{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله } من الثياب وكل ما يتجمل به { التى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ } أي خلقها لنفعهم من النبات كالقطن والكتان والحيوان كالحرير والصوف والمعادن كالخواتم والدروع { والطيبات مِنَ الرزق } أي المستلذات ، وقيل : المحللات من المآكل والمشارب كلحم الشاة وشحمها ولبنها . واستدل بالآية على أن الأصل في المطاعم والملابس وأنواع التجملات الإباحة لأن الاستفهام في { مِنْ } لانكار تحريمها على أبلغ وجه . ونقل عن ابن الفرس أنه قال : استدل بها من أجاز لبس الحرير والخز للرجال . وروي عن زين العابدين رضي الله تعالى عنه أنه كان يشتري كساء الخز بخمسين ديناراً فإذا أصاف تصدق به لا يرى بذلك بأساً ويقول { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ } .
وروي أن الحسين رضي الله تعالى عنه أصيب وعليه جبة خز وأن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لما بعثه علي كرم الله تعالى وجهه إلى الخوارج لبس أفضل ثيابه وتطيب بأطيب طيبه وركب أحسن مراكبه فخرج إليهم فوافقهم فقالوا : يا ابن عباس بينا أنت خير الناس إذ أتيتنا في لباس الجبابرة ومراكبهم فتلا هذه الآية لكن روي عن طاوس أنه قرأ هذه الآية وقال : لم يأمرهم سبحانه بالحرير ولا الديباج ولكنه كان إذا طاف أحدهم وعليه ثيابه ضرب وانتزعت منه فأنكر عليهم ذلك ، والحق أن كل ما لم يقم الدليل على حرمته داخل في هذه الزينة لا توقف في استعماله ما لم يكن فيه نحو مخيلة كما أشير إليه فيما تقدم .
وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم خرج وعليه رداء قيمته ألف درهم ، وكان أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه يرتدي برداء قيمته أربعمائة دينار وكان يأمر أصحابه بذلك ، وكان محمد يلبس الثياب النفيسة ويقول : إن لي نساء وجواري فأزين نفسي كي لا ينظرن إلى غيري . وقد نص الفقهاء على أنه يستحب التجمل لقوله عليه الصلاة والسلام : «إن لله تعالى إذا أنعم على عبد أحب أن يرى أثر نعمته عليه » وقيل لبعضهم : أليس عمر رضي الله تعالى عنه كان يلبس قميصاً عليه كذا رقعة فقال : فعل ذلك لحكمة هي أنه كان أمير المؤمنين وعماله يقتدون به وربما لا يكون لهم مال فيأخذون من المسلمين . نعم كره بعض الأئمة لبس المعصفر والمزعفر وكرهوا أيضاً أشياء أخر تطلب من محالها .
{ قُلْ هِى لِلَّذِينَ * ءامَنُواْ فَيَ الحياة الدنيا } أي هي لهم بالأصالة لمزيد كرامتهم على الله تعالى ، والكفرة وإن شاركوهم فيها فبالتبع فلا إشكال في الاختصاص المستفاد من اللام { خَالِصَةً يَوْمَ القيامة } لا يشاركهم فيها غيرهم . وعن الجبائي أن المعنى هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا غير خالصة من الهموم والأحزان والمشقة وهي خالصة يوم القيامة من ذلك وانتصاب { خَالِصَةٌ } على الحال من الضمير المستتر في الجار والمجرور والعامل فيه متعلقة . وقرأ نافع بالرفع على أنه خبر بعد خبر أو هو الخبر و { لِلَّذِينَ } متعلق به قدم لتأكيد الخلوص والاختصاص { كذلك نُفَصّلُ الآيات } أي مثل تفصيلنا هذا الحكم نفصل سائر الأحكام { لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } ما في تضاعيفها من المعاني الرائقة . وجوز أن يكون هذا التشبيه على حد قوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أُمَّةً وَسَطًا } [ البقرة : 143 ] ونظائره مما تقدم تحقيقه .
( ومن باب الإشارة ) :{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ } أي منع عنها وقال : لا يمكن التزين بها { والطيبات مِنَ الرزق } كعلوم الإخلاص ومقام التوكل والرضا والتمكين { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله التى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ والطيبات مِنَ } [ الأعراف : 32 ] الكبرى عن التلون وظهور شيء من بقايا الأفعال والصفات والذات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.