اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلِلَّهِ غَيۡبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَآ أَمۡرُ ٱلسَّاعَةِ إِلَّا كَلَمۡحِ ٱلۡبَصَرِ أَوۡ هُوَ أَقۡرَبُۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (77)

قوله - تعالى- : { وَلِلَّهِ غَيْبُ السماوات والأرض } ، الآية لما مثَّل الكافر بالأبكم العاجز ، ومثَّل نفسه بالذي يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم ، ومعلومٌ أنه لا يكون آمراً بالعدل وهو على صراط مستقيم إلاّ إذا كان كاملاً في العلمِ والقدرةِ فذكر في هذه الآية بيان كونه كاملاً في العلم والقدرة .

أمَّا بيان كمال العلم ، فقوله - تعالى - : { وَلِلَّهِ غَيْبُ السماوات والأرض } ، أفاد الحصر بأنَّ العلم بهذه الغيوب ليس إلا لله - تعالى- .

وأما بيان كمال القدرة ، فقوله - عز وجل- : { وَمَآ أَمْرُ الساعة إِلاَّ كَلَمْحِ البصر } ، والسَّاعة : هي الوقت الذي تقوم فيه القيامة ، سمِّيت ساعة ؛ لأنَّها تفجأ الإنسان في ساعة يموت الخلق كلهم بصيحة واحدة ، أي : إذا قال له : { كُنْ فَيَكُونُ } [ يس : 82 ] ، والمراد ب " لَمْحِ البَصرِ " : طرفةُ العين ، وهو النظر بسرعة ، يقال : لَمحَهُ بِبصَرِه لَمْحاً ولَمحَاناً ، وقيل : أصله من لَمحَانِ البَرْق ، وقولهم : لأرينَّك لَمْحاً بَاصِراً ، أي : أمْراً وَاضِحاً ، والمراد بيان كمال القدرة .

وقوله : { أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } ، ليس المراد منه الشَّك ، بل المراد : بل هو أقرب .

قال الزجاج : المراد به : الإبهام على المخاطبين أنه - تعالى - يأتي بالسَّاعة إما بقدر لمح البصر ، أو بما هو أسرع ؛ لأنَّ لمح البَّصر : عبارة عن انتقال الطَّرف من أعلى الحدقةِ إلى أسفلها ، والحَدقةُ مركبة من أجزاء لا تتجزَّأ ، فلمح البصر عبارة عن المرور على جملة أجزاءِ الحدقةِ ، ولا شكَّ أنَّ تلك الأجزاء كثيرة ، والزَّمانُ الذي يحصل فيه لمحُ البصر مركب من أزمانٍ متعاقبةٍ ، والله - تعالى - قادرٌ على إقامة القيامة في زمان واحد من تلك الأزمان ؛ فلهذا قال - تعالى - : { أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } ، تنبيهاً على ذلك ، فقوله : { أَوْ هُوَ أَقْرَبُ } ، أي : أمره ، فالضمير للأمر ، والتقدير : أو أمر الساعة أقرب من لمح البصر .

{ إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ، نزلت في الكفَّار الذين استعجلوا القيامة استهزاءً .