قوله : { وَإِذِ اعتزلتموهم } : " إذْ " منصوب بمحذوف ، أي : وقال بعضهم لبعض وقت اعتزالهم ، وجوَّز بعضهم أن تكون " إذ " للتعليل ، أي : فأووا إلى الكهف ؛ لاعتزالكم إيَّاهم ، ولا يصحُّ .
قوله : " ومَا يَعبُدُونَ " يجوز في " مَا " ثلاثة أوجهٍ :
أحدها : أن تكون بمعنى " الذي " والعائد مقدر ، أي : واعتزلتم الذي يعبدونه وهذا واضح . و " إلاَّ الله " يجوز فيه أن يكون استثناء متصلاً ، فقد روي أنَّهم كانوا يعبدون الله ويشركون به غيره ، ومنقطعاً ؛ فقد روي أنهم كانوا يعبدون الأصنام فقط ، والمستثنى منه يجوز أن يكون الموصول ، وأن يكون عائدهُ ، والمعنى واحد .
والثاني : أن تكون مصدرية ، أي : واعتزلتم عبادتهم ، أي : تركتموها ، و " إلاَّ الله " على حذف مضافٍ ، أي : إلاَّ عبادة الله ، وفي الاستثناء الوجهان المتقدمان .
الثالث : أنها نافية ، وأنه من كلام الله تعالى ، وعلى هذا ، فهذه الجملة معترضة بين أثناء القصَّة ، وإليه ذهب الزمخشريُّ ، و " إلاَّ الله " استثناء مفرَّغٌ ، أخبر الله عن الفتيةِ أنهم لا يعبدون غيره ، وقال أبو البقاء{[20861]} : " والثالث : أنها حرف نفيٍ ، فيخرج في الاستثناء وجهان :
أحدهما : هو منقطعٌ ، والثاني : هو متصل ، والمعنى : وإذ اعتزلتموهم إلا الله وما يعبدون إلا الله " .
فظاهر هذا الكلام : أن الانقطاع والاتصال في الاستثناء مترتِّبان على القول بكون " ما " نافية ، وليس الأمر كذلك .
قال المفسِّرون : إنَّ أهل الكهف قال بعضهم لبعض : { وَإِذِ اعتزلتموهم } يعني قومكم { وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ الله } ، أي : اعتزلتموهم ، وجميع ما يعبدون إلا الله ، فإنَّكم لم تعتزلوا عبادته ، فإنَّهم كانوا يعبدون الله ويعبدون معه الأوثان .
وقرأ أبو مسعود{[20862]} : " ومَا يعبدون{[20863]} من دون الله ، فأووا إلى الكهف " .
قال الفراء : هو جواب " إذْ " كما تقولُ : إذ فعلت كذا فافعل كذا ، والمعنى اذهبوا إليه ، واجعلوه مأواكم .
{ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ } أي يبسطها عليكم ، { وَيُهَيِّىءْ لَكُمْ } يسهِّل لكم { مِّنْ أَمْرِكُمْ مِّرْفَقاً } ما يعود إليه رفقكم .
قوله : " مرفقاً " قرأ الجمهور بكسر الميم ، وفتح الفاءِ .
وقرأ نافع{[20864]} وابن عامر وعاصم في رواية البرجمي وأبو جعفر بالعكس ، وفيها خلاف عند أهل اللغة ؛ فقيل : هما بمعنى واحد ، وهو ما يرتفق به ، وليس بمصدر ، وقيل : هو بكسر الميم لليد ، وبفتحها للأمر ، وقد يستعمل كل واحدٍ منهما موضع الآخر ، حكاه الأزهريُّ عن ثعلب ، وأنشد الفراء جمعاً بين اللغتين في الجارحة : [ الرجز ]
بِتُّ أجَافِي مِرْفقاً عن مَرْفقِ{[20865]} *** و [ قد ]{[20866]} يستعملان معاً في الأمرِ ، وفي الجارحة ، حكاه الزجاج{[20867]} .
وحكى مكيٌّ ، عن الفرَّاء{[20868]} أنه قال : " لا أعرفُ في الأمر ، ولا في اليد ، ولا في كلِّ شيء إلا كسر الميم " .
قلت : وتواترُ قراءة نافعٍ والشاميين يردُّ عليه ، وأنكر الكسائي كسر الميم في الجارحة ، وقال : لا أعرفُ فيه إلا الفتح ، وهو عكس قول تلميذه ، ولكن خالفه أبو حاتم ، وقال : " هو بفتح الميم : الموضع كالمسجد ، وقال أبو زيد : هو بفتح الميم مصدر جاء على مفعلٍ " وقال بعضهم : هما لغتان فيما يرتفق به ، فأمَّا الجارحةُ ، فبكسر الميم فقط ، وحكي عن الفراء أنه قال : " أهل الحجاز يقولون : " مرفقاً " بفتح الميم وكسر الفاء فيما ارتفقت به ، ويكسرون مرفق الإنسان ، والعرب بعد يكسرون الميم منهما جميعاً " وأجاز معاذٌ فتح الميم والفاء ، وهو مصدر كالمضرب والمقتل .
و " مِنْ أمْرِكُم " متعلق بالفعل قبله ، و " مِنْ " لابتداء الغاية ، أو للتبعيض .
وقيل : هي بمعنى بدلٍ ، قاله ابن الأنباري ، وأنشد : [ الطويل ]
فَليْتَ لَنَا مِنْ مَاءِ زَمْزمَ شَرْبةً *** مُبرَّدةً باتتْ على طَهيَانِ{[20869]}
أي : بدلاً . ويجوز أن يكون حالاً من " مِرْفقاً " فيتعلق بمحذوفٍ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.