اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَنُوحًا إِذۡ نَادَىٰ مِن قَبۡلُ فَٱسۡتَجَبۡنَا لَهُۥ فَنَجَّيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥ مِنَ ٱلۡكَرۡبِ ٱلۡعَظِيمِ} (76)

قوله تعالى : { وَنُوحاً إِذْ نادى مِن قَبْلُ } الآية . في نصب «نوحاً » وجهان :

أحدهما : أنه منصوب عطفاً على «لوطاً » فيكون مشتركاً معه في عامله الذي هو «آتَيْنَاهُ » المفسر ب «آتَيْنَاهُ » الظاهر ، وكذلك { وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ } والتقدير : وَنُوحاً آتيناه حُكْماً وداود وسليمان آتيناهما حكماً{[29035]} ، وعلى هذا ف «إذْ » بدل من «نُوحاً » ومن «داود وسليمان » بدل اشتمال ، وتقدم تحقيق مثل هذا في طه{[29036]} .

الثاني : أنه منصوب بإضمار ( اذكر ) ، أي : اذكر نوحاً وداود وسليمان أي : اذكر خبرها وقصتهم ، وعلى هذا فيكون «إذْ » منصوبة بنفس المضاف المقدر ، أي : خبرهم{[29037]} الواقع في وقت كان كيت وكيت{[29038]} .

وقوله : «مَنْ قَبْلُ » أي : من قبل هؤلاء المذكورين{[29039]} .

فصل

المراد من هذا النداء{[29040]} : دعاؤه على قومه بالعذاب ، ويدل على لك قوله : { أَنِّي مَغْلُوبٌ فانتصر }{[29041]} ، وقوله : { رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأرض مِنَ الكافرين دَيَّاراً }{[29042]} ويؤكده قوله تعالى { فاستجبنا لَهُ }{[29043]} «فَنَجَّيْنَاهُ » ، يدل على ذلك أنَّ نداءه ودعاءه كان بأن ينجيه مما يلحقه من جهتهم من الأذى بسبب تكذيبهم وردهم عليه واتفق المحققون على أنَّ ذلك النداء كان بأمر الله ، لأنَّه لو لم يكن بإذنه لم يؤمن أن يكون المصلحة أن لا يجاب إليه ، فيصير ذلك سبباً لنقصان حال الأنبياء . وقال آخرون : لم يكن مأذوناً له في ذلك . قال أبو أمامة : لم يتحسر أحد من{[29044]} خلق الله كحسرة آدم ونوح -عليهما السلام{[29045]}- فحسرة آدم على قبول{[29046]} وسوسة إبليس ، وحسرة نوح على دعائه على قومه فأوحى الله إليه أن دعوتك وافقت قدرتي{[29047]} قوله : { فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الكرب العظيم } المراد بالأهل هنا أهل دينه{[29048]} قال ابن عباس : المراد { مِنَ الكرب العظيم } من الغرق وتكذيبه قومه{[29049]} وقيل : لأنه كان أطول الأنبياء عُمراً وأشدَّهُمْ بلاءً ، والكرب أشد الغم{[29050]} .


[29035]:انظر التبيان 2/922، البحر المحيط 6/330.
[29036]:انظر سورة طه.
[29037]:في الأصل: أخبرهم.
[29038]:انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج 3/399، ومشكل إعراب القرآن 2/85، البيان 2/163 والتبيان 2/923.
[29039]:انظر الكشاف 3/17.
[29040]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 22/193.
[29041]:من قوله تعالى: {فدعا ربه أني مغلوب فانتصر} [القمر: 10].
[29042]:[نوح: 26].
[29043]:فاستجبنا له: سقط من الأصل.
[29044]:في النسختين: لم يحسر أحد في.
[29045]:في ب: عليهما الصلاة والسلام.
[29046]:قبول: سقط من ب.
[29047]:آخر ما نقله هنا عن الفخر الرازي 22/193.
[29048]:انظر الفخر الرازي 22/193.
[29049]:انظر البغوي 5/502.
[29050]:المرجع السابق.