غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِۚ قُلۡ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا خَالِصَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (32)

26

قيل : كانوا إذا أحرموا حرموا الشاة وما يخرج منها من لحمها وشحمها ولبنها فأنكر ذلك عليهم بقوله : { قل من حرم زينة الله } قال ابن عباس وأكثر المفسرين : هي اللباس الساتر للعورة . وقال آخرون : إنها تتناول جميع أنواع الزينة من الملابس والمراكب والحلي وكذا كل ما يستطاب ويستلذ من المآكل والمشارب والنساء والطيب . عن عثمان بن مظعون أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : غلبني حديث النّفس عزمت على أن اختصي فقال : مهلاً يا عثمان فإن خصاء أمتي الصيام . قال : فإن نفسي تحدثني بالترهب فقال : إن ترهب أمتي القعود في المساجد لانتظار الصلوات . فقال : تحدثني نفسي بالسياحة قال : سياحة أمتي الغزو والحج والعمرة . فقال : إن نفسي تحدثني أن أخرج مما أملك . فقال : الأولى أن تكفي نفسك وعيالك وأن ترحم المسكين واليتيم وتعطيه ما فضل من ذلك . فقال : نفسي تحدثني أن أطلق خولة . فقال : أن الهجرة في أمتي هجرة ما حرم الله تعالى . قال : فإن نفسي تحدثني أن لا أغشاها فقال : إن المسلم إذا غشى أهله وما ملكت يمينه فإن لم يصب من وقعته تلك ولداً كان له وصيف في الجنة وإن كان له ولد مات قبله أو بعده كان له قرة عين وفرح يوم القيامة ، وإن مات قبل أن يبلغ الحنث كانله شفيعاً ورحمة يوم القيامة . قال : فإن نفسي تحدثني أن لا آكل اللحم . قال : مهلاً إني آكل اللحم إذا وجدته ولو سألت الله أن يطعمنيه كل يوم فعله . قال : فإن نفسي تحدثني أن لا أمس الطيب . قال : مهلاً فإن جبريل يأمرني بالطيب غباً وقال : لا تتركه يوم الجمعة . ثم قال : يا عثمان لا ترغب عن سنتي فإنه من رغب عن سنتي ومات فليس مني ، ولو مات قبل أن يتوب صرفت الملائكة وجهه عن حوضي . واعلم أن كل واقعة تقع فإما أن لا يكون فيها نفع ولا ضر أو يتساوى ضرها ونفعها فوجب الحكم في القسمين ببقاء ما كان على ما كان ، وإن كان النفع خالصاً وجب لإطلاق الآية ، وإن كان الضرر خالصاً وكان تركه خالص النفع فيلتحق بالقسم المتقدم ، وإن كان النفع راجحاً والضرر مرجوحاً تقابل المثل بالمثل وبقي القدر الزائد نفعاً خالصاً ، وإن كان الضرر راجحاً بقي القدر الزائد ضرراً خالصاً وكان تركه نفعاً خالصاً ، فبهذا الطريق صارت هذه الآية دالة على الأحكام التي لا نهاية لها في الحل والحرمة إلا أن نجد نصاً خاصاً في الواقعة فنقضي به تقديماً للخاص على العام . قال نفاة القياس : لو تعبدنا الله تعالى بالقياس لكان حكم ذلك القياس إما أن يكون موافقاً لحكم هذا النص العام وحينئذٍ يكون ضائعاً لأن هذا النص مستقبل به ، وإن كان مخالفاً كان ذلك القياس تخصيصاً لعموم هذا النص فيكون مردوداً لأن العمل بالنص أولى من العمل بالقياس ، فإذن القرن وافٍ بجميع الأحكام الشرعية والله تعالى أعلم . ثم بيّن أن الزينة والطيبات خلقت في الحياة الدنيا لأجل المؤمنين بالأصالة وللكفرة بالتبعية كقوله : { ومن كفر فأمتعه قليلاً } [ البقرة : 126 ] وأما في الآخرة فإنها خالصة لهم فقال : { قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة } من قرأ بالرفع فلأنه خبر بعد خبر . قال أبو علي : أبو على الخبر { والذين آمنوا } متعلق به والتقدير : هي خالصة للذين آمنوا في الحياة الدنيا { يوم القيامة } وعلى هذا يكون { في الحياة } ظرفاً ل { آمنوا } و{ يوم القيامة } ظرفاً ل { خالصة } فيفهم من ذلك أنها في غير يوم القيامة غير خالصة لهم بل تكون مشوبة برحمة الكفار . وعلى الأول يكون { في الحياة } ظرفاً لمحذوف أي هي للذين آمنوا غير خالصة في الحياة الدنيا وهي لهم خالصة يوم القيامة . ومن قرأ بالنصب فعلى الحال وباقي التقدير كما ذكرنا آنفاً { كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون } أي لقوم يمكنهم النظر والاستدلال حتى يتوصلوا به إلى تحصيل العلوم النظرية .

/خ34