الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (30)

وقوله تعالى : { قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } [ النور : 30 ] .

أظهر ما في { مِنْ } أَنْ تكون للتبعيض ، لأَنَّ أول نظرة لا يملكها الإنسانُ وإنَّما يَغُضُّ فيما بعد ذلك ، فقد وقع التبعيض بخلاف الفروج إذ حفظُها عامٌّ لها ، والبصر هو الباب الأكبر إلى القلب ، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ، ووجب التحذيرُ منه ، وحفظُ الفرج هو عن الزنا وعن كشفه حيث لا يحل .

( ت ) : النواظر صوارمُ مشهورة فاغمدها في غِمْدِ الغَضِّ والحياء مِنْ نظر المولى وإلاَّ جرحك بها عَدُوُّ الهوى ، لا ترسلْ بريد النظر فيجلبَ لقلبك رَدِيءَ الفكر ، غُضُّ البصرِ يُورِثُ القلب نوراً ، وإطلاقُه يَقْدَحُ في القلب ناراً ، انتهى من «الكلم الفارقية في الحكم الحقيقية » .

قال ابن العربيِّ في «أحكامه » : قوله تعالى : { ذلك أزكى لَهُمْ } يريد أطهر وأنمى ، يعني : إذا غَضَّ بصره كان أطهرَ له من الذنوب وأَنمى لعمله في الطاعة ، قال ابن العربي : ومِنْ غَضَّ ، البصر : كَفُّ التطلع إلى المُبَاحَاتِ من زينة الدنيا وجمالِها كما قال اللّه تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أزواجا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الحياة الدنيا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وأبقى } [ طه : 131 ] يريد ما عند اللّه تعالى انتهى .