لهم ملكة وقابلية للعلم ليتوصلوا به إلى الاعتقاد الحق والعمل الصالح .


[32162]:-زيد من ظ.
[32163]:- في ظ: من.
[32164]:- سقط من ظ.
[32165]:- زيد من ظ.
[32166]:- في ظ: الكافرون.
[32167]:- من ظ، وفي الأصل: كان.
[32168]:- زيد من ظ.
[32169]:- في ظ: للشكوك.
[32170]:- في ظ: عليه.
[32171]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.