اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتۡلُواْ ٱلشَّيَٰطِينُ عَلَىٰ مُلۡكِ سُلَيۡمَٰنَۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيۡمَٰنُ وَلَٰكِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَآ أُنزِلَ عَلَى ٱلۡمَلَكَيۡنِ بِبَابِلَ هَٰرُوتَ وَمَٰرُوتَۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنۡ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَآ إِنَّمَا نَحۡنُ فِتۡنَةٞ فَلَا تَكۡفُرۡۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنۡهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِۦ بَيۡنَ ٱلۡمَرۡءِ وَزَوۡجِهِۦۚ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِۦ مِنۡ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمۡ وَلَا يَنفَعُهُمۡۚ وَلَقَدۡ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشۡتَرَىٰهُ مَا لَهُۥ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ مِنۡ خَلَٰقٖۚ وَلَبِئۡسَ مَا شَرَوۡاْ بِهِۦٓ أَنفُسَهُمۡۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ} (102)

قوله : { وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ } : هذه الجملة معطوفة على مجموع الجملة السابقة من قوله : " ولما جاءهم " إلى آخرها .

وقال أبو البقاء : إنها معطوفة على " أشربوا " أو على " نبذ فريق " ، وهذا ليس بظاهر ؛ لأن عطفها على " نبذ " يقتضي كونها جواباً لقوله تعالى :

{ وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ } .

واتِّباعُهُم لما تتلو الشياطين ليس مترتباً على مجيء الرسول - عليه الصَّلاة والسَّلام بل كان اتباعهم لذلك قبله ، فالأولى أن تكون معطوفة على جملة " لما " كما تقدم ، و " ما " موصولة ، وعائدها محذوف ، والتقدير : تتلوه .

وقيل : " ما " نافية ، وهو غلط فاحش لا يقتضيه نظم الكلام ، [ ذكره ] ابن العربي .

و { يتلو } في معنى " تلت " فهو مضارع واقع موقع الماضي ؛ كقوله : [ الكامل ]

692- وَإِذَا مَرَرْتَ بِقَبْرِهِ فَاعْقِرْ بِهِ *** كُومَ الهِجَانِ وَكُلَّ طَرْفٍ سَابِحِ

وانْضَحْ جَوَانِبَ قَبْرهِ بِدِمَائِهَا *** فَلَقَدْ يَكُونُ أَخَا دَمٍ وَذَبَائِحِ{[1559]}

أي : فلقد كان .

وقال الكوفيون : الأصل : وما كانت تتلو الشياطين ، ولا يريدون بذلك أن صلة " ما " محذوفة ، وهي " كانت " و " تتلو " في موضع الخبر ، وإنما قصدوا تفسير المعنى ، وهو نظير : " كان زيد يقوم " المعنى على الإخبار ، وبقيامه في الزمن الماضي ، وقرأ الحسن{[1560]} والضحاك " الشياطون " إجراء له مجرى جمع السَّلامة ، قالوا : وهو غلط . وقال بعضهم : لحن فاحش .

وحكى الأصمعي " بُسْتَانُ فُلاَنٍ حَوْلَهُ بساتون " وهو يقوي قراءة الحسن .

قوله تعالى : { عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ } فيه قولان :

أحدهما : أنه على معنى " في " ، أي : في زمن ملكه ، والمُلْكُ هنا شَرْعه .

والثاني : أن يضمن تتلو معنى تَتقوَّل أي : تتقول على ملك سليمان ، وتَقَوَّل يتعدى بعلى ، قال تعالى : { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ } .

وهذا الثاني أولى ، فإن التجوّز في الأفعال أولى من التجوّز في الحروف ، وهو مذهب البصْريين كما تقدم وإنما أحْوَجَ إلى هذين التأويلين ؛ لأن تلا إذا تعدَّى ب " على " كان المجرور ب " على " شيئاً يصحّ أن يتلى عليه نحو : تلوت على زيد القرآن ، والملك ليس كذلك .

قال أبو مسلم : " تتلو " أي : تكذب على ملك سليمان يقال : تلا عليه : إذا كذب وتلا عنه إذا صدق . وإذا أبهم جاز الأمران .

قال ابن الخطيب{[1561]} : أي يكون الذي كانوا يخبرون به عن سليمان مما يتلى ويقرأ فيجتمع فيه كل الأوصاف ، والتلاوة : الاتباع أو القراءة وهو قريب منه .

قال أبو العباس المقرئ : و " على " ترد على ثلاثة أوجه :

الأول : بمعنى " في " كهذه الآية .

وبمعنى " اللام " ، قال تعالى : { ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ } [ الأنعام : 154 ] أي : للذي .

وبمعنى " من " ، قال تعالى : { الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ }

[ المطففين : 2 ] أي : من الناس يستوفون .

و { سليمان } علم أعجمي ، فلذلك لم ينصرف .

وقال أبو البقاء رحمه الله تعالى : " وفيه ثلاثة أسباب : العُجْمة والتَّعريف والألف والنون " ، وهذا إنما يثبت بعد دخول الاشتقاق فيه ، والتصريف حتى تعرف زيادتها ، وقد تقدَّم أنهما لا يَدْخُلان في الأسماء الأعجميّة ، وكرر قوله : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ } بذكره ظاهراً ؛ تفْخِيماً له ، وتعظيماً ؛ كقوله : [ الخفيف ]

693- لا أَرَى المَوْتَ يَسْبِقُ المَوْتَ شَيْءٌ *** . . . {[1562]}

وقد تقدم تحقيق ذلك .

فصل في المراد بقوله تعالى : { واتبعوا } .

المراد بقوله : { وَاتَّبَعُوا } هم اليهود .

فقيل : هم الذين كانوا في زمن محمد عليه الصلاة والسلام .

وقيل : هم الذين كانوا في زمن سليمان صلى الله عليه وسلم من السَّحَرة ؛ لأن أكثر اليهود ينكرون نبوّة سليمان عليه الصلاة والسلام ويعدونه من جُمْلة الملوك في الدنيا ، وهؤلاء ربما اعتقدوا فيه أنه إنما وجد الملك العظيم بسبب السحر .

وقيل : إنه يتناول الكل وهو أولى .

قال السّدي : لما جاءهم محمد عليه الصلاة والسلام عارضوه بالتوراة فخاصموه بها ، فاتفقت التوراة والفرقان ، فنبذوا التوراة ، وأخذوا بكتاب " آصف " وسِحْر " هاروت وماروت " فلم يوافق القرآن ، فهذا هو قوله تعالى : { وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ } أخبر عنهم بأنهم اتبعوا كتب السّحر .

واختلفوا في المراد من الشياطين .

فقال المتكلمون من المعتزلة : هم شياطينُ الإنس ، وهم المتمرِّدون في الضلال ؛ كقول جرير : [ البسيط ]

694- أَيَّامَ يَدْعُونَنِي الشَّيْطَانُ مِنْ غَزَلِي *** وَكُنَّ يَهْوَيْنَنِي إِذْ كُنْتُ شَيْطَانَا{[1563]}

وقيل : هم شياطين الإنس والجن .

قال السدي : إن الشياطين كانوا يسترقون السَّمع ، ثم يضمون إلى ما سمعوا أكاذيب يلقونها إلى الكَهَنَةِ ، وقد دوّنوها في كتب يقرءونها ويعلمونها الناس ، وفشا ذلك في زمن سليمان عليه الصلاة والسلام وقالوا : إن الجنّ تعلم الغيب ، وكانوا يقولون : هذا علم سليمان ، وما تم له ملكه إلاَّ بهذا العلم ، سخّر الجن والإنس [ والطير ] والريح التي تجري بأمره{[1564]} .

وأما القائلون بأنهم شياطين الإنس فقالوا : روي أن سليمان عليه الصلاة والسلام كان قد دفن كثيراً من العلوم التي خصّه الله تعالى بها تحت سرير ملكه حرصاً على أنه إن هلك الظَّاهر منها يبقى ذلك المدفون ، فلما مضت مدة على ذلك توصل قوم من المنافقين إلى أن كتبوا في خلال ذلك أشياء من السِّحْر تناسب تلك الأشياء من بعض الوجوه ، ثم بعد موته واطّلاع الناس على تلك الكتب أوهموا الناس أنه من عمل سليمان ، وأنه ما وصل إلى ما وصل إليه إلاّ بسبب هذه الأشياء .

فصل في الباعث على نسبتهم السحر لسليمان

إنما أضافوا السِّحْر إلى سليمان عليه الصلاة والسلام لوجوه :

أحدها : أضافوه تفخيماً لشأنه ، وتعظيماً لأمره ، وترغيباً للقوم في قبول ذلك منهم .

وثانيها : أن اليهود كانوا يقولون : إن سليمان إنما وجد ذلك الملك بسبب السّحر .

وثالثها : أنه تعالى لما سخر الجن لسليمان ، فكان يخالطهم ، ويستفيد منهم أسراراً عجيبة غلب على الظنون أنه عليه الصلاة والسلام استفاد السحر منهم فقوله تعالى : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ } تنزيه له عليه الصلاة والسلام عن الكفر ، وذلك يدلّ على أن القوم نسبوه إلى الكُفْرِ والسحر ، فروي عن بعض أَحْبَار اليهود أنهم قالوا : ألا تعجبون من محمد عليه الصَّلاة والسَّلام يزعم أن سليمان كان نبياً وما كان إلا ساحراً ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وروي أن السَّحرة من اليهود زعموا أنهم أخذوا السحر عن سليمان ، فبرأه الله تعالى من ذلك ، وبين أن الذي برأه الله منه لاصق بغيره ، وهو قوله تعالى : " وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ " .

هذه الواو عاطفة جملة الاستدراك على ما قبلها .

وقرأ ابن عامر{[1565]} ، والكسائي وحمزة بتخفيف " لكن " ورفع ما بعدها ، والباقون بالتشديد ، والنصب وهو واضح .

وأما القراءة الأولى ، فتكون " لكن " مخففة من الثقيلة جيء بها لمجرّد الاستدراك ، وإذا خففت لم تعمل عند الجمهور ونُقِل جواز ذلك عن يونس

[ والأخفش . وهل تكون عاطفة ؟ الجمهور على أنها تكون عاطفة إذا لم يكن معها " الواو " ، وكان ما بعدها مفرداً وذهب يونس ]{[1566]} إلاَّ أنها لا تكون عاطفةً وهو قوي ، فإنه لم يسمع في لسانهم : ما قام زيد لكن عمرو ، وإن وجد ذلك في كتب النحاة{[1567]} فمن تمثيلاتهم ، ولذلك لم يمثل بها سيبويه رحمه الله إلا مع الواو وهذا يدل على نفيه .

وأما إذا وقعت بعدها الجمل فتارة تقترن بالواو ، وتارة لا تقترن .

قال زهير : [ البسيط ]

695- إنَّ ابْنَ وَرْقَاءَ لاَ تُخْشَى بَوَادِرُهُ *** لَكِنْ وَقَائِعُهُ في الحَرْبِ تُنتَظَرُ{[1568]}

وقال الكسائي والفراء : الاختيار تشديدها إذا كان قبلها " واو " وتخفيفها إذا لم يكن ، وهذا جنوح منهما إلى القول بكونها حرف عَطْف ، وأبعد من زعم أنها مركّبة من ثلاث كلمات : لا النافية ، وكاف الخطاب ، وإن التي للإثبات ، وإنما حذفت الهمزة تخفيفاً .

قوله : { يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ } " الناس " مفعول أول ، و " السِّحْر " مفعول ثان ، واختلفوا في هذه الجملة على خمسة أقوال :

أحدها : أنها حال من فاعل " كفروا " أي مُعَلِّمين .

الثاني : أنها حال من الشياطين ، وردّه أبو البقاء رحمه الله تعالى بأن " لكن " لا تعمل في الحال ، وليس بشيء فإن " لكن " فيها رائحة الفعل .

الثالث : أنها في محلّ رفع على أنها خبر ثان للشياطين .

الرابع : أنها بَدَلٌ من " كفروا " أبدل الفعل من الفعل .

الخامس : أنها استئنافية ، أَخْبر عنهم بذلك ، هذا إذا أعدنا الضمير من " يعملون " على الشَّيَاطين .

أما إذا أعدناه على " الذين اتَّبَعُوا ما تتلوا الشَّياطين " فتكون حالاً من فاعل " اتبعوا " ، أو استئنافية فقط .

والسِّحْر : كلّ ما لَطف ودَقَّ سِحْرُهُ ، إذا أَبْدَى له أمراً يدقُّ عليه ويخفى .

قال : [ الطويل ]

696- . . . *** أَدَاءٌ عَرَانِي مِنْ حُبَابِكِ أمْ سِحْرُ{[1569]}

ويقال : سَحَرَهُ : أي خَدَعَهُ وعلَّله ؛ قال امرؤ القيس : [ الوافر ]

697- أَرَانَا مُوضِعِينَ لأَمْرٍ غَيْبٍ *** ونُسْحَرُ بِالطَّعَامِ وبِالشَّرَابِ{[1570]}

أي : نُعَلَّلُ ، وهو في الأصل : مصدر يقال : سَحَرَهُ سِحْراً ، ولم يجئ مصدر ل " فَعَلَ " يَفْعَلُ على فِعْلٍ إلا سِحْراً وَفِعْلاً .

والسَّحر بالنصب هو الغذاء لخفائه ولطف مَجَاريه ، والسّحر هو الرئة وما تعلق بالحُلْقُوم [ ومنه قول عائشة رضي الله عنها توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري ] {[1571]}وهذا أيضاً يرجع إلى معنى الخفاء .

ومنه قوله تعالى : { إِنَّمَا أَنتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ } [ الشعراء : 153 ] يعني من المخلوقين الذي يطعم ويشرب بدليل قولهم : { مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا }

[ الشعراء : 154 ] ، ويحتمل أنه ذو سحر مثلنا .

وقال تعالى : { فَلَمَّا أَلْقُوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ } [ الأعراف : 116 ] .

وقال تعالى : { وَلاَ يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى } ، والسّحر في عرف الشرع مختصّ بكل أمر يخفى سببه ، ويتخيل على غير حقيقته ، ويجري مجرى التَّمويه والخداع ، وهو عند الإطلاق يذم فاعله ، ويستعمل مقيداً فيما يمدح وينفع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْراً " .

فسمى النبي صلى الله عليه وسلم بعض البيان سحراً ؛ لأن صاحبه يوضح الشيء المشكل ، ويكشف عن حقيقته بحسن بيانه ، وبليغ عبارته ، فعلى [ هذا ] يكون قوله عليه الصلاة والسلام : " إنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْراً " خرج مخرج المدح .

وقال جماعة من أهل العلم : خرج مخرج الذم للبلاغة والفصاحة ، إذ شبهها بالسّحر يدلّ عليه قوله عليه الصلاة والسلام : " فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجّتِهِ مِنْ بَعْضٍ " .

وقوله عليه الصلاة والسلام : " إنَّ أَبْغَضَكُمْ إلَيَّ الثَّرْثَارُونَ المُتَفَيْهِقُونَ " .

[ الثرثرة : كثرة الكلام وتردده ، يقال : ثرثر الرجل فهو ثَرْثار مِهْذَار والمتفيهق نحوه ]{[1572]} قال ابن دريد : فلان يتفيهق في كلامه إذا توسّع وتنطّع ، قال : " وأصله الفَهْقُ ، وهو الامتلاء كأنه ملأ به فمه " .

قال القرطبي رحمه الله تعالى : وبهذا المعنى الذي ذكرناه فسره عامر الشعبي راوي الحديث وصعصعة بن صوحان ، فقالا : أما قوله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ مِنَ البَيَانِ لَسِحْراً " ، فالرجل عليه الحق وهو ألحن بالحُجَج من صاحب الحقّ [ فيسحر ] القوم ببيانه ، فيذهب بالحق ، وهو عليه ، وإنما يحمد العلماء البلاغة واللسان ما لم تخرج إلى حدّ الإسهاب والإطناب ، وتصوير الباطل في صورة الحق .

فإن قيل : كيف يجوز أن يسمى ما يوضح إظهار الحقّ سِحْراً ، وهو إنما قصد إظهار الخفي لا إخفاء الظاهر ، ولفظ السحر إنما يفيد الظاهر ؟

فالجواب : إنما سمي السّحر سحراً لوجهين :

الأول : أن ذلك القَدْر لِلُطْفه وحسنه استمال القلوب ، فأشبه السّحر الذي يستميل القلوب من هذا الوجه .

الثاني : أنَّ القادر على البيان يكون قادراً على تحسين ما يكون قبيحاً ، وتقبيح ما يكون حسناً فأشبه السحر من هذا الوجه .

فصل في ماهية السحر

قال بعض العلماء : إن السِّحر تخيُّل لا حقيقة له ، لقوله تعالى : { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } [ طه : 66 ] .

وقيل : إنه حقيقة ؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سحره لبيد بن الأعصم فإن السحر أخرج من بئر ، وحلت عقوده ، وكلما انحلت عقدة خفَّ عنه عليه السلام إلى أن سار كما نشط من عقال .

وذهب ابن عمر إلى " خيبر " ليخرص ثمرها فسحره بعض اليهود فانكشفت يده ، فأجلاهم عمر رضي الله تعالى عنه وجاءت امرأة لعائشة رضي الله عنها فقالت : يا أم المؤمنين ما على المرأة إذا عقلت بعيرها ، فقالت عائشة : ليس عليها شيء ، فقالت : إني عقلت زوجي عن النساء ، فقالت عائشة : أخرجوا عني هذه الساحرة .

وأجابوا عن الآية بأنها لا تمنع بأنَّ من السحر ما هو تخيّل ، وغير تخيل .

فإن قيل : إن الله تعالى قال في حقّه عليه السَّلام : { واللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } فكيف أثر فيه السحرُ ؟

فالجواب أن قوله تعالى : { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ } المراد به عصمة القلب والإيمان لا عصمة الجسد عما يرد عليه من الأمور الحادثة الدنيوية ، فإنه عليه السلام قد سحر وكسرت رباعيته ، ورُمي عليه الكرش والثرب ، وآذاه جماعة من قريش .

قال ابن الخطيب{[1573]} : السِّحر على أقسام :

الأول : سحر الكلدانيين الذين كانوا في قديم الدهر يعبدون الكواكب ، ويزعمون أنها هي المدبرة لهذا العالم ، ومنها يصدر الخير والشر والفرح والسرور والسعادة والنحوسة ، وهم الذين بعث الله تعالى إبراهيم عليه الصلاة والسلام مبطلاً لمقالتهم ورادًّا عليهم وهم ثلاث فرق :

الأولى : الذين زعموا أن الأفلاك والكواكب واجبة في ذواتها ، وأنه لا حاجة بها إلى موجد ومدبر وخالق ، وهي المدبّرة لعالم الكون والفساد ، وهم الصَّابئة الدهرية .

والفريق الثاني : القائلون بإلاهية الأفلاك ، قالوا : إنها هي المؤثّرة للحوادث باستدارتها وتحرّكها ، فعبدوها وعظّموها ، واتخذوا لكل واحد منها هيكلاً مخصوصاً وصنماً معيناً ، واشتغلوا بخدمتها ، فهذا دين عبدة الأصنام والأوثان .

والفريق الثالث : الذين أثبتوا لهذه الأفلاك والنُّجوم فاعلاً مختاراً خلقها وأوجدها بعد العدم إلاَّ أنهم قالوا : إن الله تعالى عز وجلّ أعطاهم قوة عالية نافذة في هذا العالم ، وفوض تدبير هذا العالم إليها .

النوع الثاني : سحر أصحاب الأَوْهَام ، والنفوس القوية .

النوع الثالث : الاستعانة بالأرواح الأرضية .

واعلم أن القول بالجنّ مما أنكره بعض المتأخرين من الفلاسفة والمعتزلة .

أما أكابر الفلاسفة فإنهم لم ينكروا القول به إلا أنهم سمّوها بالأرواح الأرضية ، وهي في أنفسها مختلفة منها خيرة ، ومنها شريرة ، فالخيرة هم مؤمنو الجن ، والشريرة هم كفار الجن وشياطينهم .

النوع الرابع : التخيُّلات والأخذ بالعيون ، وذلك أن أغلاط البَصَرِ كثيرة ، فإن راكب السَّفينة ينظر السفينة واقفة والشَّط متحركاً ، وذلك يدلّ على أن السَّاكن متحرك والمتحرك يُرَى ساكناً ، والقطرة النازلة ترى خطّاً مستقيماً ، والذّبالة التي تدار بسرعة ترى دائرة ، والعنبة ترى في الماء كبيرة كالإجَّاصَة ، والشخص الصغير يرى في الضَّباب عظيماً .

النوع الخامس : الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات على النُّصُب الهندسية مثل صورة فارس على فرس في يده بُوق ، فإذا مضت ساعة من النهار صوت بالبوق من غير أن يمسه أحد ، ومثل تصاوير الروم على اختلاف أحوال الصور من كونها ضاحكة وباكية ، حتى يفرق فيها بين ضحك السرور ، وضحك الخَجلِ ، وضحك الشَّامت ، وكان سحر سحرة فرعون من هذا الضرب ، ومن هذا الباب تركيب صندوق السَّاعات ، ويندرج في هذا الباب علم جَرَّ الأثقال وهو أن يجر ثقلاً عظيماً بآلة خفيفة سهلة ، وهذا في الحقيقة لا ينبغي أن يعد من باب السحر ؛ لأن لها أسباباً معلومة يقينية من اطّلع عليها قدر عليها .

النوع السادس : الاستعانة بخواصّ الأدوية المبلّدة المزيلة للعقل والدّخن المسكرة .

النوع السابع : تعليق القلب وهو أن يدعي السَّاحر أنه يعرف الاسم الأعظم ، وأن الجن تطيعه ، وينقادون له ، فإذا كان السامع ضعيف العَقْل قليل التمييز اعتقد أنه حق ، وتعلّق قلبه بذلك ، وحصل في نفسه نوع من الرُّعب والخوف ، فحينئذ يُمكّن الساحر من أن يفعل به حينئذ ما شاء .

فصل في مذهب الشافعي في السحر

حكي عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال : السحر يخيل ويمرض ويقتل وأوجب القصاص على من يقتل به فهو من عمل الشيطان يتلقَّاه الساحر منه بتعليمه إيَّاه ، فإذا تلقاه منه استعمله في غيره .

وقيل : إنه يؤثر في قَلْبِ الأعيان ، والأصح أن ذلك تخييل .

قال : تعالى : { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } [ طه : 66 ] ، لكنه يؤثر في الأبدان بالأمراض والموت والجنون ، وللكلام تأثير في الطِّباع والنفوس ، كما إذا سمع الإنسان ما يكره فيحمرّ [ وربما يحمّ منه }{[1574]} ويغضب وقد مات قوم بكلام سمعوه فهو بمنزلة العلَل التي تؤثر في الأبدان .

فصل في خرق الساحر للعادات

قال القرطبى رحمه الله تعالى : قال علماؤنا : لا ينكر أن يظهر على يد السّاحر خَرْقُ العادات مما ليس في مقدور البشر من مرض وتفريق ، وزوال عقل وتَعْويج عُضْو ، إلى غير ذلك مما قام الدليل على استحالة كونه من مقدورات العباد .

قالوا : ولا يعبد في السِّحر أن يَسْتَدِقّ جسم السَّاحر حتى [ يلج }{[1575]} في الكُوَّات والانتصاب على رأس قَصَبَةٍ ، والجري على خيط مستدق ، والطيران في الهواء ، والمشي على الماء ، وركوب كلب وغير ذلك .

ولا يكون السحر علة لذلك ، ولا موجباً له ، وإنما [ يخلق ] الله تعالى هذه الأشياء ، ويحدثها عند وجود السحر ، كما يخلق الشبع عند الأكل ، والرِّي عند شرب الماء [ روى سفيان عن عمار الدهنى أن ساحراً كان عند الوليد بن عقبة يمشي على الحبل ، ويدخل في اسْت الحمار ، ويخرج من فيه ، فاستل جندب{[1576]} السيف فقتله .

هذا هو جندب بن كعب الأسدي ويقال : البجلي وهو الذي قال في حقه النبي صلى الله عليه وسلم " يكُونُ في أُمَّتي رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُنْدب يَضْرِبُ ضَرْبَةً بالسَّيْفِ يَفْرُقُ فيها بَيْنَ الحَقّ والبَاطِلِ " فكانوا يرونه جندباً هذا قاتل السّاحر .

قال علي بن المديني : وروى عنه حارثة بن مُضَرِّب ]{[1577]} .

فصل في إمكان السحر

واختلف المسلمون في إمكان السحر ، فأما المعتزلة فقد أنكروه أعني : الأقسام الثلاثة الأولى ولعلهم كَفّروا من قال بها وبوجودها .

أما أهل السّنة فقد جَوّزوا أن يقدر الساحر على أن يطير في الهواء ، ويقلب الإنسان حماراً ، والحمار إنساناً ؛ إلاَّ أنهم قالوا : إن الله تعالى هو الخالق لهذه الأشياء عندما يقرأ الساحر كلماتٍ معينة ، و يدل على ذلك قوله تعالى : { وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ } [ البقرة : 102 ] .

وقد روي أنه عليه الصلاة والسلام سُحِرَ ، وأن السحر عمل فيه حتى قال : " إِنَّهُ لَيُخَيَّلُ إلَيَّ أنِّي أقُولُ الشَّيْءَ وَأَفْعَلُهُ وَلَمْ أَفْعَلْهُ " .

وأن امرأة يهودية سحرته ، وجعلت ذلك السحر تحت رَاعُونَةِ البئر ، فلما استخرج ذلك زال عن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك العارض ، ونزلت المُعَوِّذَتَان بسببه .

وروي أن امرأة أتت عائشة رضي الله عنها : فقالت لها : إني ساحرة فهل لي من توبة ؟ فقالت عائشة : وما سحرك ؟ فقالت : صرت إلى الموضع الذي فيه هاروت وماروت ب " بابل " أطلب علم السحر ، فقالا لي : يا أمة الله لا تختاري عذاب الآخرة بأمر الدنيا فأبيت ، فقالا لي : اذهبي فَبُولِي على ذلك الرماد ، فذهبت لأبول عليه ففكرت في نفسي فقلت لا أفعله وجئت إليهما فقلت قد فعلت ، فقالا لي ما رأيت لما فعلت ؟ فقلت : ما رأيت شيئاً فقالا لي : أنت على رأس أمر ، فاتقي الله ولا تفعلي فأبيت فقالا لي : اذهبي فافعلي فذهبت ففعلت ، فرأيت كأن فارساً مقنّعاً بالحديد قد خرج من فرجي ، فصعد إلى السماء فجئتهما فأخبرتهما فقالا : إيمانك قد خرج عنك ، وقد أحسنت السحر .

فقلت : وما هو ؟ قالا : ما تريدين شيئاً فَتُصَوّريه في وَهْمك إلا كان ، فصورت في نفسي حباً من حِنْطة فإذا أنا بحبّ فقلت : انزرع فانزرع ، فخرج من ساعته سُنْبُلاً فقلت : انطحن فانطحن من ساعته ، فقلت : انخبز فانخبز ، وأنا لا أريد شيئاً أصوره في نفسي إلا حصل ، فقالت عائشة : ليس لك توبة{[1578]} .

فصل فى أنّ معجزات الله ليست من قبيل السّحر

قال القرطبي رحمه الله تعالى : أجمع المسلمون على أنه ليس من السحر ما يفعل الله عند إنزال الجراد والقمل ، والضفادع ، وفلق البحر ، وقلب العصا ، وإحياء الموتى ، وإنطاق العَجْمَاء وأمثال ذلك من عظيم آيات الرسل عليهم السلام ، والفرق بين السحر والمعجزة أن السحر يأتي به الساحر وغيره ، وقد يكون جماعة يعرفونه ، ويمكنهم الإتيان به في وقت واحد ، والمعجزة لا يمكن الله أحداً أن يأتي بمثلها .

فصل في أن العلم بالسحر ليس بمحظور

قال ابن الخطيب : اتفق المحققون على أن العلم بالسحر ليس قبيحاً ولا بمحظور ؛ لأن العلم لذاته شريف وأيضاً لقوله تعالى : { هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } [ الزمر : 9 ] ولأن الساحر لو لم يكن يعلم لما أمكن الفرق بينه وبين المُعْجزة ، والعلم بكون المعجز معجزاً واجب ،

[ وما يتوقّف الواجب عليه فهو واجب ، فهذا يقتضي أن يكون تحصيل العلم بالسحر واجباً ، وما يكون واجباً ] كيف يكون حراماً وقبيحاً . [ ونقل بعضهم وجوب نقله عن المفتي حتى يعلم ما يقتل فيه وما لا يقتل فيفتي به في وجوب القصاص ]{[1579]} .

فصل في أمور لا تكون من السحر ألبتة

قد تقدم عن القرطبي قوله : أجمع المسلمون على أنه ليس في السحر ما يفعل الله عند إنزال الجراد والقمل والضفادع وفلق البحر وقلب العصا وإحياء الموتى [ وإنطاق العجماء ]{[1580]} ، وأمثال ذلك من عظيم آيات الرسل عليهم السلام فهذا ونحوه مما يجب القطع بأنه لا يكون ، ولا يفعله الله عند إرادة الساحر .

قال القاضي أبو بكر بن الطيب : وإنما منعنا ذلك بالإجماع ، ولولاه لأجزناه نقله القرطبي رحمه الله تعالى في تفسيره ، وأورد عليه قوله تعالى عن حبال سحرة فرعون وعصيهم : { يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى } [ طه : 66 ] ، فأخبر عن إقلاب العِصِيّ والحبال بأنها حيّات .

فصل في أن الساحر كافر أم لا ؟

اختلف العلماء في الساحر هل يكفر أو لا ؟

اعلم أنه لا نزاع في أن من اعتقد أن الكواكب هي المدبّرة لهذا العالم ، وهي [ الخالقة ]{[1581]} لما فيه من الحوادث ، فإنه يكون كافراً مطلقاً ، وهو النوع الأول من السحر .

وأما النوع الثاني : وهو أن يعتقد [ أن الإنسان تبلغ روحه ]{[1582]} في التصفية والقوة إلى حيث يقدر بها على إيجاد الأجسام والحياة والقدرة وتغيير البِنْيَةِ والشكل ، [ فالظاهر ]{[1583]} إجماع الأمة أيضاً على تكفيره .

وإما النوع الثالث : وهو أن يعتقد السَّاحر أنه [ بلغ ]{[1584]} في التصفية وقراءة الرّقى وتدخين بعض الأدوية إلى حيث يخلق الله تعالى عقيب أفعاله على سبيل خرق العادة الأجسام والحياة والعقل وتغيير البنية والشكل ، فالمعتزلة كفروه وغيرهم لم يكفروه .

فإن قيل : إن اليهود لما أضافوا السِّحر إلى سليمان عليه الصلاة والسلام قال الله تعالى تنزيهاً له عنه : { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَآ أُنزِلَ } [ البقرة : 102 ] فظاهر الآية يقتضي أنهم إنما كفروا لأجل أنهم كانوا يعلمون السحر ؛ لأن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية ، وتعليم ما لا يكون كفراً لا يوجب الكفر ، وهذا يقتضي أنّ السحر على الإطلاق كفر ، وأيضاً قوله : " عَلَى المَلَكَيْنِ " { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ } [ البقرة : 102 ] .

قلنا : حكاية الحال يكفي في صدقها صورة واحدة ، فيحمل على سحر من يعتقد إلاهية النجوم وأيضاً فلا نسلم أن ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلّية ، بل المعنى أنهم كفروا ، وهم مع ذلك يعلمون السحر .

فصل في سؤال الساحر حلّ السحر عن المسحور

قال القرطبي رحمه الله تعالى : هل يسأل الساحر حل السحر عن المسحور ؟

اختلفوا : فقال سعيد بن المسيّب : يجوز . ذكره " البخاري " ، وإليه مال المزني ، وكرهه الحسن البصري .

وقال الشعبي : لا بأس بِالنُّشْرَةِ .

قال ابن بَطّال : وفى كتاب وهب بن منبه : أن يأخذ سبع ورقات من سِدْرٍ أخضر ويدقه بين حَجَرين ، ثم يضربه بالماء ، ويقرأ عليه آية الكرسي ثم يحسو منه ثلاث حسوات ويغتسل به ، فإنه يذهب عنه كلّ ما به إن شاء الله تعالى ، وهو جيّد للرجل إذ حُبِسَ عن أهله .

فصل في أن الساحر هل يتقل أم لا ؟

هل يجب قتل الساحر أم لا ؟

أما النوعان الأولان فلا شكّ في [ قتل ]{[1585]} معتقدهما .

قال ابن الخطيب{[1586]} : يكون كالمرتد يُسْتَتَاب فإن أصر قتل .

وروي عن مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما توبته .

لنا أنه إن أسلم فيقبل إسلامه لقوله عليه الصلاة والسلام : " نَحْنُ نَحْكُمُ بِالظَّاهِرِ " .

وأما النوع الثالث : فإن اعتقد أن إتيانه به مباح كفر ؛ لأنه حكم على المحظور بكونه مباحاً ، وإن اعتقد حرمته ، فعند الشَّافعي رضي الله عنه حكمه حكم الجِنَاية ، إن قال : إني سحرته وسحري يَقْتُلُ غالباً ، يجب عليه القَوَدُ .

وإن قال : سحرته وسحري قد يقتل وقد لا يقتل ، فهو شبه عمد .

وإن قال : سحرت غيره فوافق اسمه فهو خطأ يجب عليه الدِّيَةُ مخففة في ماله ؛ لأنه ثبت بإقراره إلاّ أن تصدقه العاقلة ، فحينئذ يجب عليهم . هذا تفصيل مذهب الشافعي رضي الله عنه .

وروى الحسن بن زياد عن أبى حنيفة رحمه الله أنه قال : يقتل السَّاحر إذا علم أنه ساحر ، ولا يستتاب ولا يقبل قوله : إني أترك السحر وأتوب منه ، فإذا أقر أنه ساحر فقد حلّ دمه ، وإن شهد شاهدان على أنه ساحر أو وصفوه بصفة يعلم أنه ساحر قتل ولا يُسْتَتَاب ، وإن أقر بأني كنت أسحر مرة ، وقد تركت ذلك منذ زمان قبل منه ، ولم يقتل .

وحكى محمد بن شجاع عن علي الرازي قال : سألت أبا يوسف عن قول أبي حنيفة في السَّاحر : يقتل ولا يُسْتَتَاب لم يكن ذلك بمنزلة المرتد ، فقال الساحر جمع مع كفره السعي في الأرض بالفساد ، ومن كان كذلك إذا قَتَل قُتل . واحتج أصحاب الشافعي بأنه لما ثبت أن هذا النوع ليس بكفر ، فهو فسق ، فإن لم يكن جناية على حق الغير كان فيه التفصيل المتقدم .

وأيضاً فإن ساحر اليهود لا يقتل ؛ لأنه عليه الصلاة والسلام سحره رجل من اليهود يقال له : لبيد بن أعصم ، وامرأة من يهود " خيبر " يقال لها : زينب فلم يقتلهما ، فوجب أن يكون المؤمن كذلك لقوله عليه الصلاة والسلام : " لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى المُسْلِمِينَ " .

واحتج أبو حنيفة بما روى نافع عن ابن عمر رضي الله عنه أن جارية لحفصة سحرتها ، وأخذوها فاعترفت بذلك فأمرت عبد الرحمن بن زيد ، فقتلها فبلغ ذلك عثمان ، فأنكره فأتاه ابن عمر وأخبره أمرها فكأن عثمان إنما أنكر ذلك ، لأنها قتلت بغير إذن ، وبما روى عمرو بن دينار أن عمر رضي الله عنه قال : " اقتلوا كل ساحر وساحرة فقتلنا ثلاث سَوَاحر " .

والجواب : لعل السحرة الذين قتلوا كانوا من الكفرة ، فإن حكاية الحال تكفي في صدقها صورة واحدة ، وأما بقية [ أنواع ]{[1587]} السحر من الشَّعْوذة ، والآلات العجيبة المبنية على النسب الهندسية ، وأنواع التخويف ، والتقريع والوهم ، فكل ذلك ليس بكفر ، ولا يوجب القتل .

قوله : " وَمَا أُنزِلَ " فيه أربعة أقوال :

أظهرها : أن " ما " موصولة بمعنى " الذي " محلّها النصب عطفاً على " السحر " ، والتقدير : يعلّمون الناس السحر ، والمنزل على الملكين .

الثاني : أنها موصولة أيضاً ، ومحلها النصب لكن عطفاً على { مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ } ، والتقدير : واتبعوا ما تتلو الشياطين ، وما أنزل على الملكين . وعلى هذا فما بينهما اعتراض ، ولا حاجة إلى القول بأن في الكلام تقديماً وتأخيراً .

الثالث : أن " ما " حرف نفي ، والجملة معطوفة على الجملة المنفية قَبْلَها ، وهي { وما كفر سُلَيْمان } والمعنى : وما أنزل على الملكين إباحة السحر .

قال القرطبي : و " ما " نافية{[1588]} ، والواو للعطف على قوله : [ { وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ } ، وذلك أن اليهود قالوا : إن الله أنزل جبريل ، وميكائيل بالسحر ، فنفى الله ذلك .

وفي الكلام تقديم وتأخير والتقدير : وما كفر سليمان ]{[1589]} ، وما أنزل على الملكين ، ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السِّحر ببابل هَارُوت وماروت ، فهاروت وماروت بدل من الشَّيَاطين في قوله : { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا } قال : وهذا أولى ولا يلتفت إلى سواه ، فالسحر استخراج الشياطين للطافة جوهرهم ، وأكثر ما يتعاطاه من الإنس النساء ، وخاصة في حالة طَمْثهن ؛ قال الله تعالى : { وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ } [ الفلق : 4 ] .

فإن قيل : كيف يكون اثنان بدلاً من الجميع والبدل إنما يكون على حد المبدل منه ؟ فالجواب من وجوه ثلاثة :

الأول : أن الاثنين قد يطلق عليهما اسم الجمع ؛ كما قال تعالى : { فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ } [ النساء : 11 ] .

الثاني : أنهما لما كانا الرأس في التعليم نصّ عليهما دون أتباعهما كقوله تعالى : { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } [ المدثر : 30 ] .

الثالث : إنما خُصَّا بالذكر من بينهم لتمرّدهما ، كتخصيصه تعالى النخل [ والرمان ]{[1590]} في قوله : { فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ }

[ الرحمن : 68 ] فقد ينص على بعض أشخاص العموم إما لشرفه ؛ كقوله تعالى : { إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ } [ آل عمران : 68 ] وإما لطيبه كقوله : { فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ } وإما لأكثريته ؛ كقوله صلى الله عليه سلم : " جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِداً وَتُرَابُهَا طَهُوراً " وإما لتمردهم كهذه الآية .

الرابع : أن محلّها الجر عطفاً على " ملك سليمان " ، والتقدير : افتراء على ملك سليمان وافتراء على ما أنزل على الملكين ، وهو اختيار أبي مسلم .

وقال أبو البقاء : " تقديره " وعلى عهد الّذي أنزل .

واحتج أبو مسلم : بأن السحر لو كان نازلاً عليهما لكان مُنْزله هو الله تعالى ، وذلك غير جائز ، كما لا يجوز في الأنبياء أن يبعثوا لتعليم السِّحر ، كذلك في الملائكة بطريق الأولى .

وأيضاً فإن تعليم السحر كفر بقوله تعالى : { وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ } .

وأيضاً فإنما يضاف السحر إلى الكفرة والمردة ، فكيف يضاف إلى الله تعالى ما ينهى عنه ؟

والمعنى : أن الشياطين نسبوا السحر إلى ملك سليمان مع أن ملك سليمان كان مبرأ عنه ، فكذلك نسبوا ما أنزل على الملكين إلى السحر ، مع أن المنزل عليهما كانا مبرّأين عن السحر ؛ لأن المنزل عليهما هو الشرع والدين ، وكانا يعلمان الناس ذلك مع قولهما : { إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ } توكيداً لبعثهم على [ قبوله ]{[1591]} والتمسّك به ، فكانت طائفة تتمسّك ، وأخرى تخالف .

قال ابن الخطيب رحمه الله تعالى : والأول أولى ؛ لأن عطف " وَمَا أُنزِلَ " على ما يليه أولى من عطفه على ما بعد عنه إلا لدليل ، أما قوله : " لو كان منزلاً عليهما لكان مُنَزِّلهُ هو الله تعالى " .

قلنا : تعريف صفة الشيء قد يكون لأجل الترغيب في إدخاله في الوجود ، وقد يكون لأجل أن يقع الاحتراز عنه ؛ قال : [ الهزج ]

698- عَرَفْتُ الشَّرَّ لا لِلشَّرْ *** رِ لَكِنْ لِتَوَقِّيهِ{[1592]}

وقوله : لا يجوز بعثة الأنبياء [ لتعليم السحر ، فكذا الملائكة ]{[1593]} .

قلنا : الغرض من ذلك التعليم التَّنبيه على إبطاله .

وقوله : " تعليم السِّحْر كفر " .

قلنا : إنه واقعة حال فيكفي في صدقها سورة واحدة .

وقوله : يضاف السحر للكفرة والمردة .

قلنا : فرق بين العمل والتعليم ، فيجوز أن يكون العمل منبهاً عنه ، والتعليم لغرض التنبيه على فساده فلا يكون مأموراً به .

والجمهور على فتح لام " المَلَكين " على أنهما من الملائكة .

وقرأ ابن عباس{[1594]} وأبو الأسود والحسن والضحاك بكسرها على أنهما رجلان من الناس ، وسيأتي تقريره .

قوله : " بِبَابِلَ " متعلق ب " أنزل " ، والباء بمعنى " في " أي : في " بابل " . ويجوز أن يكون في محلّ نصب على الحال من المَلَكين ، أو من الضمير في " أنزل " فيتعلق بمحذوف . ذكر هذين الوجهين أبو البقاء رحمه الله .

و " بابل " لا ينصرف للعُجْمة والعلمية ، فإنها اسم أرض ، وإن شئت للتأنيث والعلمية وسميت بذلك قيل : لِتَبَلْبُلِ ألسنة الخلائق بها ، وذلك أن الله تعالى أمر ريحاً ، فحشرتهم بهذه الأرض ، فلم يدر أحد ما يقول الآخر ، ثم فرقتهم الريح في البلاد فتكلم كل واحد بلغة ، والبَلْبَلَة التفرقة .

وقيل : لما أُهْبِط نوح عليه الصلاة والسلام نزل فبنى قرية ، وسماها " ثمانين " ، فأصبح ذات يوم وقد تبلبلت ألسنتهم على ثمانين لغة .

وقيل : لتبلبل ألسنة الخلق عند سقوط صرح نمرود .

وهي بابل " العراق " .

وقال ابن مسعود : " بابل " أرض " الكوفة " .

وقيل : " جبل نهاوَند " .

قوله : " هَارُوتَ وَمَارُوتَ " الجمهور على فتح تائها .

واختلف النحاة في إعرابها ، وذلك مبني على القراءتين في " الملكين " ، فمن فتح لام " الملكين " ، وهم الجمهور كان في هاروت وماروت أربعة أوجه :

أظهرها : أنها بدل من " الملكين " ، وجُرَّا بالفتحة لأنهما ينصرفان للعجمة والعلمية .

الثاني : أنهما عطف بيان لهما .

الثالث : أنهما بدل من " الناس " في قوله تعالى : { يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ } وهو بدل بعض من كل ، أو لأن أقل الجمع اثنان .

الرابع : أنهما بدل من " الشياطين " في قوله : { ولكن الشياطين كفروا } في قراءة من نصب ، وتوجيه البدل كما تقدم .

وقيل : هاروت وماروت اسمان لقبيلتين من الجن ، فيكون بدل كل من كل ، والفتحة على هذين القولين للنصب .

وأما من قرأ برفع " الشياطين " ، فلا يكون " هاروت وماروت " بدلاً منهم ، بل يكون منصوباً في هذا القول على الذم أي : أذم هاروت وماروت من بين الشياطين كلها ؛ كقوله : [ الطويل ]

699- أقَارعُ عَوْفٍ لا أُحَاوِلُ غَيْرَهَا *** وُجُوهَ قُرُودٍ تَبْتَغِي مَنْ تُجَادِعُ{[1595]}

أي : أذم وجوه قرود ، ومن كسر لامهما ، فيكون بدلاً منهما كالقول الأول إلاَّ إذا فسر الملكان بداود وسليمان عليهما الصلاة والسلام كما ذكره بعض المفسرين ، فلا يكونان بدلاً منهما ، بل يكونان متعلّقين بالشياطين على الوجهين السَّابقين في رفع الشياطين ونصبه ، أو يكونان بدلاً من " النّاس " كما تقدم .

وقرأ الحسن " هَارُوتُ وماروتُ " برفعهما ، وهما خبر لمبتدأ محذوف أي : هما هاروت وماروت ، ويجوز أن يكون بدلاً من " الشياطين " الأولى وهو قوله : { ما تَتْلُوا الشياطين } ، أو الثاني على قراءة من رفعه .

ويُجْمَعَان على هَوَاريت ومَوَاريت ، وهَوَارتة ومَوَارتة ، وليس من زعم اشتقاقهما من الهَرْتِ والمَرْتِ وهو الكسر بمصيب لعدم انصرافهما ، ولو كانا مشتقّين كما ذكر لانصرفا .

فصل في توجيه قراءة فتح اللام

أما القراءة بفتح لام " الملكين " ، فقيل : هما ملكان من السماء اسمهما هاروت وماروت .

وقيل : هما جبريل وميكائيل عليهما الصلاة والسلام .

وقيل غيرهما .

وأما من كسر اللام فقيل : إنهما اسم لقبيلتين من الجن .

وقيل : هما داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام .

وقيل : هما رجلان صالحان .

وقيل : كانا رجلين ساحرين .

وقيل : كانا علجين أقنعين ب " بابل " يعلمان الناس السحر .

قوله : { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ } هذه الجملة عطف على ما قبلها ، والجمهور على " يُعَلِّمَان " مضعفاً .

واختلف فيه على قولين :

أحدهما : أنه على بابه من التعليم .

والثاني : أنه بمعنى يعلمان من " أعلم " ، فالتضعيف والهمزة متعاقبان .

قالوا : لأن المَلَكين لا يعلمان الناس السحر ، إنما يُعْلِمانِهِمْ به ، ويَنْهَيَانِهِم عنه ، وإليه ذهب طحلة بن مصرف ، وكان يقرأ " يُعْلِمَان " من الأعلام .

ومن حكى أن تَعَلَّمْ بمعنى " اعْلَم " ابنُ الأعرابي ، وابن الأنباريِّ ؛ وأنشدوا قول زُهَيْر : [ البسيط ]

700- تَعَلَّمَنْ ها لَعَمْرُ اللهِ ذا قَسَماً *** فَاقْدِرْ بِذَرْعِكَ وَانْظُرْ أَيْنَ تَنْسَلِكُ{[1596]} ؟

وقول القُطَامِيُّ : [ الوافر ]

701- تَعَلَّمْ أَنَّ بَِعْدَ الْغَيِّ رُشْداً *** وَأَنَّ لِذَلِكَ الغَيِّ انْقِشَاعَا{[1597]}

وقول كعب بن مالك : [ الطويل ]

702- تَعَلَّمْ رَسُولَ اللهِ أَنَّكَ مُدْرِكِي *** وَأَنَّ وَعِيداً مِنْكَ كَالأَخْذِ بِالْيَدِ{[1598]}

وقول الآخر : [ الوافر ]

703- تَعَلَّمْ أَنَّهُ لاَ طَيْرَ إِلاَّ *** عَلَى مُتَطَيِّرٍ وَهُوَ الثُّبُورُ{[1599]}

والضمير في " يعلمان " فيه قولان :

أحدهما : أنه يعود على هاروت وماروت .

والثاني : أنه عائد على [ الملكين ، ويؤيده قراءة أُبَيّ بإظهار الفاعل : " وَمَا يُعَلِّم الملكان " .

والأول هو الأصح ؛ لأن الاعتماد إنما هو على البدل ]{[1600]} دون المبدل منه ، فإنه في حكم المطَّرح ، فمراعاته أولى ؛ تقول : " هِنْدٌ حُسْنُهَا فَاتِنٌ " ولا تقول : " فَاتِنَةٌ " مراعاة لِهِنْد ، إلاّ في قليل من الكلام ؛ كقوله : [ الكامل ]

704- إنَّ السُّيُوفَ غُدُوَّهَا ورَواحَهَا *** تَرَكَتْ هَوَازِنَ مِثْلَ قَرْنِ الأَعْضَبِ{[1601]}

وقال الآخر : [ الكامل ]

705- فَكَأَنَّهُ لَهِقُ السَّراة كَأَنَّهُ *** مَا حَاجِبَيْهِ مُعَيَّنٌ بِسَوادِ{[1602]}

فراعى المُبْدَلَ منه في قوله : " تَرَكَتْ " ، وفي قوله : " مُعَيَّن " ، ولو راعى البَدَل ، وهو الكثير ، لقال " تَرَكَا " و " مُعَيَّنَان " ؛ كقول الآخر : [ الطويل ]

706- فَمَا كَانَ قَيْسٌ هُلْكُهُ هُلْكَ وَاحِدٍ *** وَلَكِنَّهُ بُنْيَانُ قَوْمٍ تَهَدَّمَا{[1603]}

ولو لم يراع البدل للزم الإخبار بالمعنى عن الجُثَّة .

وأجاب أبو حيان عن البيتين بأن " رَوَاحها وغدوها " منصوب على الظرف ، وأن قوله : " مُعَيَّن " خبر عن " حَاجِبَيْهِ " ، وجاز ذلك ؛ لأن كل اثنين لا يغني أحدهما عن الآخر ، يجوز فيهما ذلك ؛ قال : [ الهزج ]

707- . . . *** بِهَا العَيْنَان تَنْهَلُّ{[1604]}

وقال : [ الكامل ]

708- لَكَأَنَّ فِي الْعَيْنَيْنِ حَبَّ قَرَنْفُلٍ *** أَوْ سُنْبُلٍ كُحِلَتْ بِهِ فَانْهَلَّتِ{[1605]}

ويجوز عكسه ؛ قال : [ الطويل ]

709- إِذَا ذَكَرَتْ عَيْنِي الزَّمَانَ الّّذِي مَضَى *** بِصَحْرَاءَ فَلْجٍ ظَلَّتَا تَكِفَانِ{[1606]}

و " من " زائدة لتأكيد الاستغراق لا للاستغراق ؛ لأن " أحداً " يفيده بخلاف : " ما جاء من رجل " فإنها زائدة للاستغراق .

و " أحد " هنا الظاهر أنه الملازم للنفي ، وأنه الذي همزته أصل بنفسها .

وأجاز أبو البقاء أن يكون بمعنى واحد ، فتكون همزته بدلاً من الواو .

فصل فيمن قال بأنهما ليسا من الملائكة

القائلون بأنهما ليسا من الملائكة احتجوا بأن الملائكة عليهم السلام لا يليق بهم تعليم السحر ، وقالوا : كيف يجوز إنزال الملكين مع قوله :

{ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكاً لَّقُضِيَ الأَمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ } [ الأنعام : 8 ] .

وأيضاً لو أنزل الملكين ، فإما أن يجعلهما في صورة الرجلين ، أو لا يجعلهما كذلك ، فإن جعلهما في صورة الرجلين مع أنهما ليسا برجلين كان ذلك تجهيلاً وتلبيساً على الناس وهو لا يجوز ، ولو جاز ذلك فلم لا يجوز أن كل واحد من الناس الذين تشاهدهم أنه لا يكون في الحقيقة إنساناً ، بل يكون ملكاً من الملائكة ؟ وإن لم يجعلهما في صورة الرجلين قدح ذلك في قوله تعالى : { وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً } [ الأنعام : 9 ] .

وأجاب القائلون بأنهما من الملائكة عن الأول بأنا سنبين وجه الحكمة في إنزال [ الملكين ]{[1607]} لتعليم السحر وعن الثاني : بأن هذه الآية عامة ، [ وقراءة المَلَكين بفتح اللام متواترة وتلك ]{[1608]} خاصة والخاص مقدم على العام .

وعن الثالث : أن الله تعالى أنزلهما في صورة رَجُلين ، وكان الواجب على الملكين في زمان الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أن يقطعوا على من صورته صورة الإنسان بكونه إنساناً ، كما أنه في زمان الرسول عليه الصلاة والسلام كان الواجب على من شاهد حية الكَلْبي ألاَّ يقطع بكونه من البشر ، بل الواجب التوقف فيه .

فصل في فساد رواية الزهرة

رووا قصة الزُّهَرة وما جرى لها مع الملكين .

ولهم في الزهرة قولان :

أحدهما : أنها الكوكب المعروف .

والثاني : أنها من بنات آدم ومسخت إلى هذا الكوكب .

وقيل : مسخت بها .

قال ابن الخطيب : وهذه الرواية فاسدة مردودة{[1609]} ؛ لأنه ليس في كتاب الله تعالى ما يدل عليها ، بل فيه ما يبطلها من وجوه :

الأول : الدلائل الدالة على عِصْمَةِ الملائكة عليهم السلام من كل المعاصي .

الثاني : أن قولهم : إنهما خُيِّرا بَيْن عذاب الدنيا ، وبين عذاب الآخرة فاسد ، بل كان الأولى أن يُخَيَّرا بَيْنَ التوبة والعذاب ؛ لأن الله تعالى خير بينهما من أشرك به طول عمره ، فكيف يبخل عليهما بذلك ؟

الثالث : أن من أعجب الأمور قولهم : إنهما يعلمان السحر في حال كونهما معذبين ، ويدعوان إليه ، وهما يعاقبان [ ولما ظهر فساد هذا القول فنقول : السبب ]{[1610]} في إنزالهما وجوه :

أحدها : أن السحرة كثرت في ذلك الزمان ، واستنبطت أبواباً غريبة من السحر ، وكانوا يَدَّعُون النبوة ، ويتحَدَّون الناس بها ، فبعث الله تعالى هذين الملكين لأَجْلِ أن يعلّما الناس أبواب السِّحر حتى يتمكّنوا من معارضة أولئك الذين كانوا يدعون النبوة كذباً ، ولا شك أن هذا من أحسن الأغراض والمقاصد .

وثانيها : أن العلم بكون المعجزة مخالفة للسّحر متوقّف على العلم بماهية المعجزة ، وبماهية السحر ، والناس كانوا جاهلين بماهية السِّحر ، فلا جرم تعذّرت عليهم معرفة حقيقة المعجزة ، فبعث الله تعالى هذين الملكين لتعريف ماهية السحر لأجل هذا الغرض .

وثالثها : لا يمتنع أن يقال : السحر الذي يوقع الفرقة بين أعداء الله ، والألفة بين أولياء الله كان مباحاً عندهم ، أو مندوباً ، فالله تعالى بعث مَلَكين لتعليم السِّحر لهذا الغرض ، ثم إن القوم تعلموا ذلك منهما ، واستعملوه في الشر ، وإيقاع الفُرْقة بين أولياء الله ، والألفة بين أعداء الله .

ورابعها : أن تحصيل العلم بكل شيء حسن ، ولما كان السِّحر منهياً عنه وجب أن يكون متصوراً معلوماً ؟ لأن الذي لا يكون متصوراً يمتنع النهي عنه .

وخامسها : لعل الجن كان عندهم أنواع من السحر لم يقدر البشر على الإتيان بمثلها ، فبعث الله الملائكة ليعلموا البشر أموراً يقدرون بها على معارضة الجن .

وسادسها : يجوز أن يكون ذلك تشديداً في التكليف من حيث إنه إذا علمه ما أمكنه أن يتوصّل به إلى اللَّذات العاجلة ، ثم منعه من استعمالها كان ذلك في نهاية المشقّة ، فيستوجب به الثواب الزائد ، كما ابتلي قوم طالوت بالنهر على ما قال : { فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي }

[ البقرة : 249 ] فثبت بهذه الوجوه أنه لا يبعد من الله تعالى إنزال الملكين لتعليم السّحر ، والله أعلم .

فصل في زمن وقوع هذه القصة

قال بعضهم : هذه الواقعة إنما وقعت في زمان إدريس عليه الصَّلاة والسلام .

قوله : { حَتَّى يَقُولاَ : إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ } .

" حتى " : حرف غاية ونصب ، وهي هنا بمعنى " إلى " ، والفعل بعدها منصوب بإضمار " أن " ولا يجوز إظهارها ، وعلامة النصب حذف النون ، والتقدير : إلى أن يقولا ، وهي متعلقة بقوله : " وَمَا يُعَلِّمَانِ " ، والمعنى أنه ينتفي تعليمهما أو إعلامهما على ما مضى من الخلاف إلى هذه الغاية ، وهي قولهم : { إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُر } .

وأجاز أبو البقاء رحمه الله أن تكون " حتى " بمعنى " إلا " قال : والمعنى : وما يعلمان من أحد إلاّ أن يقولا وهذا الذي أجازه لا يعرف عن أكثر المتقدمين ، وإنما قاله ابن مالك ؛ وأنشد : [ الكامل ]

710- لَيْسَ الْعَطَاءُ مِنَ الْفُضُولِ سَمَاحَةً *** حَتَّى تَجُودَ وَمَا لَدَيْكَ قَلِيلُ{[1611]}

قال : تقديره : إلا أن تَجُودَ .

و " حتى " تكون حرف جر بمعنى " إلى " كهذه الآية ، وكقوله : { حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } [ القدر : 5 ] ، وتكون حرف عطف ، وتكون حرف ابتداء فتقع بعدها الجمل ؛ كقوله : [ الطويل ]

711- فَمَا زَالَتِ الْقَتْلَى تَمُجُّ دِمَاءَهَا *** بِدَجْلَةَ حَتَّى مَاءُ دَجْلَةَ أَشْكَلُ{[1612]}

والغاية معنى لا يفارقها في هذه الأحوال الثلاثة ، فلذلك لا يكون ما بعدها إلا غاية لما قبلها : إما في القوة ، أو الضعف ، أو غيرهما ، ولها أحكام أُخر ستأتي إن شاء الله تعالى .

و " إنما " مكفوفة ب " ما " الزائدة ، فلذلك وقع بعدها الجملة ، وقد تقدم أن بعضهم يجيز إعمالها ، والجملة في محلّ نصب بالقول ، وكذلك : " فَلاَ تَكْفُر " .

فصل في المراد بالفتنة

المراد هاهنا بالفتنة المحنة التي بها يتميز المطيع عن العاصي ، كقولهم : فتنت الذهب بالنار إذا عرض على النار ليتميز الخاصّ عن المشوب ، وقد بَيّنا الحكمة في بعثة الملكين لتعليم السحر .

فالمراد أنهما لا يعلمان أحداً السحر ولا يصفانه لأحد ، ولا يكشفان له وجوه الاحتيال حتى يبذلا له النَّصيحة فيقولا له : { إِنَّمَا نَحْنُ فَتْنَةٌ } أي : هذا الذي نصفه لك ، وإن كان الغرض منه أن يتميز به الفرق بين السحر عن المعجزة ، ولكنه يمكنك أن تتوصّل به إلى المفاسد والمعاصي ، فإياك أن تستعمله فيما نهيت عنه ، أو تتوصل به إلى شيء من الأعراض العاجلة .

قوله تعالى : " فَيَتَعَلَّمُونَ " في هذه الجملة سبعة أقوال :

أظهرها : أنها معطوفة على قوله تعالى : " وما يعلمان " والضمير في " فيتعلّمون " عائد على " أحد " ، وجمع حملاً على المعنى ، كقوله تعالى :

{ فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } [ الحاقة : 47 ] .

فإن قيل : المعطوف عليه منفي ، فيلزم أن يكون " فيتعلّمون " منفياً أيضاً لعطفه عليه ، وحينئذ ينعكس المعنى . فالجواب ما قالوه ، وهو أن قوله : { مَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ } ، وإن كان منفياً لفظاً فهو موجب معنى ؛ لأن المعنى : يعلمان الناس السحر بعد قولهما : إنما نحن فتنة ، وهذا الوجه ذكره الزجاج وغيره .

الثَّاني : أنه معطوف على { يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السَّحْر } قاله الفراء .

وقد اعترض الزجاج هذا القول بسبب لفظ الجمع في " يعلمون " مع إتيانه بضمير التثنية في " منهما " يعني : فكان حقه أن يقال : " منهم " لأجل " يعلمون " وأجازه [ أبو علي ]{[1613]} وغيره ، وقالوا : لا يمتنع عطف " فيتعلمون " على " يعلِّمون " ، وإن كان التعليم من الملكين خاصّة ، والضمير في " منهما " راجع إليهما ، فإن قوله : " منهما " إنما جاء بعد تقدّم ذكر المَلَكَيْنِ .

وقد اعترض على قول الفراء من وجه آخر : وهو أنه يلزم منه الإضمار قبل الذكر ، وذلك أن الضمير في " منهما " عائد على الملكين ، وقد فرضتم أن " فيتعلمون منهما " عطف على " يعلمون " ، [ فيكون التقدير : " يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا " ]{[1614]} فيلزم الإضمار في " منهما " قبل ذكر المَلَكَيْن ، وهو اعتراض وَاهٍ فإنهما متقدمان لفظاً ، وتقدير تأخرهما لا يضرّ ؛ إذ المحذور عَوْدُ الضمير على غير مذكور في اللفظ .

الثالث : وهو أحد قولي سيبويه أنه عطف على " كفروا " ، فعل في موضع رفع ، فلذلك عطف عليه فعل مرفوع .

قال سيبويه : [ وارتفع ]{[1615]} " فيتعلمون " ؛ لأنه لم يُخْبِرْ عن الملكين أنهما قالا : لا تكفر فيتعلموا ليَجْعَلا كفره سبباً لتعلم غيره ، ولكنه على : كفروا فيتعلمون ، وشَرْحُ ما قاله هو أنه يريد أن ليس " فيتعلمون " جواباً لقوله : فلا تكفر فينتصب في جواب النهي ، كما انتصب : { فَيُسْحِتَكُم } [ طه : 61 ] ، بعد قوله : " لاَ تَفْتَرُوا " لأن كُفْرَ من نهياه أن يكفر ليس سبباً لتعلّم من يتعلم . واعترض على هذا بما تقدّم من لزوم الإضمار قبل الذكر ، وتقدم جوابه .

الرابع : وهو القول الثاني ل " سيبويه " أنه خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير : " فهم يتعلمون " ، فعطف جملة اسمية على فعلية .

الخامس : قال الزَّجَّاج أيضاً : والأجود أن يكون معطوفاً على " يعلّمان فيتعلّمون " فاستغني عن ذكر " يعلمون " على ما في الكلام من الدليل عليه [ واعترض أبو علي قول الزجاج ؛ فقال : " لا وجه لقوله : استغني عن ذكر " يعلمان " ؛ لأنه موجود في النص " . وهذا الاعتراض من أبي علي تحامل عليه لسبب وقع بينهما ؛ فإن الزجاج لم يرد أن " فيتعلمون " عطف على " يعلمان " المنفي ب " ما " في قوله : " وما يعلمان " حتى يكون مذكوراً في النص ، وإنما أراد أن ثم فعلاً مضمراً يدل عليه قوة الكلام وهو : " يعلمان فيتعلمون " ]{[1616]} .

السَّادس : أنه عطف على معنى ما دلّ عليه أول الكلام ، والتقدير : فيأتون فيتعلّمون ، ذكره الفراء والزجاج أيضاً .

السَّابع : قال أبو البقاء : وقيل : هو مستأنف ، وهذا يحتمل أن يريد أنه خبر مبتدأ مضمر كقول سيبويه رحمه الله وأن يكون مستقلاًّ بنفسه غير محمول على شيء قبله ، وهو ظاهر كلامه .

قوله : " مِنْهُمَا " متعلّق ب " يعلمون " .

و " من " لابتداء الغاية ، وفي الضمير ثلاثة أقوال : أظهرها : عوده إلى المَلَكين ، سواء قرئ بكسر اللام أو فتحها .

والثاني : يعود على السّحر وعلى المنزل على الملكين .

والثالث : أنه يعود على الفتنة ، وعلى الكفر المفهوم من قوله : " فلا تكفر " ، وهو قول أبي مسلم .

قوله : { مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ } الظَّاهر في " ما " أنها موصولة اسمية .

وأجاز أبو البقاء أن تكون نكرة موصوفة ، وليس بواضح ، ولا يجوز أن تكون مصدرية لعود الضمير في " به " عليها ، والمصدرية حرف عند جمهور النحويين كما تقدم غير مَرّة .

و " بَيْنَ الْمَرْءِ " ظرف ل " يُفرّقُونَ " .

والجمهور على فتح ميم " المَرْءِ " مهموزاً ، وهي اللغة العالية .

وقرأ ابن{[1617]} أبي إسحاق : " المُرْء " بضم الميم مهموزاً .

وقرأ الأشهب العقيلي والحسن : " المِرْءُ " بكسر الميم مهموزاً .

فأما الضم فلغة محكية .

وأما الكسر فيحتمل أن يكون لغة مطلقاً ، ويحتمل أن يكون ذلك للإتباع ، وذلك أن في " المرء " لغة وهي أن " فاءه " تَتْبَعُ " لامه " ، فإن ضم ضمت ، وإن فتح فتحت ، وإن كسر كسرت ، تقول : " ما قام المُرْءُ " بضم الميم و " رأيت المَرْءَ " بفتحها ، و " مررت بالمِرْءِ " بكسرها ، وقد يجمع بالواو والنون ، وهو شاذ .

قال الحسن في بعض مواعظه : " أحْسِنُوا مَلأَكُمْ أَيُّهَا المَرْؤون " أي : أخلاقكم .

وقرأ الحسن ، والزهري " المَرِ " بفتح الميم وكسر الراء خفيفة ، ووجهها أنه نقل حركة الهمزة على " الواو " وحذف الهمزة تخفيفاً وهو قياس مطّرد .

وقرأ الزهري أيضاً : " المَرِّ " بتشديد الرَّاء من غير همز ، ووجهها أنه نقل حركة الهمزة إلى الرَّاء ، ثم رأى الوقف عليها مشدّداً ، كما روي عن عاصم { مُّسْتَطَرٌّ } [ القمر : 53 ] بتشديد الراء ثم أجرى الوَصْل مجرى الوقف .

فصل في تفسير التفريق

ذكروا في تفسير التفريق هاهنا وجهين :

الأول : أن هذا التفريق إنما يكون بأن يعتقد بأن ذلك السحر مؤثر في هذا التفريق ، فيصير كافراً ، وإذا صار كافراً بَانَتْ منه امرأته ، فيحصل تفريق{[1618]} بينهما .

الثاني : أنه يفرق بينهما بالتمويه والحِيَل ، والتَّضْريب وسائر الوجوه المذكورة . وذكره التفريق دون سائر الصُّور التي يتعلّمونها تنبيهاً على الباقي ، فإن ركون الإنسان إلى زوجته معروف زائد على مودّة قريبة ، فإذا وصل بالسحر إلى هذا الأمر مع شدّته فغيره أولى ، ويدلّ عليه قوله تعالى :

{ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ } فإنه أطلق الضرر ، ولم يقصره على التفريق ، فدلّ على أنه إنما ذكره ؛ لأنه من أعلى مراتبه .

قوله : { وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ } يجوز في " ما " وجهان .

أحدهما : أن تكون الحجازية ، فيكون " هم " اسمها ، و " بِضارين " خبرها ، و " الباء " زائدة ، فهو في محل نصب .

والثاني : أن تكون التميمية ، فيكون " هم " مبتدأ ، و " بِضَارِّينَ " خبره ، و " الباء " زائدة أيضاً فهو في محل رفع .

والضمير فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أنه عائد على السَّحرة العائد عليهم ضمير " فَيَتَعَلَّمُونَ " .

الثاني : يعود على اليهود العائد عليهم ضمير " واتبعوا " .

الثالث : يعود على الشياطين والضمير في " به " يعود على " ما " في قوله : { وَمَا يُفَرِّقُونَ بِهِ } .

والجمهور على " بَضَارِّينَ " بإثبات النون و " مِنْ أَحَدٍ " مفعول به ، وقرأ الأعمش{[1619]} : " بِضَارِّي " من غير نون ، وفي توجيه ذلك قولان :

أظهرهما : أنه أسقط النون تخفيفاً ، وإن لم يقع اسم الفاعل صلةً ل " أل " ؛ مثل قوله : [ الطويل ]

712- وَلَسْنَا إِذَا تَأْبَوْنَ سِلْماً بِمُذْعِنِي *** لَكُمْ غَيْرَ أَنَّا إِنْ نُسَالَمْ نُسَالمِ{[1620]}

أي : بمذعنين ونظيره في التَّثْنية : " قَطَا قَطَا بَيْضُك ثِنْتَا ، وَبِيْضِي مِائَتَا " يريدون ثِنْتَانِ وَمِائَتَانِ .

والثاني وبه قال الزَّمخشري ، وابن عطية أن النُّونَ حذفت للإضافة إلى " أحدٍ " ، وفصل بين المضاف والمضاف إليه بالجار والمجرور ، وهو " به " ؛ كما فصل به في قول الآخر : [ الطويل ]

713- هُمَا أَخَوَا فِي الْحَرْبِ مَنْ لاَ أَخَا لَهُ *** إِذَا خَافَ يَوْماً نَبْوةً فَدَعَاهُمَا{[1621]}

وفي قوله : [ الوافر ]

714- كَمَا خُطَّ الْكِتَابُ بِكَفِّ يَوْماً *** يَهُودِيِّ يُقارِبُ أَوْ يُزِيلُ{[1622]}

ثم استشكل الزمخشري ذلك فقال : فإن [ قلت ]{[1623]} كيف يضاف إلى " أحد " وهو مجرور ؟ قلت : جعل الجار جزءاً من المجرور .

قال أبو حيان : وهذا التخريج ليس يجوز ؛ لأن الفصل بين المتضايفين بالظَّرف والمجرور من ضَرَائر الشعر ، وأقبح من ذلك ألا يكون ثم مضاف إليه ؛ لأنه مشغول بعامل جَرّ ، فهو المؤثر فيه لا الإضافة .

وأما جعله حرف الجر جزءاً من المجرور فليس بشيء ؛ لأن هذا مؤثر فيه ، وجزء الشيء لا يؤثر فيه .

وأجيب بأن الفصل من ضرائر الشعر فليس كما قال ، لأنه قد فصل بالمفعول به في قراءة{[1624]} ابن عامر ، فبالظرف وشبهه أولى ، وسيأتي تحقيق ذلك في الأنعام . وأما قوله : لأن جزء الشيء لا يؤثر فيه .

فإنما ذلك في الجزء الحقيقي ، وهذا إنما قال : ننزله منزلة الجزء ، ويدلّ على ذلك قول [ النحاة ]{[1625]} الفعل كالجزء من الفاعل ، ولذلك أنّث لتأنيثه ، ومع ذلك فهو مؤثِّر فيه .

و " من " في " من أحد " زائدة لتأكيد الاستغراق كما تقدم في : { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ } .

وينبغي أن يجيء قول أبي البقاء : إن " أحداً " يجوز أن يكون بمعنى واحد ، والمعهود زيادة " من " في المفعول به المعمول لفعل منفي نحو : ما ضربت من أحد ، إلا أنه حملت الجملة الاسمية الدَّاخل عليها حرف النفي على الفعليّة المنفية في ذلك ؛ لأن المعنى : وما يضرون من أحد ، إلا أنه عدل إلى هذه الجملة المصدرة بالمبتدأ المخبر عنه باسم الفاعل الدّال على الثبوت ، والاستقرار المزيد فيه باء الجر للتوكيد المراد الذي لم تفده الجملة الفعلية{[1626]} .

قوله : { إِلاَّ بإِذْنِ اللهِ } هذا استثناء مفرّغ من الأحوال ، فهو في محل نَصْب على الحال ، فيتعلّق بمحذوف ، وفي صاحب هذه الحال أربعة أوجه :

أحدها : أنه الفاعل المستكن في " بضارين " .

الثاني : أنه المفعول وهو " أحد " وجاءت الحال من النكرة ؛ لاعتمادها على النفي .

والثالث : أن الهاء في " به " أي بالسحر ، والتقدير : وما يضرون أحداً بالسحر إلا ومعه علم الله ، أو مقروناً بإذن الله ونحو ذلك .

والرابع : أنه المصدر المعروف وهو الضرر ، إلا أنه حذف للدلالة عليه .

فصل في تأويل الإذن

قال ابن الخطيب{[1627]} : الإذن حقيقة في الأمر والله لا يأمر بالسحر ، لأنه تعالى أراد عيبهم وذمهم عليه ، ولو كان قد أمرهم به لما جاز أن يذمهم عليه ، فلا بد من التأويل ، وفيه وجوه :

أحدها : قال الحسن : المراد منه التَّخْلية يعني الساحر إذا سحر إنساناً ، فإن شاء الله تعالى منعه منه ، وإن شاء خَلَّى بينه وبين ضرر السحر .

وثانيها : قال الأصم : المراد : " إِلاَّ بعلم الله " ، وإنما سمي الأذان أذاناً ، لأنه إعلام للناس بدخول وقت الصلاة ، وسمي الإيذان إيذاناً ؛ لأن بالحاسة به تدرك الإذن ، وكذلك قوله تعالى : { وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ } [ التوبة : 3 ] أي : إعلام ، وقوله تعالى { فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [ البقرة : 279 ] معناه : فاعلموا ، وقوله : { آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ } [ الأنبياء : 109 ] يعني : أعلمتكم .

وثالثها : أن الضرر الحاصل عند فعل السِّحر إنما يحصل بخلق الله ، وإيجاده وإبداعه ، وما كان كذلك فإنه يصح أن يضاف إلى إذن الله تعالى كما قال : { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ }

[ النحل : 40 ] .

ورابعها : أن يكون المراد بالإذن الأمر ، وهذا الوجه لا يليق إلاَّ بأن يُفَسّر التفريق بين المرء وزوجه بأن يصير كافراً ، والكفر يقتضي التفريق ، فإنَّ هذا حكم شرعي ، وذلك لا يكون إلا بأمر الله تعالى .

قوله : " وَلاَ يَنْفَعُهُمْ " في هذه الجملة وجهان .

أحدهما : وهو الظاهر أنها عطف على " يضرهم " فتكون صلة ل " ما " أيضاً ، فلا محلّ لها من الإعراب .

والثاني ، وأجازه أبو البقاء : أن تكون خبراً لمبتدأ مضمر تقديره : وهو لا ينفعهم ، وعلى هذا فتكون " الواو " للحال ، والحملة من المبتدأ والخبر في محلّ نصب على الحال ، وهذه الحال تكون مؤكّدة ؛ لأن قوله : " ما يضرهم " يفهم منه عدم النفع .

قال أبو البقاء : ولا يصح عطفه على " ما " ؛ لأن الفعل لا يعطف على الاسم .

وهذا من المواضع المستغنى عن النصّ على منعها لوضوحها ، وإنما ينص على منع شيء يتوهم جوازه .

وأتى هنا ب " لا " لأنها ينفى بها الحال والاستقبال ، وإن كان بعضهم خصّها بالاستقبال ، والضُّرُّ والنفع معروفان ، يقال ضَرَّهُ يَضُرُّهُ بضم الضاد ، وهو قياس المضاعف المتعدِّي ، والمصدر : الضُّر والضَّر بالضم والفتح ، والضَّرَر بالفك أيضاً ، ويقال : ضَارَةُ يَضِيرُهُ بمعناه ضَيراً ؛ قال الشاعر :

[ الطويل ]

715- تَقُولُ أُنَاسٌ لاَ يَضِيرُكَ نَأْيُهَا *** بَلَى كُلُّ ما شَفَّ النُّفُوسَ يَضِيْرُهَا{[1628]}

وليس حرف العلة مبدلاً من التضعيف .

ونقل بعضهم : أنه لا يبنى من نفع اسم مفعول فيقال : منفوع ، والقياس لا يأباه .

قوله : " ولقد علموا " تقدم أن هذه اللاَّم جواب قسم محذوف .

و " علم " يجوز أن تكون متعدية إلى اثنين أو إلى واحد ، وعلى كلا التقديرين فهي مُعَلَّقة عن العمل فيما بعدها لأجل اللام ، فالجملة بعدها في محل نصب ؛ إما سادّة مسدَّ مفعولين ، أو مفعول واحد على حسب ما تقدم ، ويظهر أثر ذلك في العطف عليها ، فإن اعتقدنا تعديها لاثنين عطفنا على الجملة بعدها مفعولين ، وإلا عطفنا واحداً ، ونظيره في الكلام : علمت لزيد قائم وعمراً ذاهباً ، أو علمت لزيد قائم وذهاب عمرو .

والذي يدل على أن الجملة المعلقة بعد علم في محل نصب وعَطْفَ المنصوب على محلها قولُ الشاعر : [ الطويل ]

716- وَمَا كُنْتُ أَدْرِي قَبْلَ عَزَّةَ مَا الْهَوَى *** وَلاَ مُوجِعَاتِ القَلْبِ حَتَّى تَوَلَّتِ{[1629]}

روي بنصب " موجعاتِ " على أنه عطف على محل " ما الهَوَى " ، وفي البيت كلام إذ يحتمل أن تكون " ما " زائدة ، " والهوى " مفعول به ، فعطف " موجعاتِ " عليه ، ويحتمل أن تكون " لا " نافية للجنس و " موجعاتِ " اسمها ، والخبر محذوفٌ كأنه قال : ولا موجعاتِ القلبِ عنْدِي حتى تولَّتِ .

والضمير في " علموا " فيه خمسة أقوال :

أحدها : ضمير اليهود الذين بحضرة محمد عليه السلام ، أو ضمير من بحضرة سليمان ، أو ضمير جميع اليهود ، أو ضمير الشياطين أو ضمير الملكين عند من يرى أن الاثنين جمع .

قوله : " لَمَنِ اشْتَرَاهُ " في هذه اللام قولان :

أحدهما{[1630]} : وهو ظاهر{[1631]} قول النحاة أنها لام الابتداء المُعَلِّقة ل " عَلِمَ " عن العمل كما تقدم ، و " مَنْ " موصولة في محلّ رفع بالابتداء ، و " اشتراه " صلتها وعائدها .

و { مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } جملة من مبتدأ وخبر ، و " من " زائدة في المبتدأ ، والتقدير : ما له خلاق في الآخرة .

وهذه الجملة في محل رفع خبر ل " من " الموصولة ، فالجملة من قوله : " ولقد علموا " مقسم عليها كما تقدم ، و " لَمَن اشْتَرَاهُ " غير مقسم عليها ، هذا مذهب سيبويه رحمه الله تعالى والجمهور .

الثاني : وهو قول الفراء ، وتبعه أبو البقاء : أن تكون هذه اللام هي الموطّئة للقسم ، و " مَنْ " شرطية في محل رفع بالابتداء ، و { مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ } جواب القسم ، ف " اشتراه " على القول الأول صلة ، وعلى الثاني خبر لاسم الشرط ، ويكون جواب الشرط محذوفاً ؛ لأنه إذا اجتمع شرط وقسم ، ولم يتقدمهما ذو خبر أجيب سابقهما غالباً ، وقد يجاب الشرط مطلقاً كقوله : [ الطويل ]

717- لَئِنْ كَانَ مَا حُدِّثْتُهُ الْيَوْمَ صَادِقاً *** أَصُمْ فِي نَهَارِ الْقَيْظِ لِلشَّمْسِ بَادِيَا{[1632]}

ولا يحذف جواب الشرط إلا وفعله ماض ، وقد يكون مضارعاً كقوله : [ الطويل ]

718- لَئِنْ تَكُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْكُمْ بُيُوتُكُمْ *** لَيَعْلَمُ رَبِّي أَنَّ بَيْتِيَ وَاسِعُ{[1633]}

فعلى قول الفَرَّاء تكون الجملتان من قوله : " وَلَقَدْ عَلِمُوا " ، و " لَمَنِ اشْتَرَاهُ " مُقْسَماً عليهما ونقل عن الزجاج منع قول الفراء فإنه قال : هذا ليس موضع شرط ولم يوجه منع ذلك ، والذي يظهر في منعه ، أن الفعل بعد " مَنْ " وهو " اشْتَرَاهُ " ماض لفظاً ومعنى ، فإن الاشتراء قد وقع وانفصل ، فجعله شرطاً لا يصح ؛ لأن فعل الشرط وإن كان ماضياً لفظاً ، فلا بد أن يكون مستقبلاً معنى .

فصل في أوجه استعارة لفظ الشراء

واستعير لفظ الشراء لوجوه :

أحدها : أنهم لما نبذوا كتاب الله وراء ظُهُورهم ، وأقبلوا على التمسُّك بما تتلو الشَّياطين ، فكأنهم قد اشتروا ذلك السحر بكتاب الله تعالى .

وثانيها : أن المَلَكين إنما قصدا بتعليم السحر الاحتراز عنه ليصل بذلك الاحتراز إلى منافع الآخرة ، فلما استعمل السحر ، فكأنه اشترى بمنافع الآخرة منافع الدنيا .

وثالثها : أنهم تحملوا مشقة تعليمه ليستعملوه ، فكأنهم أبدلوا الراحة في مقابلة التعليم لأجل الاستعمال . والخَلاَق : النصيب .

قال الزّجاج : أكثر استعماله في الخير .

فأما قول أميّة بن أبي الصلت : [ البسيط ]

719- يَدْعُونَ بالْوَيْلِ فِيهَا لاَ خَلاَقَ لَهُمْ *** إِلاَّ سَرَابِيلُ مِنْ قَطْرٍ وَأَغْلاَلُ{[1634]}

فيحتمل ثلاثة أوجه .

أحدها : أنه على سبيل التهكُّم بهم ؛ كقوله : [ الوافر ]

720- . . . *** تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعُ{[1635]}

والثاني : أنه استثناء منقطع ، أي : لكن لهم السَّرَابيل من كذا .

الثالث : أنه استعمل في الشر على قلة .

والخلاق : القَدْر ؛ قال : [ المتقارب ]

721- فَمَا لَكَ بَيْتٌ لَدَى الشَّامِخَاتِ *** وَمَا لَكَ فِي غَالِبٍ مِنْ خَلاَقْ{[1636]}

أي : من قَدر ورتبة ، وهو قريب من الأول .

قال القَفَّال رحمه الله تعالى : يشبه أن يكون أصل الكلمة من الخلق ، ومعناه التقدير ، ومنه : خلق الأديم ، ومنه يقال : قدر للرجل كذا درهماً رزقاً على عمل كذا . والضمير المنصوب في " اشتراه " فيه أربعة أقوال :

يعود على السحر ، أو الكفر ، أو كَيْلهم الذي باعوا به السحر ، أو القرآن لتعويضهم كتب السحر عنه . وتقدم الكلام على قوله : " وَلَبِئْسَ مَا " وما ذكر الناس فيها ، واللام في " لبئسما " جواب قسم محذوف تقديره : والله لبئسما ، والمخصوص بالذّّم محذوف أي : السحر أو الكفر .

قوله : { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } جواب " لو " محذوف تقديره : لو كانوا يعلمون ذم ذلك لما باعوا به أنفسهم ، وهذا أحسن من تقدير أبي البقاء : لو كانوا ينتفعون بعلمهم لامتنعوا من شراء السحر ؛ لأن المقدر كلما كان مُتصَيَّداً من اللفظ كان أَوْلَى . والضمير في " به " يعود على السحر ، أو الكفر ، وفي " يعلمون " يعود على اليَهُودِ باتفاق .

قال الزمخشري{[1637]} : فإن قلت : كيف أثبت لهم العلم أولاً في : " وَلَقَدْ عَلِمُوا " على سبيل التوكيد القسمي ، ثم نفاه عنهم في قوله : { لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ } .

قلت : معناه : لو كانوا يعملون بعلمهم ، جعلهم حين لم يعملوا به كأنهم منسلخون عنه ، وهذا بناء منه على أن الضميرين في " عَلِمُوا " و " يَعْلَمُونَ " لشيء واحد .

وأجاب غيره على هذا التقدير بأن المراد بالعلم الثاني العَقْل ؛ لأن العلم من ثمرته ، فلما انتفى الأصل انتفى ثمرته ، فصار وجود العلم كالعدم حيث لم ينتفعوا به كما سمى الله تعالى الكفار " صُمّاً وبُكْماً وعُمْياً " إذ لم ينتفعوا [ بهذه الحواس ]{[1638]} أو يغاير بين متعلّق العلمين أي : علموا ضرره في الآخرة ، ولم يعلموا نفعه في الدنيا .

وأما إذا أعدت الضمير في " علموا " على الشياطين ، أو على مَنْ بحضرة سليمان ، أو على الملكين ، فلا إشكال لاختلاف المسند إليه العلم حينئذ .


[1559]:- البيتان لزياد الأعجم. ينظر الأمالي للقالي: 3/11، ابن الشجري: 1/304، الخزانة: 4/192، القرطبي: 2/30، البيان في غريب القرآن: 1/113، الدر المصون: 1/318.
[1560]:- انظر الشواذ: 16، والمحرر الوجيز: 1/185، والبحر المحيط: 1/494، والدر المصون: 1/319، وإتحاف فضلاء البشر: 1/410.
[1561]:- ينظر الفخر الرازي: 3/185.
[1562]:- تقدم.
[1563]:- ينظر ديوانه: 1/165، القرطبي: 2/30، مجمع البيان: 1/392.
[1564]:- أخرجه الطبري في "تفسيره" (2/405-406) عن السدي، وذكره ابن كثير في "التفسير" (1/249).
[1565]:- انظر الكشف: 1/256، والسبعة: 167، وحجة القراءات: 108، والحجة: 2/169، 170، والعنوان: 71، وشرح الطيبة: 4/53، وشرح شعلة: 271، وإتحاف: 1/410.
[1566]:- سقط في أ.
[1567]:- في ب: النحويين.
[1568]:- ينظر ديوانه: 306، والجنى الداني: ص 589، والدرر: 6/144، وشرح التصريح: 2/147، وشرح شواهد المغني: 2/703، واللمع: 180، ومغني اللبيب: 1/292، والمقاصد النحوية: 4/178، وأوضح المسالك: 3/385، وهمع الهوامع: 2/137، وشرح الأشموني: 2/427، والدر المصون: 1/319.
[1569]:- عجز بيت لأبي عطاء السندي وصدره: فوالله ما أدري وإني لصادق ينظر شواهد البحر: 1/487، اللسان (حبب)، الدر المصون: 1/320.
[1570]:- ينظر ديوانه: (43)، اللسان (سحر)، البحر: 1/487، مجمع البيان: 1/384، الدر المصون: 1/320.
[1571]:- سقط في ب.
[1572]:- سقط في ب.
[1573]:- ينظر الفخر الرازي: 3/ 189.
[1574]:- سقط في ب.
[1575]:- في ب: يتولج.
[1576]:- جندب بن عبد الله، ويقال: جندب بن كعب، أبو عبد الله الأزدي، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم. روي عن النبي، وعن علي، وسلمان الفارسي. حدث عنه: أبو عثمان النهدي، والحسن البصري، وتميم بن الحارث، وحارثة بن وهب. قدم دمشق، ويقال له: جندب الخير، وهو الذي قتل المشعوذ. روى خالد الحذاء، عن أبي عثمان النهدي: أن ساحرا كان يلعب عند الوليد بن عقبة الأمير، فكان يأخذ سيفه، فيذبح نفسه ولا يضره، فقام جندب إلى السيف فأخذه، فضرب عنقه، ثم قرأ: {أفتأتون السحر وأنتم تبصرون} [الأنبياء: 3]. أخرجه الطبري برقم (1725) من طريق محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدثنا هشيم، أخبرنا خالد الحذاء، وهو في "تهذيب ابن عساكر" 3/413، وذكره المؤلف في "تاريخ الإسلام" 3/3، وقال: إسناده صحيح، وأخرجه الدارقطني 3/114 إلا أنه قال جندب البجلي. وروى إسماعيل بن مسلم: عن الحسن، عن جندب الخير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حد الساحر ضربه بالسيف". ضعيف لضعف إسماعيل بن مسلم وهو المكي، وهو في "سنن الترمذي" (1460) في الحدود، و"المستدرك" 4/460، و"الدارقطني" 3/114. قال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه، إسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث، والصحيح عن جندب موقوف، وضعفه أيضا الحافظ في "الفتح" وقال المؤلف في "الكبائر" ص 46: الصحيح أنه من قول جندب. وقد أخرجه الطبراني (1666) من طريق جندب البجلي: فأخطأ. وروي ابن لهيعة، عن أبي الأسود؛ أن الوليد كان بالعراق، فلعب بين يديه ساحر، فكان يضرب رأس الرجل، ثم يصيح به، فيقوم خارجا، فيرتد إليه رأسه، فقال الناس: سبحان الله! ورآه رجل من صالحي المهاجرين، فلما كان من الغد، اشتمل على سيفه، فذهب ليلعب، فاخترط الرجل سيفه، فضرب عنقه، وقال: إن كان صادقا، فليحي نفسه، فسجنه الوليد، فهربه السجان؛ لصلاحه. وعن أبي مخنف لوط، عن خاله، عن رجل، قال: جاء ساحر من "بابل"، فأخذ يري الناس الأعاجيب، يريهم حبلا في المسجد، وعليه قبل يمشي، ويري حمارا يشتد؛ حتى يجيء فيدخل في فمه، ويخرج من دبره، ويضرب عنق رجل، فيقع رأسه، ثم يقول له: قم، فيعود حيا، فرأى جندب ابن كعب ذلك، فأخذ سيفا، وأتى والناس مجتمعون على الساحر، فدنا منه فضربه، فأذرى رأسه، وقال: أخي نفسك، فأراد الوليد بن عقبة قتله، فلم يستطع، وحبسه. وجندب بن عبد الله بن زهير، وقيل: جندب بن زهير بن الحارث الغامدي الأزدي الكوفي. قيل: له صحبة وما روى شيئا، شهد "صفين" مع علي أميرا، كان على الرجالة، فقتل يومئذ. وقال أبو عبيد: جندب الخير: هو جندب بن عبد الله بن ضبة، وجندب بن كعب: هو قاتل الساحر، وجندب بن عفيف، وجندب بن زهير قتل بـ"صفين"، وكان على الرجالة؛ فالأربعة من الأزد. وجندب بن جندب بن عمرو بن حممة الدوسي الأزدي، قتل يوم "صفين" مع معاوية، نقله ابن عساكر، وأن جده من المهاجرين. ينظر تهذيب التهذيب: 1/111، تاريخ الإسلام: 3/3، الإصابة: 1/250، خلاصة تهذيب الكمال: 55، تهذيب ابن عساكر: 3/413، وسير أعلام النبلاء: 3/175-177.
[1577]:- سقط في ب.
[1578]:- أخرجه الحاكم (4/155-156) والطبري في "التفسير" (2/440-441) وابن أبي حاتم كما في "تفسير ابن كثير" (1/260-261). وقال ابن كثير عقبه: فهذا إسناد جيد إلى عائشة- رضي الله عنها-.
[1579]:- سقط في ب.
[1580]:- سقط في أ.
[1581]:- في أ: الجاعلة.
[1582]:- في ب: أنه قد يبلغ روح الإنسان.
[1583]:- في ب: فالأظهر.
[1584]:- في ب: قد يبلغ.
[1585]:- في أ: كفر.
[1586]:- ينظر الفخر الرازي: 3/ 195.
[1587]:- في ب: الآت.
[1588]:- في ب: نفى.
[1589]:- سقط في أ.
[1590]:- سقط في ب.
[1591]:- في ب: القبول.
[1592]:- ينظر الكشاف: 1/301، الفخر الرازي: 3/218.
[1593]:- في أ: لتعلمه.
[1594]:- وبها قرأ ابن أبزى. انظر المحرر الوجيز: 1/186، والبحر المحيط: 1/497، والدر المصون: 1/321.
[1595]:- البيت للنابغة الذبياني ينظر ديوانه: ص 34، وخزانة الأدب: 2/446، 447، وشرح أبيات سيبويه: 1/446، والكتاب: 2/70، 71، ولسان العرب: 8/61 (جدع)، والدر المصون: 1/321.
[1596]:- ينظر ديوانه: (81)، وشواهد الكتاب: 3/500، الخزانة: 5/451، المقتضب: 2/322، الهمع: 1/76، الدرر: 1/50، القرطبي" 2/38، الدر المصون: 1/322.
[1597]:- ينظر ديوانه" ص 35، وخزانة الأدب: 9/129، 1302 والدرر: 1/233، والصاحبي في فقه اللغة: ص 223، وهمع الهوامع: 1/75، والدر المصون: 1/322.
[1598]:- ينظر شرح أشعار الهذليين: 2/627، شرح الأشموني: 1/158، شرح شذور الذهب: ص 468، مغني اللبيب: 2/594، ملحق ديوان كعب بن زهير (258)، أمالي المرتضى: 2/77، مجمع البيان: 1/385، الدر المصون: 1/322.
[1599]:- ينظر القرطبي: 2/38، الدر المصون: 1/322.
[1600]:- سقط في ب.
[1601]:- البيت للأخطل ينظر ديوانه: ص 329، وخزانة الأدب: 5/199، 201، ولسان العرب (عضب)، وجمهرة اللغة: ص 354، وشرح الأشموني: 2/441، والدر المصون: 1/622.
[1602]:- البيت للأعشى. ينظر شواهد الكتاب: 1/161، شرح المفصل: 3/67، الخزانة: 2/370، الدرر: 2/221، اللسان (عين)، الدر: 1/322.
[1603]:- البيت لعبدة ينظر ديوانه: ص 88، والأغاني: 1/78، 21/29، وخزانة الأدب: 5/204، وديوان المعاني: 2/175، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: ص 792، وشرح المفصل: 3/65، والشعر والشعراء: 2/732، والكتاب: 1/156، ولمرداس بن عبدة في الأغاني: 14/86، والدر المصون: 1/323.
[1604]:- عجز بيت لامرئ القيس وصدره: لمن زحلوفة زل ينظر ديوانه: (154)، أمالي ابن الشجري: 1/121، والمحتسب: 2/180، واللسان (زلل)، والدر المصون: 1/323.
[1605]:- البيت لسلمى بن ربيعة. ينظر الحماسة: (1/285)، أمالي ابن الشجري: 1/121، حاشية الشيخ يس: 2/387، الدر المصون: 1/323.
[1606]:- ينظر تذكرة النحاة: ص 573، والدرر: 1/151، والصاحبي في فقه اللغة: ص 253، وهمع الهوامع: 1/50، أمالي ابن الشجري: 1/122، والدر المصون: 1/323.
[1607]:- في ب: الملائكة.
[1608]:- سقط في ب.
[1609]:- في ب: غير مقبولة.
[1610]:- في أ: لكن الحكمة.
[1611]:- البيت للمقنع الكندي في خزانة الأدب 3/370، والدرر 4/75، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي 1734، وشرح شواهد المغني 1/372، وبلا نسبة في الجنى الداني 555، وشرح الأشموني 3/560، مغني اللبيب 1/125، المقاصد النحوية 4/412، همع الهوامع: 2/9، والدر المصون: 1/324.
[1612]:- البيت لجرير. ينظر ديوانه: (344)، الخزانة: 9/477، شرح المفصل: 8/18، الهمع: 1/248، الدرر: 1/207، الأشموني: 3/300، التهذيب 1/22، حروف المعاني للزجاجي (65) معاني الحروف للرماني (120)، مغني اللبيب: 1/128، شرح الألفية لابن الناظم (676)، الدر المصون: 1/ 324.
[1613]:- في ب: أبو البقاء.
[1614]:- سقط في أ.
[1615]:- في ب: وارتفعت.
[1616]:- سقط في ب.
[1617]:- انظر جميع هذه القراءات في الشواذ: 8، والمحرر الوجيز: 1/188، والبحر المحيط: 1/500، والدر المصون: 1/325.
[1618]:- في ب: تفرق.
[1619]:- انظر المحرر الوجيز: 1/188، والبحر المحيط: 1/501، والدر المصون: 1/326، والمحتسب: 1/103، والتخريجات النحوية: 191.
[1620]:- ينظر تسهيل ابن مالك: (13)، روح المعاني: 1/344، الدر المصون: 1/326.
[1621]:- البيت لعمرة الخثعمية ينظر في الإنصاف: 2/434، والدرر: 5/45، وشرح ديوان الحماسة للمرزوقي: ص 1083، ولسان العرب (أبى)، ولها أو لدرنا بنت عبعبة في الدرر: 5/45، والمقاصد النحوية: 3/472، ولدرنا بنت عبعبة في شرح المفصل: 3/21، والكتاب: 1/180، ولدرنا بنت عبعبة أو لدرنا بنت سيار في شرح أبيات سيبويه: 1/218، ولامرأة من بني سعد في نوادر أبي زيد: ص 115، وبلا نسبة في الخصائص: 1/295، 2/405، وكتاب الصناعتين: ص 165، وهمع الهوامع: 2/52، والدر المصون: 1/326.
[1622]:- البيت لأبي حية النميري في الإنصاف: 2/432، وخزانة الأدب: 4/219، والدرر: 5/45، وشرح التصريح: 2/95، والكتاب: 1/179، ولسان العرب [عجم]، والمقاصد النحوية: 3/470، وأوضح المسالك: 3/189، والخصائص: 2/405، ورصف المباني: 65، وشرح الأشموني: 2/328، وشرح ابن عقيل: 403، وشرح عمدة الحافظ: 495، وشرح المفصل: 1/103، والمقتضب: 4/177، وهمع الهوامع: 2/52، والدر المصون: 1/326.
[1623]:- في أ: قيل.
[1624]:- يعني في قوله تعالى: "وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم" الآية 137 من الأنعام. قرأ ابن عامر: وكذلك زين، قتل، أولادهم شركائهم. وقرأ الباقون كما هو مثبت. انظر حجة القراءات: 273.
[1625]:- في ب: النحويين.
[1626]:- في أ: الاسمية.
[1627]:- ينظر الفخر الرازي: 3/201.
[1628]:- ينظر البحر المحيط: 1/487، الدر المصون: 1/327.
[1629]:- البيت لكثير عزة. ينظر ديوانه: ص 95، خزانة الأدب: 9/144، شرح التصريح: 1/257، شرح شذور الذهب: 475، شرح شواهد المغني: ص 813، 824، أوضح المسالك: 2/64، شرح الأشموني: ص 162، العيني: 2/408، الدر المصون: 1/328.
[1630]:- في ب: أظهرهما.
[1631]:- سقط في ب.
[1632]:- البيت لامرأة من عقيل. ينظر خزانة الأدب: 11/328، 329، والدرر: 4/237، وشرح التصريح: 2/254، وأوضح المسالك: 4/219، وشرح الأشموني: 3/595، ولسان العرب (ختم)، ومغني اللبيب: 1/236، وهمع الهوامع: 2/43، وشرح شواهد المغني: 2/610، والمقاصد النحوية: 4/438، والدر المصون: 1/328.
[1633]:- البيت للكميت بن معروف ينظر خزانة الأدب: 10/68، 70، 11/331، 351، 429، شرح الأشموني: 2/496، 595، وشرح التصريح: 2/254، والمقاصد النحوية: 4/327، والدر المصون: 1/329.
[1634]:- ينظر ديوانه: (47)، الطبري: 2/452، البحر: 1/487، الفخر الرازي: 3/22، الدر المصون: 1/329.
[1635]:- عجز بيت لعمرو بن معد يكرب وصدره: وخيل قد دلفت لها بخيل ينظر شواهد الكتاب: 2/323، والنوادر: 150، ابن يعيش: 2/80، الخزانة: 4/53، والدر المصون: 1/329.
[1636]:- ينظر البحر المحيط: 1/487، روح المعاني: 1/345، الدر المصون: 1/329.
[1637]:- ينظر الكشاف: 1/173.
[1638]:- في أ: بحواسهم.