السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِنَّ إِبۡرَٰهِيمَ كَانَ أُمَّةٗ قَانِتٗا لِّلَّهِ حَنِيفٗا وَلَمۡ يَكُ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ} (120)

ولما دعاهم الله تعالى إلى مكارم الأخلاق ونهاهم عن مساوئها ، بقبوله لمن أقبل إليه ، وكان إبراهيم عليه الصلاة والسلام رئيس الموحدين لا جرم ذكره الله تعالى في آخر هذه السورة ووصفه بتسع صفات .

الصفة الأولى : قوله تعالى : { إن إبراهيم كان أمّة } ، أي : لكماله واستجماعه فضائل لا تكاد توجد إلا متفرّقة في أشخاص كثيرة كقول القائل :

وليس لله ، ( أي : من الله ) بمستنكر *** أن يجمع العالم في واحد

أي : أن يجمع صفاتهم في شخص واحد . وقال مجاهد : كان مؤمناً وحده والناس كلهم كانوا كفاراً ، فلهذا المعنى كان وحده أمّة واحدة . وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول في زيد بن عمرو بن نفيل : «يبعثه الله امّة واحدة » . وعن شهر بن حوشب : لم تبق الأرض إلا وفيها أربعة عشر يدفع الله تعالى بهم عن أهل الأرض إلا زمن إبراهيم فإنه كان وحده ، وقيل : أمّة فعلة بمعنى مفعول ، كالدخلة والنخبة ، من أمّه إذا قصده واقتدى به ، فإنّ الناس كانوا يؤمونه للاستفادة ، ويقتدون بسيره كقوله تعالى : { إني جاعلك للناس إماماً } [ البقرة ، 124 ] . وقرأ هشام أن إبراهام وملة إبراهام بالألف بعد الهاء فيهما . وقرأ الباقون بالياء فيهما . الصفة الثانية : قوله تعالى : { قانتاً لله } ، أي : مطيعاً له قائماً بأوامره . الصفة الثالثة : قوله تعالى : { حنيفاً } ، أي : مائلاً عن الباطل ، قال ابن عباس : إنه أوّل من اختتن ، وأقام مناسك الحج ، وضحى وهذه السنة الحنيفية . الصفة الرابعة : قوله تعالى : { ولم يك من المشركين } ، أي : أنه عليه الصلاة والسلام كان من الموحدين في الصغر والكبر ، وقد أبطل عبادة الأصنام والكواكب بقوله : { لا أحب الآفلين } [ الأنعام ، 76 ] ، ثم كسر تلك الأصنام حتى آل الأمر إلى أنّ القوم ألقوه في النار ، وذلك دليل إثبات الصانع مع ملك زمانه ، وهو قوله : { ربي الذي يحيي ويميت } [ البقرة ، 258 ] . ثم طلب من الله تعالى أن يريه كيف يحيي الموتى ليحصل له زيادة الطمأنينة . قال الرازي : ومن وقف على علم القرآن علم أنّ إبراهيم عليه الصلاة والسلام كان غريقاً في بحر علم التوحيد .