فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ} (6)

{ يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين( 6 ) } .

أمر من الله تعالى للمؤمنين أن يتثبتوا مما يرد إليهم من أنباء تأتيهم ممن يخل بشيء من أحكام الدين ، حتى لا تُبنى أحكامُهم وأعمالُهم على ما ليس بحق ، فيغتموا لذلك .

قال الراغب : لا يقال للخبر في الأصل نبأ حتى يكون ذا فائدة عظيمة يحصل به علم أو غلبة ظن .

روى الطبري بسنده عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا في صدقات بني المصطلق بعد الوقعة فسمع بذلك القوم ، فتلقوه يعظمون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله ، قالت : فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم ، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ، قال فبلغ القوم رجوعه ، قال : فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصفوا له حين صلى الظهر فقالوا : نعوذ بالله من سخط الله ومن سخط رسوله ، بعثت إلينا رجلا مصداقا{[5164]} فسررنا بذلك وقرّت به أعيننا ، ثم إنه رجع من بعض الطريق فخشينا أن يكون ذلك غضبا من الله ومن رسوله ، فلم يزالوا يكلمونه حتى جاء بلال وأذن بصلاة العصر قال : ونزلت : { يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين } .

[ وقيل : بعث إليهم خالد بن الوليد فوجدهم منادين بالصلاة متهجدين فسلموا إليه الصدقات فرجع ؛ قال جار الله : في تنكير الفاسق والنبأ عموم ، كأنه قيل : أي فاسق جاءكم بأي نبأ فتوقفوا فيه واطلبوا البيان ؛ والنبأ الخبر الذي يعظم وقعه ، واختير لفظة { إن } التي هي للشك دون [ إذا ] تنبيها على أنه صلى الله عليه وسلم ومن معه بمنزلة لا يجسر أحد أن يخبرهم بكذب إلا على سبيل الفرض والندرة . . قال الأصوليون من الأشاعرة : إن خبر الواحد العدل يجب العمل به لأن الله تعالى أمر بالتبيّن في خبر الفاسق ولو تبيّنا في خبر العدل لسوّينا بينهما ؛ وضعّف بأنه من باب التمسك بالمفهوم . . وقيل : إن الوليد لم يقصد الكذب ، ولكنه ظن حين اجتمعوا لإكرامه أن يكونوا همّوا بقتله ؛ ولقائل أن يقول : لفظ القرآن وسبب النزول يدل على خلافه ، نعم لو قيل : إنه تاب بعد ذلك لكان له وجه ]{[5165]} .


[5164]:يجمع الصدقات ويجبي الزكاة.
[5165]:مما نقله صاحب تفسير غرائب القرآن.