جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{لَّيۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِيضِ حَرَجٞ وَلَا عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَن تَأۡكُلُواْ مِنۢ بُيُوتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ إِخۡوَٰنِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَعۡمَٰمِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ عَمَّـٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَخۡوَٰلِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمۡ أَوۡ مَا مَلَكۡتُم مَّفَاتِحَهُۥٓ أَوۡ صَدِيقِكُمۡۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَأۡكُلُواْ جَمِيعًا أَوۡ أَشۡتَاتٗاۚ فَإِذَا دَخَلۡتُم بُيُوتٗا فَسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ تَحِيَّةٗ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةٗ طَيِّبَةٗۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (61)

{ لَيْسَ{[3570]} عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ } ، كان المؤمنون إذا دخل عليهم الأعمى وغيره وليس في بيوتهم شيء يضيفونه يذهبون به إلى بيت أحد من هؤلاء المذكورين في الآية ، فيأكل هو وضيفه من بيوتهم ، فخافوا أن يكون أكلا بغير حق ، ويلحقهم إثم لقوله تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } ، فترلت ، أي : ليس على الضعفاء ، ولا على أنفسكم حرج في ذلك أو كانوا{[3571]} يخرجون إلى الغزو ويدفعون مفاتيح أبوابهم إلى هؤلاء القاعدين ، ويأذنون أن يأكلوا من بيوتهم ، وهم يتحرجون ، ولا يأكلون فترلت رخصة لهم ، ولغيرهم أن يأكلوا من بيوت هؤلاء أو كان{[3572]} هؤلاء المرضى من الأعمى ، وغيره يتنزهون عن مؤاكلة الأصحاء ، فترلت ، أو معناه{[3573]} ليس على الأعمى والأعرج ، والمريض حرج في القعود عن الغزو ، ولا عليكم أن تأكلوا من هذه البيوت ، وقوله : { أن تأكلوا من بيوتكم } ، أي : التي فيها أزواجكم ، وعيالكم ، وعن بعض المفسرين : ذكره ليعطف عليه الباقي ليعلم أن بيوت الأقارب كبيت نفسه ، فلا يحترز عنها بوجه ، { أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ } ، عطف على ما بعد من أي : أن تأكلوا عما في يده{[3574]} وتصرفه وملك المفاتح كناية عن ذلك ( كالناطور ){[3575]}* جاز له أن يأكل من البستان ، والراعي من لبن الغنم ، والمأذون مما في بيت بيده مفاتحه ، أو عطف على ما يضاف البيوت إليه أي : بيوت الذين ملكتم مفاتحهم{[3576]} وهم المماليك ، { أَوْ صَدِيقِكُمْ{[3577]} } ، أو بيوت صديقكم ، وهو يقع على الواحد ، والجمع وهذا كله إذا علم رضى صاحب المال وإن كان بقرينة ، { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا } : مجتمعين ، { أَوْ أَشْتَاتًا } : متفرقين ، كانوا يتحرجون أن يأكل الرجل وحده{[3578]} فرخصهم في ذلك أو كان الغني يطلب{[3579]} فقيرا من قرابته ليأكل معه ، فيقول : والله لأتخرج أن آكل معك وإني فقير وأنت غني ، أو كانوا{[3580]} إذا نزل بهم ضيف يتحرجون أن لا يأكلوا إلا معه ، { فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا } : من هذه البيوت ليأكلوا ، { فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ } : على أهل الذي هو منكم دينا وقرابة ، أو إذا دخلتم بيوت{[3581]} أنفسكم فسلموا على أهل بيتكم ، أو إذا دخلتم{[3582]} بيوتا خالية فقالوا : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، { تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ{[3583]} اللَّهِ } : ثابتة بأمره من عنده على المصدر ، لأنها بمعنى التسليم ، ويجوز أن يكون معناه سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، { مُبَارَكَةً } : يرجى بها زيادة الخير ، { طَيِّبَةً } : تطيب بها نفس المستمع ، { كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون{[3584]} } : الحق والخير .


[3570]:ولما حجر في أمر البيوت لبعض ووسع لبعض لأجل صيانة العرض ضيق ووسع أيضا في أمر المال، فقال: {ليس على الأعمى} الآية /12 وجيز.
[3571]:تقله الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها /12 منه.
[3572]:نقله محيي السنة عن سعيد بن جبير والضحاك، وغيرهما /12 منه.
[3573]:قاله العطاء الخراساني، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وجعلوا كالآية التي في سورة الفتح، وتلك الجهاد البتة / 12 منه.
[3574]:هو قول عائشة رضي الله عنها /12 منه.
[3575]:النّاطور: حافظ الزرع والتمر والكَرْم.
[3576]:قاله سعيد بن جبير والسدي / 12 منه.
[3577]:عن ابن عباس: الصديق أوكد من والديه ألا ترى استغاثة أهل النار لم يستغيثوا بالآباء والأمهات، وقالوا: {فما لنا من شافعين ولا صدق حميم} قيل لعالم: أخوك أحب إليك أم صديقك ؟ فأجاب لا أحب أخي إلا إذا كان صديقي. وما تعرض لبيت الأولاد لأنه داخل بيوتكم فإن ولد الشخص بعضه، ولأن الولد أقرب ممن عدد من القرابات، وفي الحديث: (أطيب ما يأكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه) /12 وجيز. [صحيح، انظر صحيح الجامع (1566)، وراجع الإرواء (1626)].
[3578]:قاله ابن عباس، وقتادة والضحاك، وابن جريح / 12 منه.
[3579]:نقله عطاء الخراساني عن ابن عباس /12 منه.
[3580]:قال عكرمة وأبو صالح /12 منه.
[3581]:هو قول جابر، وطاووس، والزهري، وقتادة، والضحاك، وعمرو بن دينار / 12 منه.
[3582]:قاله ابن عباس، وقتادة، ومجاهد /12 منه.
[3583]:معناها فتعملون على مقتضاها أو تدخلون في زمرة العقلاء، ولما بين الاستئذان في دخول البيت، وجواز الأكل من بعض البيوت واستحباب السلام حين دخول البيت، وجواز الأكل من بعض البيوت واستحباب السلام حين دخول البيت عقبه بالاستئذان عن محضر النبي المصطفى – صلى الله عليه السلام- الذي هو بيت الله فقال: {إنما المؤمنون} الآية / 12وجيز.
[3584]:ولما ذكر من الحكم ما هو من خصوصيات رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أعقبه بشيء آخر من خصوصياته الدال على تعظيمه كالأول فقال: {لا تجعلوا دعاء الرسول} الآية /12 وجيز.