{ ووصينا الإنسان بوالديه حسنا } أمرناه أن يحسن إليهما { وإن جاهداك } اجتهدا عليك { لتشرك بي ما ليس لك به علم } أنه لي شريك { فلا تطعهما } أنزلت في سعد بن أبي وقاص لما أسلم حلفت أمه أن لا تأكل ولا تشرب ولا يظلها سقف بيت حتى يكفر بمحمد ص ويرجع إلى ما كان عليه فأمر أن يترضاها ويحسن إليها ولا يطيعها في الشرك
قوله تعالى : " ووصينا الإنسان بوالديه حسنا " نزلت في سعد بن أبي وقاص فيما روى الترمذي قال : أنزلت فيّ أربع آيات فذكر قصةً ، فقالت أم سعد : أليس قد أمر الله بالبر ، والله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتى أموت أو تكفر ، قال : فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا{[12397]} فاها ، فنزلت هذه الآية : " ووصينا الإنسان بوالديه حسنا " الآية قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح وروي عن سعد أنه قال : كنت باراً بأمي فأسلمت فقالت : لتدعن دينك أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي ، ويقال : يا قاتل أمه ، وبقيت يوما ويوما فقلت : يا أماه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا ، فإن شئت فكلي ، وإن شئت فلا تأكلي ، فلما رأت ذلك أكلت ونزلت : " وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما " الآية ، وقال ابن عباس : نزلت في عياش بن أبي ربيعة أخى أبي جهل لأمه وفد فعلت أمه مثل ذلك وعنه أيضا : نزلت في جميع الأمة إذ لا يصبر على بلاء الله إلا صديق " وحسنا " نصب عند البصريين على التكرير أي ووصيناه حسنا . وقيل : هو على القطع تقديره ووصيناه بالحسن كما تقول وصيته خيرا أي بالخير . وقال أهل الكوفة : تقديره ووصينا الإنسان أن يفعل حسنا فيقدر له فعل وقال الشاعر :
عجبت من دَهْمَاءَ إذْ تَشْكُونَا *** ومن أبِي دَهْمَاءَ إذْ يُوصِينَا
أي يوصينا أن نفعل بها خيرا ، كقوله : " فطفق مسحا " [ ص : 33 ] أي يمسح مسحا وقيل : تقديره ووصيناه أمرا ذا حسن فأقيمت الصفة مقام الموصوف وحذف المضاف ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، وقيل : معناه ألزمناه حسنا وقراءة العامة : " حسنا " بضم الحاء وإسكان السين ، وقرأ أبو رجاء وأبو العالية والضحاك : بفتح الحاء والسين وقرأ الجحدري : " إحسانا " على المصدر ، وكذلك في مصحف أُبيّ التقدير : ووصينا الإنسان أن يحسن إحسانا ولا ينتصب بوصينا ؛ لأنه قد استوفى مفعوليه .
" إلي مرجعكم " وعيد في طاعة الوالدين في معنى الكفر . " فأنبئكم بما كنتم تعملون " .
قوله تعالى : { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( 8 ) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ } .
قال المفسرون : نزلت هذه الآية في سعد بن أبي وقاص ، وذلك أنه لما أسلم قالت له أمه جميلة : يا سعد ، بلغني أنك صبوت ، فو الله لا يظلني سقف بيت من الضّح{[3542]} والريح ، ولا آكل ولا أشرب حتى تكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم وترجع إلى ما كنت عليه ، وكان أحب ولدها إليها ، فأبى سعد ، فصبرت هي ثلاثة أيام لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل حتى غُشيَ عليها ، فأتى سعد النبي صلى الله عليه وسلم وشكا ذلك إليه . فأنزل الله تعالى هذه الآية .
وروي عن سعد أنه قال : كنت بارّا بأمي فأسلمتُ ، فقالت : لتدعن دينك أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتُعيّرُ بي ويقال : يا قاتل أمه . وبقيت يوما ويوما فقلت : يا أماه ، لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا . فإن شئت فكلي وإن شئت فلا تأكلي . فلما رأت ذلك أكلت . ونزلت { وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي } الآية{[3543]} .
وهذه جملة من آيات يأمر الله فيها ببر الوالدين والإحسان إليهما وإسداء الخير والمعروف لهما وطاعتهما تمام الطاعة ما لم يكن في ذلك إثم أو معصية . ولا عجب فإن فضل الوالدين على الإنسان عظيم ، بل إن فضلهما عليه يفوق كل فضل ولا ما كان من فضل الله ؛ فإنه يدنو دونه كل فضل .
ويأتي في طليعة الفضل للوالدين على الإنسان : أن الإنسان بعض والديه أو جزؤهما . فهما السبب في وجوده على هذه الأرض . إلى غير ذلك من المشقة والهم والتعب ، من أجل ذلك أعظمَ الله الإيصاء بالوالدين ووجوب طاعتهما والبر بهما ، وأن لا يؤذيا بأدنى مراتب الإيذاء وهو النبس بأفّ . فقال : سبحانه : { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا } { حُسْنًا } : منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف ؛ أي وصيناه إيصاء حسنا . وقيل : مفعول لفعل مقدر ، وتقديره : ووصينا الإنسان أن يفعل حسنا .
قوله : { وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا } أي إن بذلا جهدهما في الطلب منك أن تشرك بالله أحدا لا تعلم أنه إله فلا تطعهما في ذلك ؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . والمراد بنفي علمه : نفي الشريك لله بالكلية ، فإن ما لا يُعلم أنه إله لا يجوز أن يعبد أو يتبع . ويُلحق بالنهي عن مطاوعة الوالدين في الإشراك : مطاوعتهما في كل المعاصي ؛ فإنهما لا يطاعان البتة فيما فيه معصية لله سبحانه .
قوله : { إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } إلى الله معاد الناس ، فهم لا محالة صائرون إلى ربهم يوم القيامة ، وحينئذ يخبرهم الله بما عملوه من طاعات وسيئات ثم يجازيهم على الحسنة بالإحسان ، وعلى السيئة بالعقاب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.