اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوۡمَ يَأۡتِيهِمُ ٱلۡعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رَبَّنَآ أَخِّرۡنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٖ قَرِيبٖ نُّجِبۡ دَعۡوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَۗ أَوَلَمۡ تَكُونُوٓاْ أَقۡسَمۡتُم مِّن قَبۡلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٖ} (44)

قوله : { وَأَنذِرِ الناس يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب } قال أبو البقاء : { يَوْمَ يَأْتِيهِمُ } مفعول ثان ل : " أنْذر " ، أي : خوفهم عذاب يوم ، وكذا قاله الزمخشريُّ .

وفيه نظرٌ ، إذ يؤول إلى قولك : أنذرهم عذاب يوم يأتيهم العذاب ، ولا حاجة إلى ذلك ، ولا جائز أن يكون ظرفاً ؛ لأنَّ ذلك اليوم لا إنذار فيه سواء قيل : إنه يوم القيامة ، أو يوم هلاكهم ، أو يوم تلقاهم الملائكةُ .

والألف واللام في : " العَذابُ " للمعهود السَّابق ، أي : وأنذرهم يوم يأتيهم العذاب الذي تقدَّم ذكره ، وهو شخوصُ الأبصار ، وكونهم مهطعين مقنعي رءوسهم .

فصل

حمل أبو مسلم قوله : { يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب } على أنه حال المعاينة ، لأنَّ هذه الآية شبيهة بقوله تعالى : { وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الموت فَيَقُولُ رَبِّ لولا أخّرتني إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصالحين } [ المنافقون : 10 ] ، وظاهر الآية يشهد بخلافه ؛ لأنه -تعالى- وصف اليوم بأن العذاب يأتيهم فيه ، وأنهم يسألون الرجعة ، ويقال لهم : { أَوَلَمْ تكونوا أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ } ؟ ولا يليق ذلك إلا بيوم القيامة .

ثمَّ حكى تعالى عنهم ما يقولون في ذلك اليوم : { فَيَقُولُ الذين ظلموا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ } قال بعضهم : طلبوا الرجعة إلى الدنيا ليتلافوا ما فرَّطوا فيه .

وقيل : طلبوا الرُّجوع إلى حال التَّكليف لقولهم : { نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرسل } ، فقوله : " نُجِبْ " جواب الأمرِ .

قوله : { أَوَلَمْ تكونوا أَقْسَمْتُمْ من قبل } قال الزمخشري : " على إرادة القول وفيه وجهان : أن تقولوا ذلك أشراً وبطراً ، أو تقولوه بلسان الحال حيث بنوة شديداً ، وأملوا بعيداً " .

و " مَا لكُمْ " جواب القسم ، وإنَّما جاء بلفظ الخطاب لقوله : " أقْسَمْتُمْ " ، ولو جاء بلفظ المقسمين لقيل : " مَا لنَا " .

وقدَّر أبو حيَّان ذلك القول هنا من قول الله -عزَّ وجلَّ- أو الملائكة -عليهم السلام- أي : فيقال لهم : " أو لم تكونوا " ، وهو أظهر من الأول ، أعني ؟ : جريان القول من غيرهم لا منهم ، والمعنى : { أَوَلَمْ تكونوا أَقْسَمْتُمْ } أراد قوله : { وَأَقْسَمُواْ بالله جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا } [ الأنعام : 109 ] إلى غير ذلك ممَّا كانوا ينكرونه .