{ الذين كَفَرُواْ } فيمن قرأ بالتاء نصب و { أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لأنفُسِهِمْ } بدل منه : أي ولا تحسبنّ أنّ ما نملي للكافرين خير لهم ، و «أن » مع ما في حيزه ينوب عن المفعولين ، كقوله : { أم تحسب أنّ أكثرهم يسمعون } [ الفرقان : 44 ] وما مصدرية ، بمعنى : ولا تحسبنّ أنّ إملاءنا خير ، وكان حقها في قياس علم الخط أن تكتب مفصولة . ولكنها وقعت في الإمام متصلة فلا يخالف ، وتتبع سنة الإمام في خط المصاحف .
فإن قلت : كيف صحّ مجيء البدل ولم يذكر إلا أحد المفعولين ، ولا يجوز الاقتصار بفعل الحسبان على مفعول واحد ؟ قلت : صحّ ذلك من حيث إنّ التعويل على البدل والمبدل منه في حكم المنحى ، ألا تراك تقول : جعلت متاعك بعضه فوق بعض ، مع امتناع سكوتك على متاعك . ويجوز أن يقدّر مضاف محذوف على : ولا تحسبنّ الذين كفروا أصحاب أن الإملاء خير لأنفسهم . أو ولا تحسبنّ حال الذين كفروا أن الإملاء خير لأنفسهم . وهو فيمن قرأ بالياء رفع ، والفعل متعلق بأن وما في حيزه . والإملاء لهم : تخليتهم وشأنهم ، مستعار من أملى لفرسه إذا أرخى له الطول ليرعى كيف شاء . وقيل : هو إمهالهم وإطالة عمرهم . والمعنى : ولا تحسبنّ أن الإملاء خير لهم من منعهم أو قطع آجالهم { إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ } «ما » هذه حقها أن تكتب متصلة ، لأنها كافة دون الأولى ، وهذه جملة مستأنفة تعليل للجملة قبلها ، كأنه قيل : ما بالهم لا يحسبون الإملاء خيراً لهم ، فقيل : إنما نملي لهم ليزدادوا إثماً .
فإن قلت : كيف جاز أن يكون ازدياد الإثم غرضاً لله تعالى في إملائه لهم ؟ قلت : هو علة للإملاء ، وما كل علة بغرض . ألا تراك تقول : قعدت عن الغزو للعجز والفاقة ، وخرجت من البلد لمخافة الشر ، وليس شيء منها بغرض لك . وإنما هي علل وأسباب ، فكذلك ازدياد الإثم جعل علة للإمهال وسبباً فيه .
فإن قلت : كيف يكون ازدياد الإثم علة للإملاء كما كان العجز علة للقعود عن الحرب ؟ قلت : لما كان في علم الله المحيط بكل شيء أنهم مزدادون إثماً ، فكأن الإملاء وقع من أجله وبسببه على طريق المجاز . وقرأ يحيى بن وثاب بكسر الأولى وفتح الثانية . ولا يحسبنّ بالياء ، على معنى : ولا يحسبنّ الذين كفروا أن إملاءنا لازدياد الإثم كما يفعلون ، وإنما هو ليتوبوا ويدخلوا في الإيمان . وقوله : { أَنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ خَيْرٌ لأنفُسِهِمْ } اعتراض بين الفعل ومعموله . ومعناه : أن إملاءنا خير لأنفسهم إن عملوا فيه وعرفوا إنعام الله عليهم بتفسيح المدّة وترك المعاجلة بالعقوبة .
فإن قلت : فما معنى قوله : { وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ } على هذه القراءة ؟ قلت : معناه : ولا تحسبوا إن إملاءنا لزيادة الإثم وللتعذيب ، والواو للحال ، كأنه قيل : ليزدادوا إثماً معداً لهم عذاب مهين .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.