الآية 32 وور وقوله تعالى : { قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } قال أبو بكر الأصمّ : الزينة ههنا هو اللباس ؛ لأنه ذكر على إثر ذلك اللباس ، وهو قوله تعالى : { خذوا زينتكم عند كل مسجد } والطيبات من الرزق ما حرّموا ، وأحل الله لهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي وغير ذلك مما كانوا يحرّمون الانتفاع به كقوله تعالى : { وحرث حجر لا يطعمها إلا من شاء بزعمهم } [ الأنعام : 138 ] .
وقال الحسن : زينة الله هو المركب كقوله تعالى : { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } [ النحل : 8 ] جعل الله ما يركب زينة للخلق ، وهم كانوا يحرّمون الركوب والانتفاع بها ، فقال : { قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده } وقال : { والطيبات من الرزق } ألبانها ولحومها .
وقال غيره من أهل التأويل { زينة } ههنا النبات وما يخرج من الأرض مما هو رزق للبشر والدواب جميعا كقوله تعالى : { إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم } الآية [ الكهف : 7 ] وكقوله تعالى : { حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازّينت وظن أهلها } [ يونس : 24 ] لأخرج من الأرض زينة .
وقوله تعالى : { هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة } اختلف فيه : قال الحسن : { هي } يعني الطيبات { خالصة } للمؤمنين } في الآخرة لا يشاركهم الكفرة فيها . فأما في الدنيا فقد شاركوهم . فالتأويل الأول يخرّج على التقديم والتأخير كأنه قال : قل هي للذين آمنوا خالصة يوم القيامة وفي الحياة الدنيا لهم جميعا بقوله تعالى : { قال ومن كفر فأمتّعه قليلا ثم أضطرّه إلى عذاب النار } [ البقرة : 126 ] .
ويحتمل قوله تعالى : { قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا } لأنهم لم يحرّموا الطيبات التي أحل الله لهم ، بل انتفعوا بها ، وحرّم أولئك ، ولم ينتفعوا بها ، فكانت { للذين آمنوا في الحياة الدنيا } لما انتفعوا في الدنيا ، وتزوّدوا بها للآخرة ، وكانت { خالصة يوم القيامة } /172-ب/ وإنما كانت{[8275]} خالصة لهم يوم القيامة لما لا يكون لأهل الشرك ذلك لما لم يتزودوا للمعاد ؛ قد كانت لهم في الدنيا لو لم يحرّموها ، وانتفعوا بها .
وفي قوله تعالى : { قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } دليل إباحة الزينة والتّناول من الطيبات . وقد يحتمل أن يكون خرّج على النهي والإنكار على ما كان يفعله أهل الشرك من نحو تحريم البحيرة والسائبة والوصيلة ، فقال : { قل من حرّم } ما حرّمتم إذا لم يحرّمه الله ؟ ألا ترى أنه قال : { قل إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن } ؟ [ الأعراف : 33 ] يقول ، والله أعلم ، لم يحرّم ما حرّمتموه من هذه الأشياء ، ولكن حرّم الفواحش وما ذكر .
[ وأمّا ]{[8276]} جوابهم أنهم ماذا يقولون ؟ فهو يخرّج على وجهين :
إن قالوا : حرّم الله : قيل لهم : متى{[8277]} حرّم ، وأنتم قوم لا تؤمنون بالرسل والكتب ؟ وإن{[8278]} قالوا : حرّم فلان قيل{[8279]} : كيف صدّقتم فلانا في تحريم ذلك ، ولا تصدّقون الرسل في ما يخبرون عن الله تعالى مع ظهور صدقهم ؟ يذكر سفههم في ذلك .
وقوله تعالى : { قل من حرّم زينة الله } كأنه يقول : ليس لأحد تحريم ما ذكرنا إنما التحريم إلى الله ، وإنما حرّم ما ذكر . وقد يحتمل ما ذكرنا من نزعهم الثياب عند الطواف وطوافهم{[8280]} عراة على ما ذكر في القصة . وإلى هذا يذهب ابن عباس والحسن وقتادة وعامة أهل التأويل . وعلى ذلك يخرّج ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا لا يطوفنّ بهذا البيت عريان ولا محدث ) [ البخاري : 369 ] .
وقوله تعالى : { كذلك نفصّل الآيات } أي نبيّن الآيات { لقوم يعلمون } أي لقوم ينتفعون بعلمهم . أو نقول : { كذلك نفصّل الآيات } أي كذلك نفصّل حكم آية من حكم آية أخرى ؛ نفصّل هذا من هذا وهذا من هذا . وقوله تعالى : { قل من حرّم زينة الله } إنه إذا لم يفهم من زينة الله ما يفهم من زينة الخلق ما يتزيّنون به ، ويتجمّلون{[8281]} ، لا يجب أن يفهم من استوائه استواء الخلق ولا من مجيئه مجيء الخلق لأن استواء الخلق هو انتقال من [ حال إلى حال ]{[8282]} ، ولا يجوز أن يفهم منه ذلك على ما لم يفهم من زينة الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.