الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمۡ جَعَلَ ٱلسِّقَايَةَ فِي رَحۡلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا ٱلۡعِيرُ إِنَّكُمۡ لَسَٰرِقُونَ} (70)

وقوله سبحانه : { فَلَمَّا جَهَّزَهُم بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السقاية فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا العير إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ } [ يوسف : 70 ] .

هذا من الكَيْد الذي يَسَّره اللَّه ليوسُفَ عليه السلام ، وذلك أنه كان في دين يَعْقُوبَ ؛ أنْ يُسْتَبْعَدَ السارقُ ، وكان في دِينِ مِصْرَ ؛ أن يُضْرَبَ ، ويُضَعَّف عليه الغُرْم ، فعلم يوسُفُ أَنَّ إِخوته لثقتهم ببراءة سَاحَتِهِمْ سَيَدْعُونَ في السَّرقة إِلى حكمهم ، فتحيَّل لذلك ، واستسهل الأَمرَ على ما فيه مِنْ رَمْي أبرياء وإِدخالِ الهَمِّ على يَعْقُوب وعَلَيْهِم ؛ لِمَا علم في ذلك من الصَّلاح في الآجِلِ ، وبوَحْيِ لا محالة ، وإِرادةٍ مِنَ اللَّه محنَتَهُمْ بذلك ، و{ السقاية } : الإِناء الذي به يَشْرَبُ المَلِكُ ؛ وبه كان يَكِيلُ الطعام للنَّاس ؛ هكذا نصَّ جمهور المفسِّرين ابنُ عباس وغيره ، وروي أنه كان مِنْ فضَّة ، وهذا قولُ الجمهور ، وكان هذا الجعل بغَيْرِ عِلْم من «يَامين » ؛ قاله السُّدِّيُّ وهو الظاهر ، «فلما فَصَلَتِ العير » بأوقارها ، وخرجَتْ من مصر فيما رُوِيَ أمر بهم فَحُبِسُوا ، و{ أذن مؤذن أيتها العير إِنكم لسارقُونَ } ، ومخاطبةُ العِير مجازٌ ، والمراد أربابها .

( ت ) : قال الهَرَوِيُّ : قوله تعالى : { أَيَّتُهَا العير } : «العير » : الإِبلُ والحمير التي تحمل عليها الأحمال ، وأراد أصحاب العير ؛ وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم : ( يا خَيْلَ اللَّهِ ، اركبي ) أراد : يا أَصْحَابَ خَيْلِ اللَّهِ اركبي ، وأنَّث «أَيًّا » ؛ لأَنه للعيرِ ، وهي جماعة ، انتهى .