اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يُضَٰعَفۡ لَهُ ٱلۡعَذَابُ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَيَخۡلُدۡ فِيهِۦ مُهَانًا} (69)

قوله : «يُضَاعَفْ » قرأ ابن عامر وأبو بكر برفع «يُضَاعَف » و «يَخْلُدُ »{[36704]} على أحد وجهين : إمَّا الحال ، وإمَّا على الاستئناف{[36705]} . والباقون بالجزم فيهما{[36706]} بدلاً من «يَلْقَ »{[36707]} بدل اشتمال ، ومثله قوله :

مَتَى تَأْتِنَا تُلْمِمْ بِنَا في دِيَارِنَا *** تَجِدْ حَطَباً جَزْلاً وَنَاراً تأَجَّجَا{[36708]}

فأبدل من الشرط كما أبدل هنا من الجزاء . وابن كثير وابن عامر على ما تقدم لهما في البقرة{[36709]} من القصر والتضعيف في العين{[36710]} . ولم يذكر أبو حيان ابن عامر مع ابن كثير وذكره مع الجماعة في قُرَّائهم{[36711]} . وقرأ أبو جعفر وشيبة «نُضَعِّف » بالنون مضمومة وتشديد العين ، «العذَابَ » نصباً على المفعول به{[36712]} . وطلحة{[36713]} «يضاعف » مبنياً للفاعل ، أي : الله «العذاب » نصباً{[36714]} ، وطلحة بن سليمان «وتَخْلُد » بتاء الخطاب على الالتفات{[36715]} ، وأبو حيوة «وَيُخَلَّد » مشدداً مبنياً للمفعول{[36716]} . وروي عن أبي عمرو كذلك إلا أنه بالتخفيف{[36717]} .

و «مُهَاناً » حال{[36718]} ، وهو اسم مفعول من أَهَانَهُ يُهِينُه ، أي : أَذَلَّه وأَذَاقَهُ الهَوَانَ .

فصل

قال القاضي : بَيّن الله تعالى ( أن ){[36719]} المضاعفة والزيادة يكون حالها في الزيادة كحال الأصل ، فقوله : «وَيَخْلُد فِيهِ » أي : ويخلد في ذلك التضعيف ، وذلك إنما حصل بسبب العقاب على المعاصي ، فوجب أن يكون عقاب هذه المعاصي في حق الكافر دائماً ، وإذا كان كذلك وجب أن يكون في حق المؤمن كذلك ؛ لأن حاله فيما يستحق به لا يتغير سواء فعل مع غيره ، أو منفرداً .

والجواب : لم لا يجوز أن يكون للإتيان بالشيء مع غيره أثر في مزيد القبح ، ألا ترى أن الشيئين قد يكون كل واحد منهما في نفسه حسناً وإن كان الجميع قبيحاً ، وقد يكون كل واحد منهما قبيحاً ، ويكون الجمع بينهما أقبح{[36720]} . وسبب تضعيف العذاب أن المشرك إذا ارتكب المعاصي مع الشرك فيعذب على الشرك وعلى المعاصي ، فتضاعف العقوبة لمضاعفة المعاقب عليه ، وهذا يدل على أن الكفار مخاطبون بفروع الإسلام{[36721]} .


[36704]:السبعة (467)، الكشف 2/334، النشر 2/334، الإتحاف (330).
[36705]:انظر الكشاف 3/105، البيان 2/209، البحر المحيط 6/515.
[36706]:السبعة (467)، الكشف 2/209، النشر 2/334، الإتحاف (330).
[36707]:انظر الكشاف 3/104، البيان 2/209، التبيان 2/991، البحر المحيط 6/515.
[36708]:البيت من بحر الطويل، قاله عبيد الله بن الحر، من قصيدة قالها وهو في سجن مصعب بن الزبير. وقد تقدم.
[36709]:يشير إلى قوله تعالى: {والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم} من الآية (261) أي: أنهما يقرآن هنا كما في البقرة "يضعف" بالألف مع تشديد العين.
[36710]:السبعة (467) الكشف 2/147، النشر 2/334، الإتحاف 330.
[36711]:أي أن أبا حيان لم ينص على أن ابن عامر ممن قرأ بالرفع وتضعيف العين. البحر المحيط 6/515.
[36712]:في المحتسب: (ومن ذلك قراءة طلحة بن سليمان: "نضعف له" بالنون "العذاب" نصب) 2/125، وانظر البحر المحيط 6/515.
[36713]:طلحة بن مصرف كما في البحر المحيط 6/515.
[36714]:المرجع السابق.
[36715]:انظر المحتسب 2/125، تفسير ابن عطية 11/64، البحر المحيط 6/515. قال أبو حيان: (وقرأ طلحة بن سليمان "وتخلد" بتاء الخطاب على الالتفات مرفوعا، أي: وتخلد أيها الكافر).
[36716]:انظر البحر المحيط 6/515.
[36717]:قال ابن مجاهد: (وروى حسين الجعفي عن أبي عمرو "ويخلد" بضم الياء وفتح اللام وجزم الدال وهو غلط) السبعة (467). قال أبو علي: (وهي غلط من جهة الرواية) انظر تفسير ابن عطية 11/75، البحر المحيط 6/515.
[36718]:انظر التبيان 2/991.
[36719]:أن: تكملة من الفخر الرازي.
[36720]:انظر الفخر الرازي 24/111- 112.
[36721]:انظر الفخر الرازي 24/111.