قوله : { وَمَن رَّزَقْنَاهُ } ، يجوز في : " مَنْ " هذه ، أن تكون موصولة ، وأن تكون موصوفة ، واختاره الزمخشري رحمه الله ، قال : " كأنه قيل : وحرًّا رزقناه ليطابق عبداً " ومحلها النصب على " عَبْداً " ، وقد تقدَّم الكلام [ إبراهيم : 24 ] في المثل الواقع بعد " ضَرَب " .
وقوله : { سِرّاً وَجَهْراً } ، يجوز أن يكون منصوباً على المصدر ، أي : إنفاق سر وجهر ، ويجوز أن يكون حالاً .
وهذا مثل المؤمن من أعطاه الله مالاً ، فعمل فيه بطاعةِ الله وأنفقه في رضاه سرًّا وجهراً ، فأثابه الله عليه الجنَّة .
قوله تعالى : { هَلْ يَسْتَوُونَ } ، إنَّما جميع الضمير وإن تقدَّمه اثنان ؛ لأنَّ المراد : جنس العبيد والأحرار ، المدلول عليهما ب " عَبْداً " ، وب " مَن رزقنَاهُ " .
وقيل : على الأغنياء والفقراء المدلول عليهما بهما أيضاً ، وقيل : اعتباراً بمعنى " مَنْ " ، فإنَّ معناها جمع ، فراعى معناها بعد أن راعى لفظها .
قيل : المراد بقوله : { عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ على شَيْءٍ } ، هو : الصَّنم ؛ لأنَّه عبد بدليل قوله : { إِن كُلُّ مَن فِي السماوات والأرض إِلاَّ آتِي الرحمن عَبْداً } [ مريم : 93 ] وهو مملوك لا يقدر على شيء ، والمراد بقوله : { وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً } : عابد الصَّنم ؛ لأن الله - تعالى - رزقه المال ، فهو ينفقُ منه على نفسه وعلى أتباعه سرًّا وجهراً ، فهما لا يتساويان في بديهة العقل ، بل صريح العقل شاهدٌ بأن عابد الصَّنم أفضل من الصَّنم ، فكيف يجوز الحكم بأنه مساوٍ لربِّ العالمين في المعبوديَّة ؟ .
وقيل : المراد بالعبد المملوك : عبد معيَّن ، قيل : أبو جهل ، وب { وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً } :أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - .
وقيل : عامٌّ في كل عبد بهذه الصفة ، وفي كل حرٍّ بهذه الصفة .
دلَّت هذه الآية على أن العبد لا يملك شيئاً .
فإن قيل : دلَّت الآية على أنَّ عبداً من العبيد لا يقدر على شيءٍ ، فلم قلتم : إن كل عبد كذلك ؟ .
فالجواب : أنه ثبت في أصول الفقه : أن الحكم المذكور عقيب الوصف المناسب يدلُّ على كون ذلك الوصف علَّة لذلك الحكم ، وكونه عبداً وصفٌ مشعرٌ بالذلِّ والمقهورية وقوله : { لاَ يَقْدِرُ على شَيْءٍ } ، حكم مذكور عقيبه ، وهذا يقتضي أنَّ العلَّة لعدم القدرة على شيءٍ ، هو كونه عبداً ، وأيضاً قال بعده : { وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً } فميز هذا القسم الثاني عن القسم الأول ، وهو العبد بهذه الصفة ، وهو أنه رزقه رزقاً حسناً {[19982]} ، فوجب ألا يحصل هذا الوصف للعبد ، حتَّى يحصل الامتيازُ بين الثاني وبين الأوَّل ، ولو ملك العبد ، لكان الله قد آتاهُ رزقاً حسناً ؛ لأن الملك الحلال رزق حسن .
ثم اختلفوا ؛ فروي عن ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنه - وغيره التشدد في ذلك ، حتى قال : لا يملك الطَّلاق أيضاً .
وأكثر الفقهاء على أنَّه يملك الطلاق ، واختلفوا في أنَّ المالك إذا ملكه شيئاً ، هل يملكه أم لا ؟ وظاهر الآية ينفيه .
فإن قيل : لم قال : { عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ على شَيْءٍ } وكل عبدٍ فهو مملوك وغير قادر على التصرُّف ؟ .
فالجواب : ذكر المملوك ليحصل الامتياز بينه وبين الحرِّ ؛ لأنَّ الحر قد يقال : إنه عبد الله ، وأما قوله : { لاَ يَقْدِرُ على شَيْءٍ } ؛ للتَّمييز بينه وبين المكاتب والعبد المأذون ؛ لأنهما يقدران على التصرُّف .
قوله { الحمد لِلَّهِ } ، قال ابن عبَّاس - رضي الله عنه- : على ما فعل بأوليائه وأنعم عليهم بالتَّوحيد{[19983]} .
وقيل : المعنى أنَّ الحمد كلّه لله ، وليس شيءٌ من الحمد للأصنام ؛ لأنها لا نعمة لها على أحدٍ .
وقوله عزَّ وجلَّ- : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ، أي : أنهم لا يعلمون أنَّ كل الحمد لي ، وليس شيء منه للأصنام .
وقال القاضي - رحمه الله- : قال للرَّسُول - صلوات الله وسلامه عليه- : { قُلِ الحمد لِلَّهِ } [ النمل : 59 ] .
وقيل : هذا خطاب لمن رزقه الله رزقاً حسناً أن يقول : الحمد لله على أن ميَّزه في هذه القدرة على ذلك العبد الضعيف .
وقيل : لما ذكر هذا المثل مطابقاً للغرض{[19984]} كاشفاً عن المقصود ، قال بعده : { الحمد لِلَّهِ } ، يعني : الحمد لله على قوَّة هذه الحجَّة وظهور هذه البيِّنة .
ثم قال : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } ، أي : أنَّها مع غاية ظهورها ونهاية وضوحها ، لا يعلمونها هؤلاء الجهَّال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.