التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي  
{لَّيۡسَ عَلَى ٱلۡأَعۡمَىٰ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡأَعۡرَجِ حَرَجٞ وَلَا عَلَى ٱلۡمَرِيضِ حَرَجٞ وَلَا عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَن تَأۡكُلُواْ مِنۢ بُيُوتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ إِخۡوَٰنِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَعۡمَٰمِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ عَمَّـٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَخۡوَٰلِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمۡ أَوۡ مَا مَلَكۡتُم مَّفَاتِحَهُۥٓ أَوۡ صَدِيقِكُمۡۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَأۡكُلُواْ جَمِيعًا أَوۡ أَشۡتَاتٗاۚ فَإِذَا دَخَلۡتُم بُيُوتٗا فَسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ تَحِيَّةٗ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةٗ طَيِّبَةٗۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ} (61)

{ ليس على الأعمى حرج } الآية : اختلف في المعنى الذي رفع الله فيه الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض في هذه الآية ، فقيل : هو في الغزو أي : لا حرج عليهم في تأخيرهم عنه ، وقوله : { ولا على أنفسكم } مقطوع من الذي قبله على هذا القول كأنه قال : ليس على هؤلاء الثلاثة حرج في ترك الغزو ، ولا عليكم حرج في الأكل ، وقيل : الآية كلها في معنى الأكل ، واختلف الذاهبون إلى ذلك ، فقيل : إن أهل هذه الأعذار كانوا يتجنبون الأكل مع الناس لئلا يتقذرهم الناس ، فنزلت الآية مبيحة لهم الأكل مع الناس ، وقيل : إن الناس كانوا إذا نهضوا إلى الغزو خلفوا أهل هذه الأعذار في بيوتهم ، وكانوا يتجنبون أكل مال الغائب ، فنزلت الآية في ذلك ، وقيل : إن الناس كانوا يتجنبون الأكل معهم تقذرا ، فنزلت الآية ، وهذا ضعيف . لأن رفع الحرج عن أهل الأعذار لا عن غيرهم ، وقيل : إن رفع الحرج عن هؤلاء الثلاثة في كل ما تمنعهم عنه أعذارهم من الجهاد وغيره .

{ ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم } أباح الله تعالى للإنسان الأكل في هذه البيوت المذكورة في الآية ، فبدأ ببيت الرجل نفسه ، ثم ذكر القرابة على ترتيبهم ولم يذكر فيهم الابن ، لأنه دخل في قوله : { من بيوتكم } ، لأن بيت ابن الرجل بيته ، لقوله عليه الصلاة والسلام : " أنت ومالك لأبيك " ، واختلف العلماء فيما ذكر في هذه الآية من الأكل من بيوت القرابة فذهب قوم إلى أنه منسوخ ، وأنه لا يجوز الأكل من بيت أحد إلا بإذنه والناسخ قوله تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } [ البقرة :188 ] ، وقوله عليه الصلاة والسلام : " لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه " ،

وقيل : الآية محكمة ، ومعناها إباحة الأكل من بيوت القرابة إذا أذنوا في ذلك ، وقيل : بإذن وبغير إذن .

{ أو ما ملكتم مفاتحه } : يعني الوكلاء والأجراء والعبيد الذين يمسكون مفاتح مخازن أموال ساداتهم ، فأباح لهم الأكل منها ، وقيل : المراد ما ملك الإنسان من مفاتح نفسه وهذا ضعيف .

{ أو صديقكم } الصديق يقع على الواحد والجماعة ، كالعدو ، والمراد به هنا جمع ليناسب ما ذكر قبله من الجموع في قوله : { آبائكم وأمهاتكم } وغير ذلك ، وقرن الله الصديق بالقرابة ، لقرب مودته ، وقال ابن عباس : الصديق أوكد من القرابة .

{ ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا } إباحة للأكل في حال الاجتماع والانفراد ، لأن بعض العرب كان لا يأكل وحده أبدا خيفة من البخل ، فأباح لهم الله ذلك .

{ فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم } أي : إذا دخلتم بيوتا مسكونة ، فسلموا على من فيها من الناس ، وإنما قال على أنفسكم بمعنى صنفكم كقوله : { ولا تلمزوا أنفسكم } [ الحجرات : 11 ] وقيل : المعنى إذا دخلتم بيوتا خالية فسلموا على أنفسكم بأن يقول الرجل السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، وقيل : يعني بالبيوت المساجد ، والأمر بالسلام على من فيها ، فإن لم يكن فيها أحد فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى الملائكة ، وعلى عباد الله الصالحين .