فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَمِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰٓ أَخَذۡنَا مِيثَٰقَهُمۡ فَنَسُواْ حَظّٗا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِۦ فَأَغۡرَيۡنَا بَيۡنَهُمُ ٱلۡعَدَاوَةَ وَٱلۡبَغۡضَآءَ إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ وَسَوۡفَ يُنَبِّئُهُمُ ٱللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصۡنَعُونَ} (14)

ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون( 14 )

آيتان كريمتان سبقتا في بيان غدر اليهود ، وهنا تقبيح من بعدهم { ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به } لكأن الميثاق في الآية السابقة أخذ على اليهود بقرينة ذكر النقباء الاثني عشر ، فليس المراد على هذا جميع بني إسرائيل ، وأما في هذه الآية فقد أعطى النصارى ميثاقا أن يكونوا أنصار الله فكانوا- إلا قلة- أنصار الشيطان ، وتركوا نصيبا مما نودوا إليه ، وعاهدوا عليه ( يقول عز ذكره : أخذنا من النصارى الميثاق على طاعتي ، وأداء فرائضي واتباع رسلي والتصديق بهم ، فسلكوا في ميثاقي الذي أخذته عليهم منهاج الأمة الضالة من اليهود فبدلوا كذلك دينهم ، ونقضوا نقضهم ، وتركوا حظهم من ميثاقي الذي أخذته عليهم بالوفاء بعهدي ، وضيعوا أمري ) ( {[1703]} ) ؛ عن قتادة : نسوا كتاب الله بين أظهرهم ، وعهد الله الذي عهده إليهم ، وأمر الله الذي أمرهم به ؛ وعن السدي قال : قالت النصارى مثل ما قالت اليهود ونسوا حظا مما ذكروا به ؛ { فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة } فألقينا وألصقنا وألزمنا وحرشنا بينهم الأهواء المتخالفة ، والتنافر والجدال والتخاصم ؛ قال السدي : قال في النصارى . . { فنسوا حظا مما ذكروا به } فلما فعلوا ذلك أغرى الله عز وجل بينهم وبين اليهود العداوة والبغضاء . . وعن الربيع : إن الله عز ذكره تقدم إلى بني إسرائيل أن لا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ، وعلموا الحكمة ولا تأخذوا عليها أجرا ، فلم يفعل ذلك إلا قليل منهم فأخذوا الرشوة في الحكم ، وجاوزوا الحدود ، فقال في اليهود حيث حكموا بغير ما أمر الله( . . وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة . . ) ( {[1704]} ) وقال في النصارى : { فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة } ؛ - فإن قال قائل : وما العداوة التي بين النصارى فتكون مخصوصة بمعنى ذلك ؟ قيل : ذلك عداوة النسطورية واليعقوبية( {[1705]} ) ، والملكية والنسطورية واليعقوبية- ؛ { وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون } يحذر مولانا الملكُ المهيمن هؤلاء الخائنين ، ويتوعدهم بما هم ملاقوه يوم الدين ، من الخذلان والعذاب المهين ، جزاء ما أشركوا بالله رب العالمين .


[1703]:من جامع البيان.
[1704]:من سورة المائدة. من الآية 64.
[1705]:مما يقول ابن كثير: فكل فرقة تُحرم الأخرى..فالملكية تكفر اليعقوبية، وكذلك الآخرون وكذلك النسطورية والأريوسية، كل طائفة تكفر الأخرى في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.