اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَوَسۡوَسَ إِلَيۡهِ ٱلشَّيۡطَٰنُ قَالَ يَـٰٓـَٔادَمُ هَلۡ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلۡخُلۡدِ وَمُلۡكٖ لَّا يَبۡلَىٰ} (120)

قوله : { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ }{[27137]} أي : أنهى إليه الوسوسة ، وأمَّا وَسوَسَ له فمعناه : لأجله قال الزمخشري : فإن قلت : كيف عدّى وَسْوَسَ باللام في قوله : { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان }{[27138]} وأخرى بإلى ؟ قلت : وَسْوَسَةُ الشيطان كَوَلْوَلَةِ{[27139]} الثكلى{[27140]} ووَقْوَقَة{[27141]} الدجاجة في أنها حكايات الأصوات ، فحكمُها{[27142]} حكمُ صوت أو جرس{[27143]} ، ومنه : وسوسة المُبْرسَم{[27144]} وهو مُوَسْوس{[27145]} بالكسر ، والفتح لحسن{[27146]} ، وأنشد ابن الأعرابي :

وَسْوَسَ يدعُو مُخْلصاً{[27147]} رَبَّ الفَلَقْ{[27148]} *** . . .

فإذا قلت : وسوس له فمعناه لأجله كقوله :

أجْرِسْ لَهَا يَا ابْنَ أبِي كِبَاشِ{[27149]} *** . . .

ومعنى وسوس إليه أنهى الوسوسة كقوله : حدث إليه{[27150]} .

وقال أبو البقاء : عُدّي " وَسْوَسَ " ب " إلى " لأنه بمعنى أسرَّ ، وعداه في موضع آخر باللام ، لكونه بمعنى ذَكَرَ له ، أو{[27151]} تكون بمعنى لأجله{[27152]} .

قوله : { هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد } يعني على شجرة إن أكلتَ منها بَقيتَ مخلداً ، { وَمُلْكٍ{[27153]} لاَّ يبلى } أي مَنْ{[27154]} أكل هذه الشجرة دام ملكه . قال ابن الخطيب{[27155]} : واقعة آدم عجيبة ، وذلك لأن الله تعالى رغَّبه في دوام الراحة وانتظام المعيشة بقوله : { فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجنة فتشقى إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تعرى ، وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تضحى } ورغَّبه إبليس أيضاً في دوام الراحة بقوله{[27156]} : { هَلْ أَدُلُّكَ على شَجَرَةِ الخلد } وفي انتظام المعيشة بقوله{[27157]} {[27158]} : { وَمُلْكٍ{[27159]} لاَّ يبلى } فكان الشيء الذي رغَّب{[27160]} ( الله تعالى آدم ){[27161]} فيه هو الذي رغبه إبليس فيه إلا أن الله تعالى{[27162]} وقف ذلك على الاحتراس عن تلك الشجرة ، وإبليس وقعه على الإقدام عليها ، ثم إن آدم -عليه السلام{[27163]}- مع كمال عقله وعلمه ( بان الله تعالى مولاه وناصره ومربيه ، وأعلمه ){[27164]} بأن إبليس عدوه حيث امتنع من السجود له ، وعرض نفسه للعنة بسبب عداوته ، كيف قبل في الواقعة الواحدة والمقصود الواحد قول إبليس مع علمه بعداوته له ، وأعرض عن قول الله تعالى مع علمه{[27165]} بأنه هو الناصر والمولى . ومن تأمل هذا الباب طال تعجبه ، وعرف{[27166]} آخر الأمر أنّ هذه القصة كالتنبيه على أنه لا دافع لقضاء الله ، ولا مانع منه ، وأن الدليل وإن كان في غاية الظهور ونهاية القوة فإنه لا يحصل النفع به إلا إذا قضى الله ذلك وقدره{[27167]} .

روى البخاريُّ{[27168]} ومسلم{[27169]} أن النبي - صلى الله عليه وسلم{[27170]} - قال : " احتجَّ آدمُ وموسى{[27171]} عند ربهما ، فحَجَّ آدمُ موسى ، قال موسى : أنت آدم الذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكتك وأسكنك في جنته ، ثم أهبطت الناس{[27172]} بخطيئتك إلى الأرض ، فقال آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه ، وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء وقربك نجيا وجدت الله{[27173]} كتب التوراة قبل أن أخلق ، قال موسى : بأربعين عاماً ، قال آدم : فهل وجدت فيها { وعصى آدَمُ رَبَّهُ فغوى } ؟ قال{[27174]} نعم ، قال أفتلومني{[27175]} على أن عملت عملاً كتب الله عليّ أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحَجَّ آدمُ مُوسَى " {[27176]} .

وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص{[27177]} قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " كَتَبَ الله مَقَادِير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، قال وعَرْشُهُ على الماء " {[27178]} وقال : " كل شيء خلقه بقدر حتى العَجْز والكَيْسُ " {[27179]}


[27137]:إليه: سقط من ب.
[27138]:[الأعراف: 20].
[27139]:الولولة: صوت متتابع بالويل والاستغاثة، وقيل: هو حكاية صوت النائحة. اللسان (ولول).
[27140]:في ب: الشكوى. وهو تحريف.
[27141]:في الكشاف: وكوقوعه.
[27142]:في ب: وحكمها.
[27143]:في ب: حكم صوت الجرس.
[27144]:المبرسم: الذي أصابته الحمى.
[27145]:في الأصل: مسوس.
[27146]:في ب: وهو موسوس بالفتح والكسر لحن. وهو تحريف. الوسواس بالكسر المصدر والوسواس بالفتح هو الشيطان وكل ما حدثك ووسوس إليك فهو اسم. والموسوس بالكسر الذي يعتريه الوسواس، ابن الأعرابي: رجل موسوس، ولا يقال رجل موسوس. اللسان (وَسَسَ).
[27147]:في ب: وسوس مخلصا يدعو. وهو تحريف.
[27148]:الرجز لرؤية وهو في ديوانه (108) الكشاف 2/450، اللسان (وسوس).
[27149]:رجز لم أهتد إلى قائله وهو في إصلاح المنطق (41) الكشاف 2/450، اللسان (جرس)، شرح شواهد الكشاف 65، الجرس: الحركة والصوت من كل ذي صوت. وأجرس: علا صوته وأجرس الحادي إذا حدا للإبل، أي احْدُ لها لتسمع الحداء فتسير. والشاهد فيه أن قول: (أجرس لها) أي لأجلها.
[27150]:الكشاف 2/450. وفي ب: كقوله: حدث إليه وأسر إليها *** بكرمات عود ليس من يديها
[27151]:في النسختين: و.
[27152]:التبيان 2/906.
[27153]:في ب: قوله: وملك.
[27154]:من: سقط من ب.
[27155]:في ب: فصل قال ابن الخطيب.
[27156]:في ب: فصل قال ابن الخطيب.
[27157]:في ب: في قوله.
[27158]:ما بين القوسين سقط من ب.
[27159]:في ب: ملك.
[27160]:في ب: رغبه.
[27161]:ما بين القوسين سقط من ب.
[27162]:تعالى: سقط من ب.
[27163]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[27164]:ما بين القوسين سقط من ب.
[27165]:مع علمه: تكملة من الفخر الرازي.
[27166]:في ب: وعلم.
[27167]:الفخر الرازي 22/126.
[27168]:هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، صاحب الصحيح والتصانيف، حفظ تصانيف ابن المبارك وهو صبي، حدّث عنه الترمذي ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما مات سنة 256 هـ. تذكرة الحفاظ 2/555.
[27169]:هو مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري، أكثر عن يحيى بن يحيى التميمي وأحمد بن يونس اليربوعي، روى عنه الترمذي حديثا واحدا، مات سنة 261 هـ. تذكرة الحفاظ 2/88 – 590.
[27170]:في ب: أن النبي صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم وبجل ومجد وعظم.
[27171]:في ب: موسى وآدم.
[27172]:الناس: سقط من ب.
[27173]:في ب: أنه. وهو تحريف.
[27174]:قال: سقط من ب.
[27175]:في الأصل: أتلومني.
[27176]:أخرجه البخاري (تفسير) 6/120، 121، (قدر) 8/157، (توحيد) 9/182.
[27177]:هو عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي أبو محمد، أخذ عنه جبير بن نفير وابن المسيب وغيرهما، وكان يلوم أباه على القتال في الفتنة بأدب وتؤدة، ويقول: ما لي ولصفين ما لي ولقتال المسلمين لوددت أني مت قبلها بعشرين سنة، مات سنة 65 هـ. خلاصة تذهيب تهذيب الكمال 2/83.
[27178]:أخرجه مسلم (القدر) 4/2044.
[27179]:أخرجه مسلم (القدر) 4/2045.