اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٞ لِّمَا يُرِيدُ} (107)

قوله : { خَالِدِينَ } منصوبٌ على الحال المقدرة .

قال شهاب الدِّينِ : " ولا حاجَة إلى قولهم " مقدّرة " ، وإنَّما احتاجُوا إلى التقدير في مثل قوله : { فادخلوها خَالِدِينَ } [ الزمر : 73 ] ؛ لأنَّ الخلود بعد الدُّخول ، بخلافه هنا " .

قوله : { مَا دَامَتِ } " ما " مصدرية ظرفية ، أي : مدَّة دوامهما . و " دَامَ " هنا تامةٌ ، لأنَّها بمعنى : بَقِيت .

فصل

اختلفوا في تأويل هذا ، قالت طائفة منهم الضحَّاك : المعنى ما دامت سماواتْ الجنَة والنَّار وأرضهما ، والسماء كل ما علاك وأظلك ، والأرض ما استقر عليه قدمك ، قال تعالى : " وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حين نشاء " {[18998]} وقيل : أراد السِّماء والأرض المعهودتين في الدنيا ؛ وأجرى ذلك على عادة العرب في الإخبار عن دوام الشيء وتأبيده ، كقولهم : " لا آتيك ما جنَّ ليلٌ ، أو سَالَ سيلٌ ، وما اختلفَ اللَّيلُ والنهار " .

وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- : أنَّ جميع الأشياء المخلوقة أصلها من نُور العرش ، وأنَّ السماوات والأرض في الآخرة تردَّان إلى النور الذي أخذتا منه ، فهما دائمتنان أبداً في نور العرش{[18999]} .

فصل

قال ابن الخطيب{[19000]} : قال قوم : إنَّ عذاب الكفَّار منقطعٌ ، وله نهاية ، واحتجُّوا بالقرآن والمعقول ، أما القرآنُ فبآيات منها هذه الآية ، والاستدلال بها من وجهين :

أحدهما : قوله : { مَا دَامَتِ السماوات والأرض } يدل على أنَّ مدة عقابهم مساوية لمدَّة بقاءِ السماوات والأرض ، ثم توافقنا على أنَّ مدة بقاءِ السماوات والأرض متناهية ؛ فلزم أن تكون مدة عقاب الكفار منقطعة .

والثاني : قوله : { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } استثناءٌ من مدَّةِ عقابهم ، وذلك يدلُّ على أنَّ زوال ذلك العقاب في وقت هذا الاستثناء ، ومنها قوله تعالى : { لاَّبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَاباً } [ النبأ : 23 ] بيَّن تعالى أنَّ لبثهم في ذلك العقاب لا يكون إلاَّ أحقاباً ، والأحقابُ معدودة .

وأمَّا العقلُ فمن وجهين :

الأول : أنَّ معصية الكافر متناهيةٌ ، ومقابلة الجرم المتناهي بعذابٍ لا نهاية له ظلم وإنَّهُ لا يجوزُ .

الثاني : أنَّ ذلك العقاب ضرر خال عن النَّفع فيكون قبيحاً .

بيان خلوه عن النفع أن ذلك النفع لا يجوزُ أن يرجع إلى الله تعالى تعاليه عن النَّفع والضَّرر ، ولا إلى ذلك المعاقب ؛ لأنَّهُ في حقِّه ضرر محض ، ولا إلى غيره ؛ لأن أهل الجنَّة مشغولون بلذاتهم ، فلا فائدة لهم في الالتذاذِ بالعقابِ الدَّائم في حقِّ غيرهم ؛ فثبت أنَّ ذلك العذاب ضرر خال عن جميع النَّفْعِ ؛ فوجب أن لا يجوز .

وهذا قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة وأنس بن مالك رضي الله عنهم- وذهب إلي الحسنُ البصريُّ وحمَّادُ بنُ سلمة وبه قال عليُّ بن طلحة وجماعة من المفسِّرين ، رواه عنهم ابنُ تيمية .

وأما الجمهورُ الأعظمُ من الأمَّةِ ، فقد اتفقوا على أنَّ عذاب الكافر دائمُ ، وعند هذا احتاجوا إلى الجواب عن التمسُّكِ بهذه الآيةِ ، فذكروا جوابين :

أحدهما : قالوا المرادُ سماوات الآخرة وأرضها ، قالوا : والدليلُ على أنَّ في الآخرة سماء وأرضاً قوله تعالى : { يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض والسماوات } [ إبراهيم : 48 ] وقوله : { وَأَوْرَثَنَا الأرض نَتَبَوَّأُ مِنَ الجنة حَيْثُ نَشَآءُ } [ الزمر : 74 ] وأيضاً : لا بدَّ لأهْل الآخرة ممَّا يقلهم ويُظلهم ؛ وذلك هو الأرض والسَّماوات .

ولقائل أن يقول : التشبيه إنما يصحُّ ويجوزُ إذا كان حال المشبه به مقرراً معلوماً ، فيشبه غيره به تأكيداً لثبوت الحكم المشبه ، ووجود السَّماوات والأرض في الآخرة غير معلوم ، وبتقدير أن يكون وجوده معلوماً إلاَّ أنذَ بقاءهما على وجه لا يفنى ألبتَّة غير معلوم ، فإذا كان تشبيه عقاب الأشقياء به في الدَّوام بهما كلاماً عديم الفائدة : أقصى ما في الباب أن يقال : لمَّا ثبت بالقرآن وجود سماوات وأرض في الآخرة ، وثبت دوامهما ؛ وجب الاعترافُ به ، وحينئذٍ يحسُنُ التَّشبيه ، إلاّ أنَّا نقُولُ : لمَّا كان الطَّريقُ في إثبات دوام سماوات أهل الآخرة ، ودوام أرضهم هو السَّمعُ ، ثُمَّ السمعُ دالَّ على دوام عقاب الكافر ، فحينئذ الدَّليلُ الذي دلَّ على ثبوت الحكم في الأصل حاصل بعينه في الفرع ، وفي هذه الصورة أجمعُوا على أنَّ القياس ضائعٌ والتَّشبيه باطلٌ ، فكذا ههنا .

الوجه الثاني- في الجواب- قالوا : إنَّ العرب يُعبِّرون عن الدَّوام والأبد بقولهم : لا آتيك ما دامت السماوات والأرض ، وقولهم : ما اختلف الليل والنهار ، وما طَمَا البَحرُ ، وما أقام الجبل وأنَّهُ تعالى خاطب القوم على عرفهم في كلامهم ، فلمَّا ذكروا هذه الأشياء بناءً على اعتقادهم أنَّها باقية أبداً ، علمنا أنَّ هذه الألفاظ في عرفهم تُفيدُ الأبد والدَّوام .

ولقائل أن يقول : هل تسلمون أنَّ قول القائل : { خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء الله } ، يمنع من بقائها موجودة بعد فناء السماوات ؟ أو تقولون : إنَّه لا يدلُّ على هذا المعنى ، فإن كان الأوَّل ؛ فالإشكال لازم ؛ لأنَّ النصَّ لمَّا دل على أنَّهُ يجبُ أن تكون مدة مقامهم في النار مساوية لمدة بقاءِ السماوات والأرض ، ويمنع ، من حصولِ بقائهم في النَّارِ بعد فناءِ السماوات ، وثبت أنَّهُ لا بدُّ من فناء السماوات ، فعند هذا يلزمكم القول بانقطاع ذلك العقابِ ، وإن قلتم إنَّ هذا لا يمنع من بقائهم في النَّارِ بعد فناءِ السَّماواتِ والأرض ، فلا حاجة بكم إلى هذا الجواب ألبتَّة ، فثبت أنَّ هذا الجواب على كلا التقريرين ضائعٌ .

قال : والحقُّ عندي أنَّ المفهوم من الآية أنَّه متى كانت السَّماوات والأرض دائمتين ، كان كونهم في النَّار باقياً ، وهذا يقتضي أنه كلما حصل الشرطُ حصل المشروط ، ولا يقتضي أنَّهُ إذا عدم الشرط أن يعدم المشروط ، ألا ترى أنَّا نقول : إن كان هذا إنسان فهو حيوان ، فإذا قلنا : لكنَّهُ إنسان ، فإنه ينتج أنَّهُ حيوان ، أمَّا إذا قلنا لكنَّه ليس بإنسان لم ينتج أنَّه ليس بحيوان ؛ لأن يثبتُ في علم المنطق أنَّ استثناء نقيض المقدمة لا ينتج شيئاً ، فكذا ههنا إذا قلنا : متى دامت السماوات والأرض دام عقابهم ، فإذا قلنا : لكن السماوات والأرض دائمة لزم أن يكون عقابهم حاصلاً ، أمَّا إذا قلنا : لكنه ما بقيت السَّماوات والأرض لم يلزم عدم دوام عقابهم .

فإن قالوا : إذا كان العقابُ حاصلاً سواء بقيت السَّماوات ، أو لم تبقَ ، لم يبقَ لهذا التَّشبيه فائدة .

قلنا : بل فيه أعظم الفوائد ، وهو أنه يدلُّ على بقاءِ ذلك العذاب زماناً دائماً طويلاً ، لا يحيط العقلُ بطوله وامتداده ، فأمَّا أنه هل يحصلُ له آخر أم لا ؟ فذلك يُستفادُ من دليلٍ آخر .

وأمَّا الشبهة وهي تمسّكهم بقوله تعالى : { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } فذكروا عنه أجوبة :

أحدهما : قال ابن قتيبة وابنُ الأنباري والفرَّاء هذا استثناء استثناه الله تعالى ، ولا يفعله ألبتَّة ، كقولك : والله لأضربنك إلاِّ أن أرى غير ذلك ، وعزيمتك أن تضربه .

ولقائل أن يقول : هذا ضعيفٌ ؛ لأنه إذا قال : لأضربنك إلاَّ أن أرى غير ذلك ، معناه : لأضربنك إلاَّ إذا رأيت أن الأولى تركُ الضربِ ، وهذا لايدلُّ ألبتَّة على أنَّ الرُّؤية قد حصلت أم لا ؟ بخلاف قوله : { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } فإن معناه الحكم بخلودهم فيها إلاَّ المدة التي شاء ربك ، فهاهنا اللفظُ يدلُّ على أنَّ هذه المشيئة قد حصلت جزماً ، فكيف يحصلُ قياس هذا الكلام على ذلك الكلام .

وثانيها : قال الزمخشريُّ : فإن قلت : ما معنى الاستثناءِ في قوله تعالى : { إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } وقد ثبت خلود أهل الجنَّة والنَّار في الأبد من غير استثناء ؟ قلت : هو استثناء من الخلودِ في عذاب أهل النَّار ، ومن الخلود في نعيم أهل الجنَّة ، وذلك أنَّ أهل النَّار لا يُخلَّدون في عذابها وحده ، بل يُعذَّبُون بالزَّمهرير ، وبأنواعٍ آخر من العذاب ، وبما هو أشدُّ من ذلك وهو سخط الله عليهم ، وكذا أهل الجنة لهم مع نعيم الجنة ما هو أكثر منه كقوله : { وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أَكْبَرُ } [ التوبة : 72 ] ، والدَّليل عليه قوله : { عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ } [ هود : 108 ] وفي مقابله قوله : { إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } [ هود : 107 ] أي : يفعلُ بهم ما يريد من العذاب ، كما يعطي أهل الجنَّة ما لا انقطاع له . قال أبو حيَّان : ما ذكره في أهل النّارِ قد يتمشَّى ؛ لأنَّهم يخرجون من النَّارِ إلى الزَّمهرير فيصيح الاستثناء ، وأمَّا أهلُ الجنة ، فلا يخرجون من الجنَّة ، فلا يصحُّ فيهم الاستثناء .

قال شهاب الدين : والظَّاهرُ أنَّهُ لا يصحُ فيهما ؛ لأنَّ أهل النَّارِ مع كونهم يُعذَّبُون بالزَّمهرير هم في النَّار أيضاً .

وثالثها : أنَّه استثناء من الزَّمان الدَّال عليه قوله : { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السماوات والأرض } .

والمعنى : إلاَّ الزمان الذي شاء الله فلا يُخَلَّدون فيها .

ورابعها : إنه استثناءٌ من الضمير المستتر في الجارِّ والمجرورِ ، وهو قوله : " فَفِي النَّارِ " و " فَفِي الجنَّة " ، لأنه لمَّا وقع خبراً تحمَّل ضمير المبتدأ .

وخامسها : أنه استثناء من الضَّمير المستتر في الحالِ وهو : { خَالِدِينَ } ، وعلى هذين القولين تكون " ما " واقعةً على من يعقل عند من يرى ذلك ، أو على أنواع من يعقلُ كقوله : { مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النسآء } [ النساء : 3 ] والمرادُ ب " مَا " حينئذٍ العصاةُ من المؤمنين في طرف أهل النار ، وأمَّا في طرف أهل الجنَّة فيجوز أن يكونوا هم ، أو أصحابُ الأعراف ؛ لأنهم لم يدخلُوا الجنَّة لأولِ وهلةٍ ، ولا خُلِّدُوا فيها خلودَ من دخلها أولاً .

وسادسها : قال ابنُ عطيَّة : قيل : إنَّ ذلك على طريق الاستثناء الذي ندبَ الشَّارعُ إلى استعماله في كُلِّ كلامٍ ، فهو كقوله : { لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شَآءَ الله آمِنِينَ } [ الفتح : 27 ] استثناء في واجب ، وهذا الاستثناء هو في حكم الشَّرط ، كأنه قال : إن شاء الله ؛ فليس يحتاج أن يوصف بمتَّصلٍ ، ولا منقطع .

وسابعها : هو استثناءٌ من طول المُدَّةِ ، ويروى عن ابن مسعودٍ وغيره أنَّ جهنم تخلُوا من النَّاس وتخفق أبوابها فذلك قوله تعالى : { إِلاَّ مَا شَآءَ ربك } وهذا مردُودٌ بظواهر الكتاب والسُّنة ، وما ذكر عن ابن مسعودٍ فتأوليه : أنَّ جهنَّم في الدَّرك الأعلى ، وهي تخلو العصاة المؤمنين ، هذا على تقدير صحَّة ما نُقِل عن ابنِ مسعُودٍ .

وثامنها : أنَّ " إلاَّ " حرفُ عطفٍ بمعنى الواو ، والمعنى : وما شاء ربُّكَ زائداً على ذلك .

وتاسعها : أنَّ الاستثناء منقطعٌ ، فيقدَّرُ ب " لكن " أو ب " سوى " ، ونظروه بقولك : " لي عليك ألفا درهم ، إلاَّ الألف التي كنت أسلفتك " أي : سوى تلك ، فكأنه قالك خالدينَ فيها ما دامتِ السماواتُ والأرضُ سوى ما شاء ربُّك زائداً على ذلك .

وقيل : سوى ما أعدَّ لهم من عذابٍ غير عذابِ النار كالزمهرير ونحوه .

عاشرها : أنه استثناءٌ من مدَّة السماوات والأرض التي فرضت لهم في الحياة الدنيا .

وحادي عشرها : أنَّهُ استثناءٌ من البرزخ الذي يبين الدنيا والآخرة .

وثاني عشرها : أنَّهُ استثناءٌ من المسافات التي بينهم في دُخُولِ النَّار ، إذ دخولهم إنَّما هو زُمَراً بعد زُمَر .

وثالث عشرها : أنَّه استثناءٌ من قوله : " فَفِي النَّارِ " كأَّنَّه قال : إلاَّ ما شاءَ ربُّك من تأخُّر قوم عن ذلك ، وهذا مرويُّ عن أبي سعيد الخدري وجابر{[19001]} .

ورابع عشرها : أنَّ " إلاَّ ما شاء " بمنزلة : كما شاء ؛ كقوله : { مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النسآء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } [ النساء : 22 ] ، أي : كما سلف .

وخامس عشرها : أن معناه : لو شك ربُّك ، لأخرجهم منها ، ولكنه لا يشاءُ ؛ لأنَّه حكم لهم بالخُلود ، فتكون " ما " نافية .

وسادس عشرها : أنَّه استثناء من قوله : { فَفِي النار } و{ فَفِي الجنة } ، أي : إلاَّ الزَّمان الذي شاءهُ الله فلا يكون في النَّار ولا في الجنَّة ، ويمكن أن يكون هذا الزَّمانُ المستثنى هو الزَّمانُ الذي يفصلُ فيه بين الخلق يوم القيامة إذا كان الاستثناءُ من الكون في النَّار ، أو في الجنَّة ؛ لأنه زمانٌ يخلُو فيه الشَّقيُّ والسَّعيدُ من دخُولِ النَّار والجنة ، وأمَّا إذا كان الاستثناءُ من الخلودِ فيمكن ذلك بالنسبة إلى أهل النار ، ويكون الزَّمانُ المستثنى هو الزمانُ الذي فات أهل النار العصاةً من المؤمنين الذي يخرجُون من النَّار ويدخُلون الجنَّة ، فلسُوا خالدين في النار ، إذ قد أخرجوا منها وصارُوا إلى الجنَّة ، وهذا مرويُّ عن قتادة والضَّحاك وغيرهما{[19002]} والذين شقُوا على هذا شامل للكافر والعصاة هذا في طرفِ الأشقياء العصاة ممكنٌ ، وأمَّا في الطَّرف الآخر فلا يتأتَّى هذا التأويل فيه ، إذ ليس منهم من يدخلُ الجنة ثمَّ لا يخلَّد فيها .

قال أبو حيَّان{[19003]} : يمكنُ ذلك باعتبار أن يكون أريد الزَّمان الذي فات أهل النَّار العُصاة من المؤمنون ، أو الذي فات أصحاب الأعراف ، فإنه بفوات تلك المدة التي دخل المؤمنون فيها الجنَّة وخُلَّدوا فيها صدق على العصاةِ المؤمنين وأصحابِ الأعراف أنهم ما خُلِّدُوا في الجنة تخليدَ من دخلها لأوَّلِ وهلة .

ثم قال : { إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } وهذا يحسُن انطباقه على هذه الآية إذا حملنا الاستثناء على إخراج الفسَّاق من النَّارِ ، كأنَّه تعالى يقول : اظهرتُ القهر والقدرة ، ثم أظهرتُ المغفرة والرَّحمة ؛ لأنَّي فعالٌ لما أريدُ ، وليس لأحد عليَّ حكم ألبتَّة .


[18998]:ذكره البغوي في "تفسيره" (2/402).
[18999]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (9/66).
[19000]:ينظر: تفسير الفخر الرازي 17/51.
[19001]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (7/116) من طريق أبي نضرة عن جابر أو أبي سعيد الخدري.
[19002]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (7/115) عن قتادة والضحاك.
[19003]:ينظر: البحر المحيط 5/263.