قول سبحانه : { تنزل الملائكة } ظاهره يقتضي نزول كل الملائكة إما إلى سماء الدنيا وإما إلى الأرض ، وهو قول الأكثرين ، وعلى التقديرين فإن المكان لا يسعهم إلا على سبيل التناوب والنزول فوجاً فوجاً كأهل الحج ، فإنهم على كثرتهم يدخلون الكعبة أفواجاً . وعن كعب : إن سدرة المنتهى على حد السماء السابعة ، وساقها في الجنة وأغصانها تحت الكرسي ، فيها ملائكة لا يعلم عددهم إلا الله ، ومقام جبرائيل في وسطها ليس فيها ملك إلا وقد أعطي الرأفة والرحمة للمؤمنين ، ينزلون مع جبرائيل ليلة القدر فلا يبقى بقعة في الأرض إلا وعليها ملك ساجد أو قائم يدعو للمؤمنين والمؤمنات ، وجبرائيل لا يدع أحداً من الناس إلا صافحهم ، وعلامة ذلك أن يقشعر جلده ، ويرق قلبه ، وتدمع عيناه ، من قال فيها : لا إله إلا الله ثلاث مرات غفر له بواحدة ، ونجاه من النار بواحدة ، وأدخله الجنة بواحدة ، وأول من يصعد جبرائيل حتى يصير أمام الشمس ، فيبسط جناحين أخضرين لا ينشرهما إلا تلك الساعة من يوم تلك الليلة ، ثم يدعو ملكاً ملكاً فيصعد الكل فيجتمع نور الملائكة ونور جناح جبرائيل ، فيقيم جبرائيل ومن معه من الملائكة بين الشمس وسماء الدنيا يومهم ذلك مشتغلين بالدعاء والرحمة والاستغفار للمؤمنين ، ولمن صام رمضان احتساباً ، فيسألونهم عن رجل رجل ، وعن امرأة امرأة ، حتى يقولوا : ما فعل فلان ، كيف وجدتموه ؟ فيقولون : وجدناه عام أول مبتدعاً ، وفي هذا العام متعبداً ، وفي بعضهم بالعكس ، فيدعون للأول دون الآخر . ووجدنا فلاناً تالياً ، وفلاناً راكعاً ، وفلاناً ساجداً ، فهم كذلك يومهم وليلتهم حتى يصعدوا إلى السماء الثانية ، وهكذا يفعلون في كل سماء حتى ينتهوا إلى سدرة المنتهى ، فتقول لهم السدرة : يا سكاني حدثوني عن الناس ، فإن لي عليكم حقاً ، وإني أحب من أحب الله . وتقول الجنة : عجلهم اللهم إليّ ، والملائكة وأهل السدرة يقولون : آمين . وإنما نزول الملائكة على فضيلة هذه الليلة لأن الجماعة كلما كانت أكثر كان نزول الرحمة أوفر ، والطاعة في حضور الملائكة الذين هم العلماء بالله والعباد له تكون أدخل في الإخلاص ، وأجلب لأسباب القبول . أما الروح فالأظهر أنه جبرائيل ، خص بالذكر لزيادة شرفه . وقيل : ملك يقوم صفاً ، والملائكة كلهم صفاً ، وقيل : طائفة من الملائكة لا يراهم غيرهم إلا في هذه الليلة . وقيل : خلق من خلق الله يأكلون ويلبسون ليسوا من الملائكة ولا من الإنس ، ولعلهم خدم أهل الجنة . وقيل : عيسى عليه السلام ينزل في جماعة من الملائكة ليطالع أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقيل : القرآن { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } [ الشورى :52 ] وقيل : الرحمة . وقيل : هم كرام الكتابين . يروى أنهم يطالعون اللوح فيرون فيه طاعة المكلفين مفصلة ، فإذا وصلوا إلى معاصيهم أرخي الستر فلا يرونها ، فحينئذ يقولون : سبحان من أظهر الجميل وستر القبيح ، ويشتاقون إلى لقائهم فينزلون لذلك . ومن فوائد نزولهم أنهم يرون في الأرض من أنواع الطاعات ما لم يروها في سكان السماوات ، ويسمعون أنين العصاة الذي هو أحب إلى الله من زجل المسبحين ، فيقولون : تعالوا نسمع صوتاً هو أحب إلى ربنا من تسبيحنا . ولعل للطاعة في الأرض خاصية في هذه الليلة ، فالملائكة أيضاً يطلبونها طمعاً في مزيد الثواب ، كما أن الرجل يذهب إلى مكة لتصير طاعاته هناك أكثر ثواباً . وفي قوله { بإذن ربهم } إشارة إلى أنهم لا يفعلون شيئاً إلا بإذن الله لقوله { وما نتنزل إلا بأمر ربك }
[ مريم : 64 ] وفي قوله { ربهم } توبيخ للعصاة ، وتعظيم لشأن الملائكة ، كأنه قال : كانوا لي فكنت لهم . يروى أن داود عليه السلام في مرض الموت قال : إلهي كن لسليمان كما كنت لي ، فنزل الوحي ، قل لسليمان : فليكن لي كما كنت لي . وقوله { من كل أمر } إشارة عند الأكثرين إلى فائدة نزولهم ، أي من أجل كل أمر قدر في تلك الليلة إلى قابل . ومعنى العدول من لام التعليل إلى " من " أن السائل كأنه يقول : من أين جئتم ؟ فيقولون : ما لكم وهذا السؤال ؟ ولكن قولوا : لأي أمر جئتم ؛ لأنه حظكم . وقيل : { من كل أمر } أي من أجل كل منهم ، فبعضهم للركوع وبعضهم للسجود ، وبعضهم للتسليم . يروى أنهم لا يتلقون مؤمناً ولا مؤمنة إلا سلموا عليه . عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله يقدر المقدر في ليلة البراءة ، فإذا كان ليلة القدر يسلمها إلى أربابها " . وقيل : يقدر ليلة البراءة للآجال والأرزاق ، وليلة القدر للخير والبركة . وقيل : يقدر في ليلة القدر ما يتعلق به صلاح معاش المكلف ومعاده ، ويكتب في ليلة البراءة أسماء من يموت فتسلم إلى ملك الموت .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.