فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{لَّيۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِيضِ حَرَجٞ وَلَا عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَن تَأۡكُلُواْ مِنۢ بُيُوتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ إِخۡوَٰنِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَعۡمَٰمِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ عَمَّـٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَخۡوَٰلِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمۡ أَوۡ مَا مَلَكۡتُم مَّفَاتِحَهُۥٓ أَوۡ صَدِيقِكُمۡۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَأۡكُلُواْ جَمِيعًا أَوۡ أَشۡتَاتٗاۚ فَإِذَا دَخَلۡتُم بُيُوتٗا فَسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ تَحِيَّةٗ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةٗ طَيِّبَةٗۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (61)

{ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آَبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ { 61 ) } .

{ حرج } ضيق وإثم .

{ ملكتم مفاتحه } الخازن ، يدفع إليهم مفاتح لم ما يستأمنون عليه من مستودعات .

{ صديقكم } صاحبكم الذي يصدقكم الود والحب .

{ أشتاتا } متفرقين .

روى عن ابن عباس : . . لما أنزل الله : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل . . ){[2525]} قال المسلمون : إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل . والطعام هو من أفضل الأموال فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد ، فكف الناس عن ذلك ، فأنزل الله : { ليس على الأعمى حرج } إلى قوله : { أو صديقكم } .

. . قال عطاء الخرساني وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يقال : إنها نزلت في الجهاد ، وجعلوا هذه الآية هاهنا كالتي في سورة الفتح ، وتلك في الجهاد لا محالة ، أي أنهم لا إثم عليهم في ترك الجهاد لضعفهم وعجزهم ، وكما قال تعالى في سورة براءة : { ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم . ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون ){[2526]} [ وعن سعيد بن جبير . . : كانوا يتحرجون من الأكل مع الأعمى لأنه لا يرى الطعام وما فيه من الطيبات فربما سبقه غيره إلى ذلك ، ولا مع الأعرج لأنه لا يتمكن من الجلوس فيفتات عليه جليسه ، والمريض لا يستوفي من الطعام كغيره ، فكرهوا أن يؤاكلوهم لئلا يظلموهم ، فأنزل الله هذه الآية رخصة في ذلك . ]{[2527]}

ومما نقل عن ابن العربي : أن الله رفع الحرج عن الأعمى فيما يتعلق بالتكليف الذي يشترط فيه البصر ، وعن الأعرج فيما يشترط في التكليف به المشي ، وما يتعذر من الأفعال مع وجود العرج ، وعن المريض فيما يؤثر المرض في إسقاطه ، كالصوم وشروط الصلاة وأركانها ، والجهاد ونحو ذلك ، ثم قال بعد ذلك مبينا : وليس عليكم حرج في أن تأكلوا من بيوتكم ، فهذا معنى صحيح ، وتفسير مبين مفيد ، يعضده الشرع والعقل ، ولا يحتاج في تفسير الآية إلى نقل ا ه .

{ ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم } قد يكون المعنى : وليس عليكم أيها المؤمنون والمخاطبون حرج أو ضيق أو إثم في أن تأكلوا من بيوتكم ولو كان ما فيها من كسب أولادكم أو من مال زوجاتكم ، ففي الصحيحين : " إن أطيب ما يأكل المرء من كسبه وإن ولده من كسبه "

{ أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم } والإثم والضيق مرفوع عنكم إن أكلتم من بيت من تلك البيوت التي ذكر الله ، يقول ابن العربي : أباح لنا الأكل من جهة النسب من غير استئذان إذا كان الطعام مبذولا ، فإذا كان محرزا دونهم لم يكن لهم أخذه ، ولا يجوز أن يجاوزوا إلى الادخار ، ولا إلى ما ليس بمأكول ، وإن كان غير محرز إلا بإذن منهم . اه .

{ أو ما ملكتم مفاتحه } وليس عليكم حرج أن تأكلوا من بيت ملكتم مفاتحه باستخلاف واستئمان أصحابه لكم ، أو كان عبدا لمالك الدار ، أو أجيرا عنده ، فلكل واحد من هؤلاء أن يأكل من البيت الذي أعطي مفاتيحه ، واشترط بعض الفقهاء في الخازن المباح له شرعا أن يأكل مما يخزن أن لا تكون له أجرة ، فأما إن كانت له أجرة حرم عليه الأكل مما يخزن ، قال ابن عباس : عني وكيل الرجل على ضيعته ، وخازنه على ماله ، فيجوز أن يأكل مما هو عليه . اه .

{ أو صديقكم } ولا حرج عليكم كذلك أن تأكلوا من بيوت أصدقائكم ؛ فالمراد هنا الجمع ، والصديق من يصدق في وده وأخوته لك ، وتصدق في أخوتك له وودك .

يقول صاحب الجامع لأحكام القرآن : قرن الله عز وجل في هذه الآية الصديق بالقرابة المحضة الوكيدة ، لأن قرب المودة لصيق . قال ابن عباس في كتاب النقاش : الصديق أوكد من القرابة ، ألا ترى استغاثة الجهنميين : { فما لنا من شافعين . ولا صديق حميم ){[2528]} ، قلت : ولهذا لا يجوز عندنا شهادة الصديق لصديقه . . اه .

{ ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا } ، لا حرج عليكم أن تأكلوا مجتمعين أو متفرقين ، مما قال ابن عطية : وكان بعض العرب إذا كان له ضيف لا يأكل إلا أن يأكل مع ضيفه ، فنزلت الآية مبينة سنة الأكل ، ومذهبة كل ما خالفها من سيرة العرب ، ومبيحة من أكل المنفرد ما كان عند العرب محرما ، نحت به نحو كرم الخلق ، فأفرطت في إلزامه ، وأن إحضار الأكيل لحسن ، ولكن بألا يحرم الانفراد . اه .

{ فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة } كلما دخلتم بيتا من تلك البيوت المشار إليها في الآية أو من غيرها تملكونه أو يملكه من سواكم فسلموا فإن كان لسواكم فالاستئناس والسلام ، وإن كانت بيوتكم وفيها أهلكم وخدمكم فقولوا السلام عليكم ، فإن لم يكن فيها أحد ودخلتموها فقولوا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين { تحية } يمكن أن يكون نصبا على المفعول المطلق ، لأن معنى{ فسلموا } فحيوا ، { مباركة } كثيرة الخير { طيبة } يطيب حالها ومآلها .

{ كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون } كما بين المولى الحكيم شرعته ومنهاجه لكم في هذه الأشياء يبين لكم سائر ما بكم من حاجة إليه لتعقلوا عن ربكم ما فيه خيركم وفلاحكم وفوزكم .


[2525]:سورة النساء. من الآية 29.
[2526]:سورة التوبة. الآيتان: 91، 92.
[2527]:ما بين العلامتين [ ] من تفسير القرآن العظيم، بتصرف.
[2528]:سورة الشعراء. الآيتان100، 101