الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{قُلۡ مَنۡ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيٓ أَخۡرَجَ لِعِبَادِهِۦ وَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزۡقِۚ قُلۡ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا خَالِصَةٗ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡلَمُونَ} (32)

قوله : { قل من حرم زينة الله }[ 32 ]الآية .

والمعنى : { قل } يا محمد ، لهؤلاء الذين يتعرون في الطواف ، ويحرمون ما لم يحرم الله من طيبات{[23463]} رزقه{[23464]} : { من حرم زينة الله } ، أي : اللباس الذي يزين الإنسان بأن يستر عورته{[23465]} ، ومن حرم { والطيبات من الرزق }[ 32 ] ، المباحة{[23466]} .

وقيل : عنى{[23467]} بذلك ما كانت الجاهلية تحرمه من السوائب والبحائر{[23468]} . قاله قتادة{[23469]} .

وقال ابن عباس : كانت الجاهلية تحرم{[23470]} على أنفسها أشياء أحلها{[23471]} الله ( سبحانه ){[23472]} من الرزق ، وهو قول الله ( عز وجل ) : { قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق{[23473]} } الآية .

ثم قال تعالى : { قل } ، ( لهم ) يا محمد { هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة ( يوم القيامة ){[23474]} } .

المعنى ، قل لهؤلاء : هذه الطيبات للذين آمنوا في الحياة الدنيا ، مثل ما هي للكفار{[23475]} خالصة يوم القيامة للمؤمنين ، لا يَشْركهم{[23476]} فيها كافر{[23477]} .

قاله السدي{[23478]} ، وغيره{[23479]} .

ووقع الجواب في هذا على المعنى ، /كأنهم قالوا : [ هي لنا ، ما حرمها أحد ، فقل لهم : { هي للذين آمنوا } الآية{[23480]} .

وقيل المعنى : [ قل{[23481]} ] : هي { خالصة يوم القيامة } لمن آمن بي في الحياة الدنيا . وذلك أن الزينة في الدنيا لكل بني آدم ، ثم جعلها الله ( تعالى ){[23482]} خالصة للمؤمنين في الآخرة . قاله قتادة ، وابن عباس ، وغيرهما{[23483]} .


[23463]:في ج: من الطيبات.
[23464]:في ج: من رزقه.
[23465]:أورد الفخر الرازي في تفسيره 7/67، قولا يرى أن معنى "الزينة" معنى عام، "يتناول جميع أنواع الزينة، فيدخل تحت الزينة جميع أنواع التزيين، ودخل تحتها تنظيف البدن من جميع الوجوه، ويدخل تحتها المركوب، ويدخل تحتها أيضا أنواع الحلي، لأن كل ذلك زينة، ولولا النص الوارد في تحريم الذهب والفضة،....، على الرجال لكان ذلك داخلا تحت هذا العموم...". انظر: تمام كلامه، رحمه الله، في تدبر الآية ففيه فهم دقيق متقدم لمقاصد الشريعة. وزد عليه ما في تفسير القرطبي 7/126،127، يتبين لك أن سلفنا العالم له اهتمام بإنجاز رؤى فقهية قادرة على استيعاب مستجدات الحياة.
[23466]:انظر: جامع البيان 12/395، فالفقرة مستخلصة منه.
[23467]:في الأصل: عني، وهو تصحيف. والطيبات اسم عام لما طاب كسبا ومطعما،...، فإنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه امتنع من طعام لأجل طيبه قط، بل كان يأكل الحلوى والعسل والبطيخ والرطب، وإنما يكره التكلف لما فيه من التشاغل بشهوات الدنيا عن مهمات الآخرة، كما في تفسير القرطبي 7/127.
[23468]:جامع البيان 12/397.
[23469]:انظره: بتصرف في ألفاظه في جامع البيان 12/398، وتفسير الماوردي 2/219، وتفسير البغوي 3/225، وعزاه إلى ابن عباس أيضا، وزاد المسير 3/189، وهو فيه لابن عباس أيضا، وتفسير القرطبي 7/127، وعزاه إلى ابن عباس أيضا، والدر المنثور 3/446.
[23470]:في ج: يحرمون.
[23471]:في الأصل: أجلها، وهو تصحيف.
[23472]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23473]:في الأصل: ما أنزل الله من الرزق، وهو سهو ناسخ، والآية من سورة يونس آية59، وتمامها: {فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون}.
[23474]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23475]:في ج: للكافر.
[23476]:شركة يشركه، مثل علِمه يعلمه. المختار/شرك.
[23477]:انظر: جامع البيان 12/398،399، فالفقرة مستخلصة منه.
[23478]:جامع البيان 12/400، بتصرف.
[23479]:ابن عباس، والضحاك، والحسن، وعكرمة، وقتادة والسدي، وابن جريح، وابن زيد. ينظر تفسير عبد الرزاق الصنعاني 2/286، وجامع البيان 12/399،400، وتفسير ابن أبي حاتم 1468،1469، والمحرر الوجيز 2/393، وتفسير القرطبي 7/128 والبحر المحيط 4/293، والدر المنثور 3/446. واختلف القراء في قوله تعالى: {خالصة}، فقرأ نافع وحده بالرفع، وقرأ باقي السبعة بالنصب. ووجه مكي القراءتين في: الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها وحججها 1/461،462، وانتهى إلى القول: "والنصب أحب إلي؛ لأنه أتم في المعنى؛ ولأن عليه جماعة القراء". وقبله قال الطبري في جامع البيان 12/401، "وأولى القراءتين عندي بالصحة، قراءة من قرأ نصبا، لإيثار العرب النصب في الفعل إذا تأخر بعد الاسم والصفة، وإن كان الرفع جائزا، غير أن ذلك أكثر في كلامهم". قال الشيخ محمود شاكر في هامش تحقيقه لجامع البيان "الفعل" يعني المصدر. و"الاسم"، هو المشتق، و"الصفة"، حرف الجر والظرف.
[23480]:قال ابن عطية في المحرر الوجيز 2/393، تعليقا على هذا التفسير: "...وذكر بعض الناس أن السؤال والجواب جاء في هذه الآية من جهة واحدة، وتخيل قوله: {هي للذين آمنوا} جوابا...، وهذا نظر فاسد ليس ذلك بجواب السؤال، ولا يقتضي هذا النوع من الأسئلة جوابا". وأورد أبو حيان في البحر المحيط 4/293، التعليق نفسه بشيء من التصرف، قائلا: "والاستفهام إذا تضمن الإنكار لا جواب له. وتوهم مكي هنا أن له جوابا هنا، وهو قوله: {قل هي} توهم فاسد".
[23481]:زيادة من ج.
[23482]:ما بين الهلالين ساقط من ج.
[23483]:جامع البيان 12/399،400 وتفسير ابن أبي حاتم، 5/1468،1469 والدر المنثور 3/446،447.