ولما وعد الله تعالى من يتبع الهُدَى أتْبَعه بالوعيد لمن أعرض فقال :
{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي } والذكر يقع على القرآن وعلى سائر كتب الله تعالى على ما تقدم{[27261]} .
قوله : " ضَنْكاً " صفة لمعيشة ، وأصله المصدر ، فكأنه قال : معيشة ذات ضنك ، فلذلك لم يؤنث ويقع للمفرد والمثنى والمجموع بلفظ واحد{[27262]} . وقرأ الجمهور " ضَنْكاً " بالتنوين وصلاً وإبداله ألفاًَ وقفاً كسائر المعربات{[27263]} .
وقرأت فرقة " ضنكى " بألف كسكرى{[27264]} . وفي هذه الألف احتمالان :
أحدهما : أنها بدل من التنوين{[27265]} ، وإنما أجري الوصل مجرى الوقف كما تقدم في نظائره ، وسيأتي منها بقية إن شاء الله تعالى .
والثاني : أن تكون ألف التأنيث ، بُنِي المصدر على ( فَعَلَى ) نحو دَعْوَى . والضنك الضيق والشدة{[27266]} ، يقال منه : ضَنُكَ عيشُه يَضْنَكُ ضَنَاكَةً وَضَنْكاً ، وامرأة ضنَاكٌ كثير لحم البدن ، كأنهم تخيلوا ضيق جلدها به{[27267]} .
قال جماعة من المفسرين : الكافر بالله يكون حريصاً على الدنيا طالباً للزيادة فعيشه ضَنْكٌ ، وأيضاً فمن الظلمة مَنْ ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة بكفره قال تعالى : { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذلة والمسكنة }{[27268]} وقال : { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التوراة والإنجيل وَمَآ أُنزِلَ إِلَيهِمْ مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم }{[27269]} ، وقال : { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ القرى آمَنُواْ واتقوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ{[27270]} بَرَكَاتٍ منَ السمآء والأرض }{[27271]} {[27272]} وقال ابن مسعود وأبو هريرة وأبو{[27273]} سعيد الخدري - ( رضي الله عنهم ){[27274]} - : المراد بالعيشة الضنكى عذاب القبر{[27275]} .
وقال الحسن وقتادة والكلبي : هو الضيق في الآخرة في جهنم ، فإن طعامهم الضريع{[27276]} والزقوم{[27277]} ، وشرابُهُم الحميم{[27278]} والغِسْلِين{[27279]} ، فلا يموتون فيها ولا يَحْيُون{[27280]} . وقال ابن عباس{[27281]} : المعيشة الضنك هو أن يضيق عليه أبواب{[27282]} الخير فلا يهتدي لشيء منها{[27283]} . وعن عطاء : المعيشةُ الضَّنك هي معيشة الكافر ، لأنه غير{[27284]} موقِنٍ بالثواب والعقاب{[27285]} .
وروي عنه -عليه السلام{[27286]}- أنَّه قال : عقوبة المعصيةِ ثلاثة ضيقُ المعيشة والعُسْرُ في اللذة ، وأن لا يتوصل إلى قوته إلا بمعصية الله ( تعالى{[27287]} ){[27288]} .
قوله : { وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى }
قرأ العامة " وَنَحْشُرُهُ " بالنون ورفع الفعل على الاستئناف .
وقرأ أبان بن تغلب في آخرين بتسكين الراء{[27289]} ، وهي محتملة لوجهين :
أحدهما : أن يكون الفعل مجزوماً نسقاً على محل{[27290]} جزاء الشرط ، وهو الجملة من قوله{[27291]} : " فَإنَّ{[27292]} لَهٌ مَعِيشَةً " فإنَّ محلها الجزم{[27293]} ، فهي كقراءة : " مَنْ يُضْلِل اللهُ فَلاَ هَادِي لَهُ وَيَذَرْهُم " {[27294]} بتسكين الراء{[27295]} .
والثاني : أنْ يكون السكون سكون تخفيف ( نحو " يَأْمُرْكُم " {[27296]} وبابه ){[27297]} .
وقرأت فرقة بياء الغيبة ، وهو الله تعالى أو الملك{[27298]} . وأبان بن تغلب في رواية " وَنَحْشُرُهْ " بسكون الهاء وصلاً{[27299]} ، وتخريجها إما على لغة بني عقيل وبني كلاب{[27300]} وإمَّا على إجراء الوصل مجرى الوقف{[27301]} . و " أعْمَى " نصب على الحال{[27302]} .
قال ابن عباس : أعمى البصر{[27303]} . وقال مجاهد والضحاك ومقاتل : أعمى{[27304]} عن الحجة ، وهو رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس{[27305]} .
قال القاضي : وهذا ضعيف ، لأن في القيامة لا بد أن يُعْلِمهم الله بطلان ما كانوا عليه حتى يتميز{[27306]} لهم الحق من الباطل ، ومن هذا حاله لا يوصف بذلك إلا مجازاً ، ولا يليق بهذا قوله : { وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } ، ولم يكن{[27307]} كذلك في حال الدنيا . ومما يؤيد ذلك أنه تعالى علَّل ذلك العمى بأن المكلف نَسِي الدلائل فلو كان العمى الحاصل في الآخرة عين ذلك النِّسيان لم يكن للمكلف بسبب ذلك ضرر{[27308]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.