قوله تعالى : " ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا " يعني من الذنوب . " ما ترك على ظهرها من دابة " قال ابن مسعود : يريد جميع الحيوان مما دب ودرج . قال قتادة : وقد فعل ذلك ومن نوح عليه السلام . وقال الكلبي : " من دابة " يريد الجن والإنس دون غيرهما ؛ لأنهما مكلفان بالعقل . وقال ابن جرير والأخفش والحسين بن الفضل : أراد بالدابة هنا الناس هنا وحدهم دون غيرهم .
قلت : والأول أظهر ؛ لأنه عن صحابي كبير . قال ابن مسعود : كاد الجعل أن يعذب في حجره بذنب ابن آدم . وقال يحيى بن أبي كثير : أمر رجل بالمعروف ونهى عن المنكر ، فقال له رجل : عليك بنفسك فإن الظالم لا يضر إلا نفسه . فقال أبو هريرة : كذبت ؟ والله الذي لا إله إلا هو . ثم قال : والذي نفسي بيده إن الحبارى لتموت هزلا في وكرها بظلم الظالم . وقال الثمالي ويحيى بن سلام في هذه الآية : يحبس الله المطر فيهلك كل شيء . وقد مضى في " البقرة " نحو هذا عن عكرمة ومجاهد في تفسير " ويلعنهم اللاعنون " {[13181]} هم الحشرات والبهائم يصيبهم الجدب بذنوب علماء السوء الكاتمين فيلعنونهم . وذكرنا هناك حديث البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : " ويلعنهم اللاعنون " قال : ( دواب الأرض ) . " ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم " قال مقاتل : الأجل المسمى هو ما وعدهم في اللوح المحفوظ . وقال يحيى : هو يوم القيامة . " فإن الله كان بعباده " أي بمن يستحق العقاب منهم " بصيرا " ولا يجوز أن يكون العامل في " إذا " " بصيرا " كما لا يجوز : اليوم إن زيدا خارج . ولكن العامل فيها " جاء " لشبهها بحروف المجازاة ، والأسماء التي يجازى بها يعمل فيها ما بعدها . وسيبويه لا يرى المجازاة ب " إذا " إلا في الشعر ، كما قال :
إذا قَصُرَتْ أسيافُنا كان وصلها *** خُطانا إلى أعدائنا فنضارب{[13182]}
ولما كانوا يستعجلون بالتوعد استهزاء فيقولون : ما له لا يهلكنا ، علم أن التقدير : لو عاملكم الله معاملة المؤاخذ لعجل إهلاككم ، فعطف عليه قوله إظهاراً للحكم مع العلم : { ولن يؤاخذ الله } أي بما له من صفات العلو { الناس } أي من فيه نوس أي حركة واضطراب من المكلفين عامة .
ولما كان السياق هنا لأفعال الجوارح لأن المكر والكبر إنما تكره آثارهما لا الاتصاف بهما ، بخلاف الذي هو سياق النحل فإنه ممنوع من الاتصاف وإن لم يظهر به أثر من آثار الجوارح ، عبر هنا بالكسب وفك المصدر ليخص ما وجد منه بالفعل فقال : { بما كسبوا } أي من جميع أعمالهم سواء كان حراماً أو لا { ما ترك على ظهرها } أي الأرض { من دآبة } أي بل كان يهلك الكل ، أما المكلفون فلأنه ليس في أعمالهم شيء يقدره سبحانه حق قدره ، لما لهم من النقص ولما له سبحانه من العلو والارتقاء والكمال ، وأما غيرهم فإنما خلقوا لهم ، والمعاصي تزيل النعم وتحل النقم ، وذلك كما فعل في زمان نوح عليه السلام ، لم ينج ممن كان على الأرض غير من كان في السفينة { ولكن } لم يعاملهم معاملة المؤاخذ المناقش ، بل يحلم عنهم فهو { يؤخرهم } أي في الحياة الدنيا ثم في البرزخ { إلى أجل مسمى } أي سماه في الأزل لانقضاء أعمارهم ثم لبعثهم من قبورهم ، وهو لا يبدل القول لديه لما له من الصفات التي هي أغرب الغريب عندكم لكونكم لا تدركونها حق الإدراك { فإذا جاء أجلهم } أي الفنائي الإعدامي قبض كل واحد منهم عند أجله ، أو الإيجادي الإبقائي بعث كلاًّ منهم فجازاه بعمله من غير وهم ولا عجز .
ولما كانوا ينكرون ما يفمهه ذلك من البعث ، أكد فقال : { فإن الله } أي الذي له صفات الكمال الموجد بتمام القدرة وكمال الاختيار { كان } ولم يزل . ولما كان السياق للكسب الذي هو أعم من الظلم قال : { بعباده } الذين أوجدهم ولا شريك له في إيجاد أحد منهم بجميع ذواتهم واحوالهم { بصيراً * } أي بالغ البصر والعلم بمن يستحق العذاب منهم بالكسب ومن يستحق الثواب ، فقد انطبق آخرها كما ترى على أولها باستجماع صفات الكمال وتمام القدرة على كل من الإيجاد والإعدام للحيوان والجماد مهما أراد بالاختيار ، لما شوهد له سبحانه من الآثار ، كما وقع الإرشاد إليه بالأمر بالسير وبغيره وبما ختمت به السورة من صفة العلم على وجه أبلغ من ذكره بلفظه ، لما مضى في سورة طه من أن إحاطة العلم تستلزم شمول القدرة ، ولا تكون القدرة شاملة إلا إذا كانت عن اختيار ، فثبت حينئذ استحقاقه تعالى لجميع المحامد ، فكانت عنه سبحانه الرسالات الهائلة الجامعة للعزة والحكمة بالملائكة المجردين عن الشهوات وكل حظ إلى من ناسبهم من البشر بما غلب من جيش عقله على عساكر شهواته ونفسه ، حتى صار عقلاً مجرداً صافياً ، حاكماً على الشهوات والحظوظ قاهراً كافياً .
فقد انطبق آخرها كما ترى على أولها باستجماع صفات الكمال وتمام القدرة على كل من الإيجاد والإعدام للحيوان والجماد مهما أراد بالاختيار ، لما شوهد له سبحانه من الآثار ، كما وقع الإرشاد إليه بالأمر بالسير وبغيره وبما ختمت به السورة من صفة العلم على وجه أبلغ من ذكره بلفظه ، لما مضى في سورة طه من أن إحاطة العلم تستلزم شمول القدرة ، ولا تكون القدرة شاملة إلا إذا كانت عن اختيار ، فثبت حينئذ استحقاقه تعالى لجميع المحامد ، فكانت عنه سبحانه الرسالات الهائلة الجامعة للعزة والحكمة بالملائكة المجردين عن الشهوات وكل حظ إلى من ناسبهم من البشر بما غلب من جيش عقله على عساكر شهواته ونفسه ، حتى صار عقلاً مجرداً صافياً ، حاكماً على الشهوات والحظوظ قاهراً كافياً .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.