فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمۡ رَسُولَ ٱللَّهِۚ لَوۡ يُطِيعُكُمۡ فِي كَثِيرٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ ٱلۡكُفۡرَ وَٱلۡفُسُوقَ وَٱلۡعِصۡيَانَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلرَّـٰشِدُونَ} (7)

{ واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم }

لما كانت السورة من أولها تبين ما يحب الله من توقير نبيّه الكريم ، وبيّنت الآية المباركة السابقة ما هو الأليق للمؤمنين من التثبت والأناة حين ترِدَهُم أنباء ، وأوصت هذه الآية بأن يكونوا على ذُكْرٍ ويقين من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم يأتيه الوحي ولا يأتيهم ، وأمروا باتباعه ولم يؤمر باتباعهم ، فليكونوا عند مقتضى هذا العلم ، فلا يقولوا له إلا ما هو حقّ لا مرية فيه ، ولا يطلبوا إليه أمرا قبل أن يندبهم إليه- مثلما فعل الوليد بن عقبة إذ قال : إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي- إذ لو أطاعكم الرسول في كثير من الأمور لوقعتم في الأذى والشرور .

والعنت : الإثم ، أو : الوقوع في أمر شاق ؛ وقد جاء في القرآن بمعنى الزنا : { . . ذلك لمن خشي العنت منكم . . }{[5166]} .

[ . . فلا تكذبوا ، فإن الله يُعْلِمُه أنباءكم فتفتضحون . . لو تسارع إلى ما أردتم قبل وضوح الأمر لنالكم مشقة وإثم ، فإنه لو قتل القوم الذين سعى بهم الوليد بن عقبة إليه لكان خطأ ، ولعنت من أراد إيقاع الهلاك بأولئك القوم لعداوة كانت بينه وبينهم ]{[5167]} ؛

{ ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان } .

وليس كل المسلمين يُلمّ بمثل تلك الخطيئة ، بل السعداء يستمسكون بالمنهاج الذي وصاهم الله به فلا يعوجون عنه ، ولقد شرح الله صدورهم لهذا وحسّنه في نفوسهم وأفئدتهم { صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة . . }{[5168]} وبغض إليهم الجحود والخروج عن سبيل المؤمنين والوقوع في الأوزار والآثام .

{ أولئك هم الراشدون( 7 ) } .

هؤلاء أعلى المولى قدرهم ، وأدام رشدهم ، وثبتهم على طريق الحق فعضوا عليه بالنواجذ .


[5166]:سورة النساء. من الآية 35.
[5167]:مما أورده صاحب الجامع لأحكام القرآن.
[5168]:سورة البقرة. من الآية 138.