{ اتبعوا } أقبلوا عليه واقتفوا أثره وفضلوه
{ تتلوا } تقرأ أو تتابع وهي بمعنى تلت أو روت
{ السحر } التمويه بالحيل والخدعة والأخذة وما لطف أخذه وخفي سببه
{ بابل } قطر من الأرض قيل العراق وما والاه
{ فتنة } ابتلاء واختبار { المرء } الرجل { زوجه } امرأته
{ بإذن } بأمر أو بعلم ويتجوز بالأمر هنا عن التكوين
{ اشتراه } استبدله { خلاق } نصيب { اشروا } باعوا
من سوء صنيع بني إسرائيل وما أكثرهم وأفجر إساءتهم أنهم طرحوا كتب الله تعالى المنزلة وأداروا ظهورهم لها ، فعل المعرض المستخف وأقبلوا على ما افترته الشياطين على ملك سليمان عليه السلام وأنه قام على السحر والخدعة والأخذة صلى الله عليه وسلم وبهذا تسلط على الجن وسخر الطير والريح والله يشهد أنهم لكاذبون وبينت الآية الكريمة بهتانهم { وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر } واقتفوا أثر التمويه بالحيل والتخييل وفضلوا أن يعملوه ويعلموه على أن يتبعوا ما أنزل الله من الحق والرشد والهدى ودعوة الناس إلى البر والخير ، { وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت } و{ ما } موصولة{[369]} بمعنى الذي والواو للعطف على السحر وهما واحد إلا أنه نزل تغاير المفهوم منزلة تغاير الذات-{[370]} و{ هاروت وماروت } عطف بيان للملكين ، فكأن المعنى : يعلمون الناس السحر ، ويعلمونهم الذي أنزل على الملكين هاروت وماروت إذ أهبطا إلى العراق { وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر } فكان السحر المنزل على الملكين ابتلاء للناس واختبارا ولله تعالى أن يمتحن عباده بما يشاء وقد اختبر سبحانه جنود طالوت بماء عذب مروا به في طريقهم إلى جهاد عدو الله وعدوهم فاختبروا من شرب هذا الماء { فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس منى ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلا قليلا منهم . . . . }{[371]} وها هنا قال الملكان إنما نحن محنة من الله نخبرك أن عمل الساحر كفر فإن أطعتنا نجوت وإن عصيتنا هلكت وما يعلم الملكان أحدا حتى ينهياه وينصحاه ويقولا له : إنما نحن ابتلاء واختبار من الله فلا تكفر بأن تتعلمه معتقدا له أنه حق أو متوصلا به إلى شيء من المعاصي والأعراض العاجلة { فيتعلمون } الضمير لما دل عليه العموم في { من أحد } أي فيتعلم الناس من الملكين ما يفرقون به بين المرء وزوجه إما لأنه اعتقد أن السحر حق فكفر فبانت منه امرأته وإما لأنه يفرق بينهما بالتمويه والاحتيال كالنفث في العقد ونحو ذلك مما يحدث الله عنده الفرك والنشوز ابتلاء منه ، لا أن السحر له أثرا في نفسه بدليل قوله تعالى { وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } بإرادته وقدرته لأنه إن شاء أحدث عند ذلك شيئا من أفعاله وإن شاء لم يحدث وكان الذي يتعلمونه منها لم يكن مقصورا على هذه الصورة ولكن سوء المرء وركونه إلى زوجته لما كان أشد خصت بالذكر ليدل بذلك على أن سائر الصور بتأثير السحر فيها أولى{[372]} والتفريق بين الرجل وزوجته جرم عظيم لما جعل الله تعالى بينهما من الألفة التي هي من ملته سبحانه وآثار حكمته ورحمته يقول تباركت آلاؤه وتقدست أسماؤه { من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون }{[373]} فمن خبب امرأة على زوجها كان من الفاسقين وعمل عمل الشياطين وروى الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إن الشيطان ليدعوا عرشه على الماء ثم يبعث سراياه في الناس فأقربهم عنده منزلة أعظمهم عنده فتنة يجيء أحدهم فيقول مازلت بفلان حتى تركته يقول كذا وكذا فيقول إبليس لا والله ما صنعت شيئا فيجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين أهله فيقربه ويدنيه ويلتزمه ويقول نعم أنت " . { ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم } ويتعلم الإسرائيليون من السحر ما يغريهم تعلمه على العمل بشروره وآثامه فيخسرون معادهم ومهما حصلوا من كسب عاجل فيما انتفعوا به لأن الانتفاع القليل الزائل كلا انتفاع ؛ { ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق } لقد علم اليهود من بني إسرائيل كتابي وراء ظهورهم تجاهلا منهم ، التاركون العمل بما فيه من اتباعك يا محمد واتباع ما جئت به بعد إنزالي إليك كتابي مصدقا لما معهم وبعد إرسالك إليهم بالإقرار بما معهم وما في أيديهم المؤثرون عليه اتباع السحر الذي تلته الشياطين على عهد سليمان والذي أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت لمن اشترى السحر بكتابي الذي أنزلته على رسولي فآثره عليه ، ماله في الآخرة من خلاق . . . . عن مجاهد . . . { من خلاق } يقول من نصيب . . . { ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون } . . . ذم من الله تعالى ذكره فعل المتعلمين من الملكين التفريق بين المرء وزوجه وأخبر منه جل ثناؤه عنهم أنهم بئس ما شروا به أنفسهم برضاهم بالسحر عوضا عن دينهم الذي به نجاة أنفسهم من الهلكة جهلا منهم بسوء عاقبة فعلهم وخسارة صفقة بيعهم ، إذا كان يتعلم ذلك منهم من لا يعرف الله ولا يعرف حلاله وحرامه وأمره ونهيه ثم عاد إلى الفريق الذي أخبر الله عنهم أنهم نبذوا كتابه وراء ظهورهم . . . فأخبر عنهم أنهم قد علموا من اشترى السحر ما له في الآخرة من خلاق . . . وإنما نفى عنهم جل ثناؤه العلم بقوله . . { لو كانوا يعلمون } بعد وصفه وإياهم بأنهم قد علموا ، بقوله { ولقد علموا } ، من أجل أنهم لم يعملوا بما علموا وإنما العالم العامل بعلمه وأما إن خالف عمله علمه فهو في معاني الجهال -{[374]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.