الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{ضَرَبَ لَكُم مَّثَلٗا مِّنۡ أَنفُسِكُمۡۖ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُم مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ فَأَنتُمۡ فِيهِ سَوَآءٞ تَخَافُونَهُمۡ كَخِيفَتِكُمۡ أَنفُسَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (28)

{ ضرب لكم مثلا } بين لكم شبها في اتخاذكم الأصنام شركاء مع الله سبحانه { من أنفسكم } ثم بين ذلك فقال { هل لكم من ما ملكت أيمانكم } من العبيد والإماء { من شركاء في ما رزقناكم } من المال والولد أي هل يشاركونكم فيما أعطاكم الله سبحانه حتى تكونوا أنتم وهم { فيه سواء تخافونهم } أن يرثوكم كما يخاف بعضكم بعضا أن يرثه ماله والمعنى كما لا يكون هذا فكيف يكون ما هو مخلوق لله تعالى مثله حتى يعبد كعبادته فلما لزمتهم الحجة بهذا ذكر أنهم يعبدونها باتباع الهوى فقال { بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم } في عبادة الأصنام

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{ضَرَبَ لَكُم مَّثَلٗا مِّنۡ أَنفُسِكُمۡۖ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُم مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ فَأَنتُمۡ فِيهِ سَوَآءٞ تَخَافُونَهُمۡ كَخِيفَتِكُمۡ أَنفُسَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (28)

فيه مسألتان :

الأولى- قوله تعالى : " من أنفسكم " ثم قال : " من شركاء " ، ثم قال : " مما ملكت أيمانكم " ف " من " الأولى للابتداء ، كأنه قال : أخذ مثلا وانتزعه من أقرب شيء منكم وهي أنفسكم . والثانية للتبعيض ، والثالثة زائدة لتأكيد الاستفهام . والآية نزلت في كفار قريش ، كانوا يقولون في التلبية : لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك ، قاله سعيد بن جبير . وقال قتادة : هذا مثل ضربه الله للمشركين ، والمعنى : هل يرضى أحدكم أن يكون مملوكه في ماله ونفسه مثله ، فإذا لم ترضوا بهذا لأنفسكم فكيف جعلتم لله شركاء .

الثانية- قال بعض العلماء : هذه الآية أصل في الشركة بين المخلوقين لافتقار بعضهم إلى بعض ونفيها عن الله سبحانه ، وذلك أنه لما قال جل وعز : " ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم مما ملكت أيمانكم " الآية ، فيجب أن يقولوا : ليس عبيدنا شركاءنا فيما رزقتنا ، فيقال لهم : فكيف يتصور أن تنزهوا نفوسكم عن مشاركة عبيدكم وتجعلوا عبيدي شركائي في خلقي ، فهذا حكم فاسد وقلة نظر وعمى قلب ، فإذا بطلت الشركة بين العبيد وسادتهم فيما يملكه السادة والخلق كلهم عبيد لله تعالى فيبطل أن يكون شيء من العالم شريكا لله تعالى في شيء من أفعاله ، فلم يبق إلا أنه واحد يستحيل أن يكون له شريك ، إذ الشركة تقتضي المعاونة ، ونحن مفتقرون إلى معاونة بعضنا بعضا بالمال والعمل ؛ والقديم الأزلي منزه عن ذلك جل وعز .

وهذه المسألة أفضل للطالب من حفظ ديوان كامل في الفقه ؛ لأن جميع العبادات البدنية لا تصح إلا بتصحيح هذه المسألة في القلب ، فافهم ذلك .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ضَرَبَ لَكُم مَّثَلٗا مِّنۡ أَنفُسِكُمۡۖ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُم مِّن شُرَكَآءَ فِي مَا رَزَقۡنَٰكُمۡ فَأَنتُمۡ فِيهِ سَوَآءٞ تَخَافُونَهُمۡ كَخِيفَتِكُمۡ أَنفُسَكُمۡۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَعۡقِلُونَ} (28)

قوله تعالى : { ضَرَبَ لَكُم مَّثَلاً مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ( 28 ) بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ } .

يمثل الله للمشركين الذين اتخذوا من دونه أولياء وأشركوا معه في العبادة آلهة أخرى ، مثلا من أنفسهم ، عبدا مملوكا . وهو قوله : { هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ } أي هل لكم من مماليككم الذين اتخذتموهم لكم عبيدا ، من شركاء فيما رزقناكم من مال { فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء } . أو هل يرضى أحدكم أن يكون عبده شريكا له في ماله ليكون هو ومملوكه في هذا المال سواء ؟ .

قوله : { تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ } أي تخافون هؤلاء الشركاء من مماليككم العبيد أن يقاسموكم أموالكم كما تخافون أن يقاسم بعضكم بعضا . فإن كنتم أنتم تأنفون من مشاركة عبيدكم إياكم فيما تملكونه من المال ، فكيف ترضون وتصدقون أن يكون لله أنداد من خلقه يشاركونه في الملك ؟ . أو كيف يُتصور أن تنزهوا أنفسكم أيها الناس عن مشاركة عبيدكم وتجعلوا أنتم عبيد الله شركاءه في خلقه ؟ ! لا جرم أن حكمكم هذا باطل ؛ بل أنه تصور فاسد ومستهجن لا يصدر إلا عن مأفونين موغلين في الضلالة والجهالة والعناد .

قوله : { كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } الكاف في الإشارة في موضع نصب صفة لمصدر محذوف . أي مثل ذلك التفصيل نبين لكم الحجج والدلائل الواضحات لأولي العقول النيرة والأفهام التي تتفكر وتتدبر وهؤلاء مخصوصون بتفصيل الآيات ؛ لأنهم أجدر أن يبادروا للانتفاع بآيات الله وحججه وعلاماته الدالة على قدرته على الخلق والبعث ليوم الحساب .