اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا} (115)

قوله تعالى{[27039]} : { وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ } الآية . في تعليق هذه الآية بما قبلها وجوه{[27040]} :

الأول : أنه تعالى لما قال { كذلك نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أنباء مَا قَدْ سَبَقَ }{[27041]} ثم إنه عظَّم أمر القرآن ذكر القصة إنجازاً للوعد في قوله : { كذلك نَقُصُّ عَلَيْكَ }{[27042]} .

الثاني : أنه{[27043]} لما قال : { وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الوعيد لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً }{[27044]} . أردفه{[27045]} بقصة آدم عليه السلام{[27046]} كأنَّه قال : إنَّ طاعة بني آدم للشياطين ، وتركهم التحفظ من الوساوِسِ أمر قديم ، فإنَّا عهدنا إلى آدم من قبل ، أي : من قبل هؤلاء الذين صرَّفنا لهم الوعيد ، ( وبالغنا في تنبيهه ){[27047]} ، فقلنا له : { إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ }{[27048]} ، ثم إنه مع ذلك نسي وترك ذلك العهد ، فأمر البشر في ترك التحفظ أمر قديم .

الثالث : أنه لمَّا قال لِمُحمَّد { وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً }{[27049]} ذكر بعده قصة آدم ، فإنه عهد إليه وبالغ في تحذيره من العود ، فدل ذلك على ضعف البشرية عن التحفظ فيحتاج حينئذ إلى الاستعانة بربه{[27050]} في أن يوقفه لتحصيل العلم ويجنبه عن السهو والنسيان .

الرابع : أن محمداً -عليه السلام{[27051]}- لما قيل له : " وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه " {[27052]} دل على أنه كان في أمر الدين بحيث زاد{[27053]} على قدر الواجب فلما وصفه بالإفراط ، وصف آدم بالتفريط في ذلك ، فإنه تساهَلَ ولم يتحفظ حتى نسي ، فوصف الأول بالتفريط والآخر بالإفراط ، ليعلمه أن البشر لا ينفك عن نوع زلة .

الخامس أن محمداً{[27054]} لما قيل به : " وَلاَ تَعْجَلْ " ضاق قلبه ، وقال في نفسه : لولا أني أقدمت{[27055]} على ما لا ينبغي ، وإلا لما نهيت عنه{[27056]} ، فقيل له : يا محمد إن كنت فعلتَ ما نُهِيتَ عنه فإنما{[27057]} فعلته حرصاً منك على العبادة ، وحفظاً لأداء الوحي وإن أباك أقدم على ما لا ينبغي لتساهله ، وترك التحفظ فكان أمرك أحسن من أمره{[27058]} . والمراد بالعهد هنا أمر الله ، أي : أمرناه وأوصينا إليه أن لا يأكل من الشجرة من قبل هؤلاء الذين صرفنا لهم الوعيد في القرآن فتركوا الإيمان .

وقال ابن عباس : من قبل أن يأكل من{[27059]} الشجرة عَهِدْنَا{[27060]} إليه أن لا يأكل منها{[27061]} . وقال الحسن : من قل محمد والقرآن{[27062]} .

قوله : { فَنَسِيَ } قرأ اليماني بضم النون وتشديد السين{[27063]} بمعنى نَسَّاه الشيطان . وعلى هذه القراءة يحتمل أن يقال : أقدم على المعصية من غير تأويل ، وأن يقال : أقدم عليها مع التأويل{[27064]} .

وعلى القراءة المشهورة يحتمل أن يكون المراد بالنسيان نقيض الذكر ، وإنما عوقب على ترك التحفظ ، والمبالغة في الضبط حتى تولد منه النسيان ، ويحتمل أن يكون المراد بالنسيان الترك ، وأنه ترك ما عهد إليه من ترك أكل ثمرتها{[27065]} .

قوله : { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً }

يجوز أن تكون ( وجد ) علمية ، فتتعدى لاثنين ، وهما " لَهُ عَزْمًا " .

وأن تكون بمعنى الإصابة فتتعدى لواحد ، وهو " عَزْمًا " ( و " لَهُ " ){[27066]} متعلق بالوجدان ، أو بمحذوف على أنه حال من " عَزْمًا " {[27067]} إذ هو في الأصل صفة له قدمت عليه{[27068]} .

والعازم : هو المصمم{[27069]} ، فقوله : { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } يحتمل : ولم نجد له عزماً على ترك المعصية ، أو على التحفظ والاحتراز عن الغفلة ، أو على الاحتياط في كيفية الاجتهاد إذا{[27070]} قلنا : إنه -عليه السلام{[27071]}- إنما أخطأ بالاجتهاد{[27072]} .

وقال الحسن{[27073]} : ولم نجدْ له صبراً عما{[27074]} نُهي عنه .

وقال عطية{[27075]} : حفظاً لما أمر به . وقال ابن{[27076]} قتيبة : رأياً معزوماً{[27077]} .

حيث أطاع عدوه إبليس الذي حسده وأبى أن يسجد له ، والعزم في اللغة : هو توطين النفس على الفعل .

قال أبو أمامة الباهليّ{[27078]} : لو وُزِنَ حلمُ آدم بحلم جميع ولده لرجح عليه وقد قال الله تعالى { وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } . فإن قيل{[27079]} : أتقولون إن آدم كان ناسياً لأمر الله حين أكل من الشجرة . قيل : يجوز أن يكون نَسِي أمره{[27080]} ، ولم يكن النسيان في ذلك الوقت مرفوعاً عن الإنسان بل{[27081]} كان مؤاخذاً به ، وإنما رفع عنا .

وقيل : نَسِيَ عقوبة الله ، وظن أنَّه نَهي{[27082]} تنزيه{[27083]} .


[27039]:تعالى: سقط من ب.
[27040]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/123 – 124.
[27041]:[المائدة: 99].
[27042]:ما بين القوسين سقط من ب.
[27043]:أنه: سقط من ب.
[27044]:[المائدة: 113].
[27045]:في الأصل: أخبر. وسقط من ب.
[27046]:في ب: بقصة القوم أو بقصة آدم عليه الصلاة والسلام. وهو تحريف.
[27047]:ما بين القوسين سقط من ب.
[27048]:[المائدة: 117].
[27049]:من الآية: (114).
[27050]:في ب: الاستغاثة لربه. وهو تحريف.
[27051]:في ب: صلى الله عليه وسلم.
[27052]:[المائدة: 114].
[27053]:في ب: بحيث جاوز أعني زاد.
[27054]:في ب: أن محمدا عليه الصلاة والسلام.
[27055]:في ب: قدمت.
[27056]:عنه: سقط من ب.
[27057]:في ب: إنما.
[27058]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 22/123 – 124.
[27059]:من: سقط من الأصل.
[27060]:في ب: عهد.
[27061]:انظر الفخر الرازي 22/124.
[27062]:انظر الفخر الرازي 22/124.
[27063]:المختصر: (90) البحر المحيط 6/284.
[27064]:انظر الفخر الرازي 22/124.
[27065]:انظر المرجع السابق.
[27066]:ما بين القوسين سقط من ب.
[27067]:انظر التبيان 2/905.
[27068]:وصاحب الحال هنا نكرة، لأن صفة النكرة إذا قدمت عليها نصبتها على الحال لامتناع جواز تقديم الصفة على الموصوف انظر شرح المفصل 2/63 – 64.
[27069]:في ب: المضمر. وهو تحريف.
[27070]:في الأصل: وإذا.
[27071]:في ب: عليه الصلاة والسلام.
[27072]:انظر الفخر الرازي 22/462.
[27073]:من هنا نقله ابن عادل عن البغوي 5/462.
[27074]:في ب: على ما.
[27075]:عطية العوفي.
[27076]:ابن: سقط من النسختين.
[27077]:تفسير غريب القرآن (283).
[27078]:في ب: أبو علي الباهلي.
[27079]:في ب: فالجواب.
[27080]:في ب: ناسيا لأمره.
[27081]:في ب: بلى.
[27082]:نهي: سقط من ب.
[27083]:آخر ما نقله هنا عن البغوي 5/462.