فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِۗ وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡيَتَٰمَىٰۖ قُلۡ إِصۡلَاحٞ لَّهُمۡ خَيۡرٞۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمۡ فَإِخۡوَٰنُكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَعۡلَمُ ٱلۡمُفۡسِدَ مِنَ ٱلۡمُصۡلِحِۚ وَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَأَعۡنَتَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ} (220)

119

{ تخالطوهم } تخلطوا أموالهم بأموالكم .

{ أعنتكم } جهدكم وشق عليكم .

{ كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة } قال ابن عباس يعني في زوال الدنيا وفنائها وإقبال الآخرة وبقائها .

{ ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم } عن ابن عباس قال : لما أنزل تعالى { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن }{[684]} وقوله { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا . . }{[685]} ، انطلق من كان عنده مال اليتيم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه وجعل يحبس له ما يفضل من طعامه حتى يأكله أو يفسد فاشتد ذلك عليهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت { قل إصلاح لهم خير } وهو كلام جامع لمصالح اليتيم والولي ، أما لليتيم فلأنه يتضمن صلاح نفسه بالتقويم والتأديب وصلاح ماله بالتبقية والتثمير لئلا تأكله النفقة عليه والزكاة منه وأما الولي فلأن إحراز الثواب خير له من التحرز عن مال اليتيم حتى تختل مصالحه وتفسد معيشته-{[686]} .

{ وإن تخالطوهم فإخوانكم } قال أبو عبيد : مخالطة اليتامى أن يكون لأحده المال ويشق على كافله أن يفرد طعامه عنه ، ولا يجد بدا من خلطه بعياله فيأخذ من مال اليتيم ما يرى أنه كافيه بالتحري فيجعله مع نفقة أهله وهذا قد يقع فيه الزيادة والنقصان فجاءت هذه الآية الناسخة بالرخصة فيه ، قال أبو عبيد : وهذا عندي أصل لما يفعله الرفقاء في الأسفار فإنهم يتخارجون النفقات بينهم بالسوية وقد يتفاوتون في قلة المطعم وكثرته وليس كل من قل مطعمه تطيب نفسه بالتفضل على رفيقه ، فلما كان هذا في أموال اليتامى واسعا كان في غيرهم أوسع ولولا ذلك لخفت أن يضيق فيه الأمر على الناس .

{ والله يعلم المفسد من المصلح } فيه تخويف ، فإن التذكير بأن الملك المهيمن سبحانه خبير بمن يفسد أموال اليتامى ممن يصلحها ويجازي كلا بما عمل مما يحمل على التوجه للإصلاح والحذر من الإفساد ؛ { ولو شاء الله لأعنتكم } من رحمته سبحانه أن شرع لكم الشرعة السمحة ولم يشرع لكم ما يشق عليكم أداؤه . { إن الله عزيز حكيم } غالب لا يمانع ولا يدافع { حكيم } يقضي بما هو صواب وحق .


[684]:سورة الأنعام من الآية 152.
[685]:سورة النساء من الآية 10.
[686]:ما بين العارضتين من تفسير غرائب القرآن.