الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{رَبَّنَا وَٱجۡعَلۡنَا مُسۡلِمَيۡنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةٗ مُّسۡلِمَةٗ لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبۡ عَلَيۡنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ} (128)

{ مُسْلِمَيْنِ لَكَ } مخلصين لك أوجهنا ، من قوله : { أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ } [ البقرة : 112 ] أو مستسلمين . يقال : أسلم له وسلم واستسلم ، إذا خضع وأذعن . والمعنى : زدنا إخلاصاً أو إذعاناً لك . وقرىء : «مسلمين » على الجمع ، كأنهما أرادا أنفسهما وهاجر ، أو أجريا التثنية على حكم الجمع لأنها منه { وَمِن ذُرّيَّتِنَا } واجعل من ذرّيتنا { أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ } و { مِنَ } للتبعيض أو للتبيين ، كقوله : { وَعَدَ الله الذين ءامَنُواْ مِنْكُمْ } [ النور : 55 ] .

فإن قلت : لم خصّا ذرّيتهما بالدعاء ؟ قلت : لأنهم أحق بالشفقة والنصيحة

{ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً } [ التحريم : 6 ] ، ولأنّ أولاد الأنبياء إذا صلحوا صلح بهم غيرهم وشايعوهم على الخير . ألا ترى أن المقدّمين من العلماء والكبراء إذا كانوا على السداد ، كيف يتسببون لسداد من وراءهم ؟ وقيل : أراد بالأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم { وَأَرِنَا } منقول من رأى بمعنى أبصر أو عرّف . ولذلك لم يتجاوز مفعولين ، أي وبصرنا متعبداتنا في الحج ، أو وعرفناها . وقيل : مذابحنا . وقرىء : ( وأرْنا ) بسكون الراء قياساً على فخذ في فخذ . وقد استرذلت ، لأن الكسرة منقولة من الهمزة الساقطة دليل عليها ، فإسقاطها إجحاف . وقرأ أبو عمرو بإشمام الكسرة . وقرأ عبد الله : «وأرهم مناسكهم » . { وَتُبْ عَلَيْنَا } ما فرط منا من الصغائر أو استتاباً لذرّيتهما { وابعث فِيهِمْ } في الأمة المسلمة { رَسُولاً مّنْهُمْ } من أنفسهم . وروى أنه قيل له : قد استجيب لك وهو في آخر الزمان ، فبعث الله فيهم محمداً صلى الله عليه وسلم . قال عليه الصلاة والسلام : " أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى أخي عيسى ورؤيا أمي " .