التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرٖ} (4)

ثم ذكر - سبحانه - بعد ذلك مزية أخرى لهذه الليلة المباركة فقال : { تَنَزَّلُ الملائكة والروح فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ } .

أى : ومن مزايا وفضائل هذه الليلة أيضا ، أن الملائكة - وعلى رأسهم الروح الأمين جبريل - ينزلون فيها أفواجا إلى الأرض ، بأمره - تعالى - وإذنه ، وهم جميعا إنما ينزلون من أجل أمر من الأمور التى يريد إبلاغها إلى عباده ، وأصل " تنزل " تتنزل ، فحذفت إحدى التاءين تخفيفا ، ونزول الملائكة إلى الأرض ، من أجل نشر البركات التى تحفهم ، فنزولهم فى تلك الليلة يدل على شرفها ، وعلى رحمة الله - تعالى - بعباده .

والروح : هو جبريل ، وذكره بخصوصه بعد ذكر الملائكة ، من باب ذكر الخاص بعد العام ، لمزيد الفضل ، واختصاصه بأمور لا يشاركه فيها غيره .

وقوله - سبحانه - { بِإِذْنِ رَبِّهِم } متعلق بقوله : { تنزل } ، والباء للسببية ، أى : يتنزلون بسبب إذن ربهم لهم فى النزول .

قال الجمل ما ملخصه : وقوله : { مِّن كُلِّ أَمْرٍ } يجوز فى " من " وجهان : أحدهما أنها بمعنى اللام ، وتتعلق بتنزل ، تنزل من أجل كل أمر قضى إلى العام القابل .

والثانى : أنها بمعنى الباء ، أي : تنزل بكل أمر قضاه الله - تعالى - فيها من موت وحياة ورزق .

وليس المراد أن تقدير الله لا يحدث إلا فى تلك الليلة ؛ بل المراد إظهار تلك المقادير لملائكته .