قوله تعالى : { قَدْ مَكَرَ الذين مِنْ قَبْلِهِمْ } ذكر هذه الآية مبالغة في وصف أولئك الكفار .
قال بعض المفسرين : المراد بالذين من قبلهم نمرودُ بن كنعان بنى صَرْحاً عظيماً بِبَابلَ طوله خمسة آلافِ ذراع ، وعرضه ثلاثة آلافِ ذراع - وقيل : فرسخاً - ورام منه الصُّعودَ إلى السماء ؛ ليقاتل أهلها ، فَهَبَّتْ ريحٌ وألقت رأسها في البحر ، وخَرَّ عليهم الباقي وهم تحته ، ولما سقط الصَّرحُ تبلبلت ألسن النَّاس من الفزع يومئذ ؛ فتكلموا بثلاثة وسبعين لساناً ؛ فلذلك سمِّيت بابل ، وكانوا يتكلمون قبل ذلك بالسريانية ؛ فذلك قوله تعالى : { فَأَتَى الله بُنْيَانَهُمْ مِّنَ القواعد } أي : قصد تخريب بنيانهم من أصولها .
والصحيح : أنَّ هذا عامٌّ في جميع المبطلين الذين يحاولون إلحاق الضَّرر والمكر بالمحقِّين .
واعلم أنَّ الإتيان ها هنا عبارةٌ عن إتيان العذاب ، أي : أنهم لمَّا كفروا ؛ أتاهم الله بزلزال تقلقلتْ منها بنيانهم من القواعد ، والأساس ؛ والمراد بهذا محض التَّمثيلِ والمعنى : أنَّهم رتبوا منصوباتٍ ؛ ليمكروا بها أنبياء الله ؛ فجعل هلاكهم مثل قوم بنوا بنياناً ، وعمدوه بالأساطين ، فانهدم ذلك البناءُ ، وسقط السقف عليهم ؛ كقولهم : " مَنْ حَفَرَ بِئْراً لأخِيهِ أوْقعَهُ اللهُ فِيهِ " .
وقيل : المراد منه ما دل عليه الظاهر .
قوله تعالى : { مِّنَ الْقَوَاعِدِ } " مِن " لابتداءِ الغايةِ ، أي : من ناحية القواعد ، أي : أتى أمر الله وعذابه .
قوله " مِنْ فَوقِهِمْ " يجوز أن يتعلَّق ب " خَرَّ " ، وتكون " مِن " لابتداءِ الغاية ، ويجوز يتعلَّق بمحذوفٍ على أنها حالٌ من " السَّقف " وهي حال مؤكدة ؛ إذ " السَّقفُ " لا يكون تحتهم .
وقيل : ليس قوله : " مِنْ فَوقِهِمْ " تأكيدٌ ؛ لأنَّ العرب تقول : " خَرَّ عَليْنَا سَقفٌ ، ووقَعَ عَليْنَا حَائِطٌ " إذا كان عليه ، وإن لم يقع عليه ، فجاء بقوله " مِنْ فَوْقِهِم " ليخرج به هذا الذي في كلام العرب ، أي : عليهم وقع ، وكانوا تحته فهلكوا .
وهذا غير طائل ، والقول بالتوكيد أظهر .
وقرأ العامة : " بُنْيَانَهُمْ " ، وقوم{[19785]} : بُنْيَتَهُمْ ، وفرقة منهم{[19786]} أبو جعفر : بَيْتَهُم . والضحاك{[19787]} : بُيوتَهُم .
والعامة : " السَّقْفُ " أيضاً مفرداً ، وفرقة : بفتح السِّين ، وضمِّ القاف بزنة " عَضُد " وهي لغة في " السَّقفِ " ولعلَّها مخففة من المضموم ، وكثر استعمال الفرع ؛ لخفَّته ، كقولهم في لغة تميم " رَجْلٌ " ولا يقولون : رَجُلٌ .
وقرأ الأعرج{[19788]} : " السُّقُف " بضمتين ، وزيد{[19789]} بن علي : بضم السين ، وسكون القاف ، وقد تقدم مثل ذلك في قراءة { وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } [ النحل : 16 ] ثم قال : { وَأَتَاهُمُ العذاب مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } إن حملنا الكلام على محض التمثيل ؛ فالمعنى : أنَّهُمْ اعتمدوا على منصوباتهم ، ثم تولَّد البلاء منها بأعيانها ، وإن حملناه على الظاهر ، فالمعنى : أن السَّقف نزل عليهم بغتة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.