الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{ذَٰلِكَ ٱلَّذِي يُبَشِّرُ ٱللَّهُ عِبَادَهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِۗ قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ وَمَن يَقۡتَرِفۡ حَسَنَةٗ نَّزِدۡ لَهُۥ فِيهَا حُسۡنًاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ شَكُورٌ} (23)

وقوله تعالى : { ذَلِكَ الذي يُبَشّرُ الله عِبَادَهُ } إشارة إلى قوله تعالى في الآية الأخرى : { وَبَشِّرِ المؤمنين بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ الله فَضْلاً كِبِيراً } [ الأحزاب : 47 ] .

وقوله تعالى : { قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ المودة فِي القربى } اختلف الناسُ في معناه فقال ابن عباس وغيره : هي آية مَكِّيَّةٌ نزلت في صدر الإسلام ، ومعناها : استكفاف شَرِّ الكفار ودفع أذاهم ، أي : ما أسألكم على القرآن إلاَّ أَنْ تَوَدُّوني لقرابةٍ بيني وبينكم ؛ فَتَكُفُّوا عَنِّي أذاكم ، قال ابن عباس ، وابن إسحاق ، وقتادة : ولم يكن في قريش بطن إلاَّ وللنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فيه نسب أو صِهْرٌ ، فالآية على هذا فيها استعطافٌ مَّا ، ودفع أذًى ، وطلبُ سلامة منهم ، وذلك كله منسوخ بآية السيف ، ويحتمل هذا التأويل أنْ يكون معنى الكلام استدعاء نصرهم ، أي : لا أسألكم غرامة ولا شيئاً إلاَّ أَنْ تَوَدُّوني لقرابتي منكم ، وأنْ تكونوا أولى بي من غيركم .

قال ( ع ) : وقُرَيْشٌ كُلُّها عندي قربى ، وإنْ كانت تتفاضل ، وقد رُوِيَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنَّه قال : " مَنْ مَاتَ عَلَى حُبِّ آلِ مُحَمَّدٍ مَاتَ شَهِيداً ، ومَنْ مَاتَ على بُغْضِهِم ، لَمْ يَشمَّ رَائِحَةَ الجَنَّةِ " ، وقال ابن عَبَّاس أيضاً : ما يقتضي أَنَّ الآية مَدَنِيَّةٌ ، وأَنَّ الأنصار جَمَعَتْ لرسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم مالاً وساقَتْهُ إليه ، فَرَدَّهُ عليهم ، وَنَزَلَتِ الآيةُ في ذلك ، وقيلَ غَيْرُ هذا ، وعلى كُلِّ قولٍ ، فالاستثناء مُنْقَطِعٌ ، و{ إِلاَّ } بمعنى لَكِنْ و{ يَقْتَرِفْ } معناه : يَكْتَسِب ، ورَجُلٌ قُرَفَةٌ إذا كان محتالاً كسوباً ، و{ غَفُورٌ } معناه : ساترٌ عُيُوبَ عباده ، و{ شَكُورٍ } معناه : مُجِازٍ على الدقيقة من الخير ، لا يضيع عنده لعاملٍ عَمَلٌ .