الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري - الزمخشري  
{۞لَّا خَيۡرَ فِي كَثِيرٖ مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ إِلَّا مَنۡ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوۡ مَعۡرُوفٍ أَوۡ إِصۡلَٰحِۭ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا} (114)

{ لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ } من تناجي الناس { إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ } إلا نجوى من أمر ، على أنه مجرور بدل من كثير ، كما تقول : لا خير في قيامهم إلا قيام زيد . ويجوز أن يكون منصوباً على الانقطاع ، بمعنى : ولكن من أمر بصدقة ، ففي نجواه الخير . وقيل : المعروف القرض . وقيل إغاثة الملهوف . وقيل هو عامّ في كل جميل . ويجوز أن يراد بالصدقة الواجب وبالمعروف ما يتصدق به على سبيل التطوّع . وعن النبي صلى الله عليه وسلم : " كلام ابن آدم كله عليه لا له ، إلا ما كان من أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو ذكر الله " وسمع سفيان رجلاً يقول : ما أشد هذا الحديث . فقال : ألم تسمع الله يقول : { لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ } فهو هذا بعينه أو ما سمعته يقول { والعصر إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ } [ العصر : 1- 2 ] فهذا هو بعينه . وشرط في استيجاب الأجر العظيم أن ينوي فاعل الخير عبادة الله والتقرّب به إليه ، وأن يبتغي به وجهه خالصاً . لأن الأعمال بالنيات .

فإن قلت : كيف قال : { إِلاَّ مَنْ أَمَرَ } ثم قال : { وَمَن يَفْعَلْ ذلك } ؟ قلت : قد ذكر الأمر بالخير ليدل به على فاعله ، لأنه إذا دخل الآمر به في زمرة الخيرين كان الفاعل فيهم أدخل . ثم قال : { وَمَن يَفْعَلْ ذلك } فذكر الفاعل وقرن به الوعد بالأجر العظيم ، ويجوز أن يراد : ومن يأمر بذلك ، فعبر عن الأمر بالفعل كما يعبر به عن سائر الأفعال ، وقرىء : «يؤتيه » ، بالياء .