اللام في " لِمَنْ " فيها وجهان :
أحدهما : أنها زائدة مؤكِّدة ، كهي في قوله تعالى : { قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم [ النمل : 72 ] أي : ردفكم وقول الآخر : [ الوافر ]
فَلَمَّا أنْ تَوَاقَفْنَا قَلِيلاً *** أنَخْنَا لِلْكَلاَكِلِ فَارْتَميْنَا{[5613]}
مَا كُنْتُ أخْدَعُ لِلْخَلِيلِ بِخُلَّةٍ *** حَتَّى يَكُونَ لِيَ الْخَلِيلُ خَدُوعَا{[5614]}
يَذُمُّونَ لِلدُّنْيَا وَهُمْ يَحْلِبُونَهَا *** أفَاوِيقَ حَتَّى ما يَدِرُّ لَهَا فَضْلُ{[5615]}
أي : أنخنا الكلاكِلَ ، وأخدع الخليل ، ويذمون الدنيا ، ويُرْوَى : يذمون بالدنيا ، بالباء .
قال شهابُ الدينِ{[5616]} : وأظن البيتَ : يذمون لِي الدنيا - فاشتبه اللفظ على السامع - وكذا رأيته في بعض التفاسيرِ ، وهذا الوجه ليس بالقوي .
الثاني : أن " آمن " ضُمِّن معنى أقَرَّ واعْتَرَف ، فعُدِّيَ باللام ، أي : ولا تُقِرّوا ، ولا تعترفوا إلا لمن تبع دينكم ، ونحوه قوله : { فَمَآ آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ } [ يونس : 83 ] وقوله : { وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا } [ يوسف : 17 ] وقال أبو علي : وقد يتعدَّى آمن باللام في قوله : { فَمَآ آمَنَ لِمُوسَى }
[ يونس : 83 ] ، وقوله : { آمَنتُمْ لَهُ } [ طه : 71 ] ، وقوله : { يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ } [ التوبة : 61 ] فذكر أنه يتعدى بها من غير تضمين ، والصَّوَابُ التضمين وقد تقدم تحقيقه أول البقرة{[5617]} . وهنا استثناء مُفَرَّغٌ .
وقال أبو البقاء : { إِلاَّ لِمَن تَبِعَ } فيه وجهان :
أحدهما : أنه استثناء مما قبلَه ، والتقديرُ : ولا تقرُّوا إلا لمن تبع ، فعلى هذا اللام غير زائدة ولا يجوز أن تكون زائدة ويكون محمولاً على المعنى ، أي اجْحَدوا كُلَّ أحد إلا من تبع دينكم .
والثاني : أن النية به التأخير ، والتقدير : ولا تُصَدِّقُوا أن يؤتَى أحدٌ مثل ما أوتيتم إلا من تبع دينكم ؛ فاللام على هذا - زائدة ، و " مَنْ " في موضع نصب على الاستثناء من أحد .
وقال الفارسيُّ : الإيمان لا يتعدى إلى مفعولين ، فلا يتعلق - أيضاً - بجارين ، وقد تعلَّق بالجار المحذوف من قوله : { أَن يُؤْتَى } فلا يتعلق باللام في قوله : { لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } إلا أن يحمل اللام على معناه ، فيتعدى إلى مفعولين ، ويكون المعنى : ولا تُقِرُّوا بأن يُؤتَى أحدٌ مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينَكم ، كما تقول : أقررت لزيد بألفٍ ، فتكون اللام متعلقة بالمعنى ، ولا تكون زائدة على حد : { رَدِفَ لَكُمْ } [ النمل : 72 ] و{ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ } [ يوسف : 43 ] وهذا تَصْرِيحٌ من أبي علي بأنه ضمن " آمن " معنى " أقَرَّ " .
اتفق المفسّرون على أن هذا بقية كلامِ اليهودِ ، وفيه وجهانِ :
الأول : أن معناه : ولا تُصَدِّقُوا إلا بنبي يُقرِّر شرائعَ التوراةِ ، ومَنْ جاء بتغيير شرع من أحكام التوراة ، فلا تصدقوه ، وعلى هذا التفسير تكون اللام في { لِمَنْ تَبِعَ } صلة زائدة .
الثاني : معناه : لا تأتوا بذلك الإيمان إلا لأجل مَنْ تبع دينكم ، أي : ليس الغرضُ من الإتيان بذلك التلبيس إلا بقاء أتباعكم على دينكم ، فإنّ مقصود كلِّ أحد حفظ أتباعه وأشياعه على متابعته .
ثم قال : { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ } .
قال ابن عباسٍ : معناه : الدين دين الله{[5618]} ، ونظيره : { قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى } [ الأنعام : 71 ] وبيان كيف صار هذا الكلامُ جواباً عما حكاه عنهم :
أما على الوجه الأول - وهو قولهم : لا دينَ إلا ما هم عليه - فهذا الكلام إنما صَحَّ جواباً عنهم من حيثُ إن الذي هم عليه ثبت ديناً من جهة الله - تعالى - لأنه أمر به ، وأرشد إليه ، فإذا وجب الانقياد لغيره كان ديناً يجب أن يُتَّبعَ - وإن كان مخالفاً لما تقدَّم - لأن الدينَ إنما صارَ ديناً بحكمه وهدايته ، فحيثما كان حُكْمُه وجب متابعته ، ونظيره قوله تعالى - جواباً لهم عن قوله :
{ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا } [ البقرة : 142 ] - قوله : { قُل لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ } [ البقرة : 142 ] يعني : الجهاتِ كلَّها لله ، فله أن يُحَوِّل القبلةَ إلى أيِّ جهةٍ شاء .
وعلى الوجه الثاني : المعنى : { إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ } قد جئتكم به ، فلن ينفعَكم في دفعه هذا الكيد الضعيفُ .
قوله تعالى : { وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } نقل ابنُ عطيّة الإجماع من أهل التأويل على أن هذا من مقول الطائفة ، وليس بسديد ، لما نقل من الخلاف ، وهل هي من مقول الطائفة أم من مقول الله تعالى - على معنى أن الله - تعالى - خاطب به المؤمنين ، تثبيتاً لقلوبهم ، وتسكيناً لجأشهم ؛ لئلا يشكُّوا عند تلبيس اليهودِ عليهم وتزويرهم ؟
[ إذا كان من كلامِ طائفةِ اليهودِ ، فالظاهر أنه انقطع كلامُهم ؛ إذ لا خلاف ، ولا شك أن قولَه : { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ } من كلام الله مخاطباً لنبيه صلى الله عليه وسلم ]{[5619]} .
قوله : { أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ } اعلم أن هذه الآية من المشكلات ، فنقول : اختلف الناس في هذه الآية على وجوه :
الأول : أن قوله : { أَن يُؤْتَى أَحَدٌ } متعلق بقوله : { وَلاَ تُؤْمِنُواْ } على حذف حرف الجر ، والأًصل : ولا تُؤْمِنُوا بأن يُؤتَى أحدٌ مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم ، فلما حُذِفَ حرف الجر جرى الخلافُ المشهور بين الخليل وسيبويه في محل " أن " ، ويكون قولُه : { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ } جملةً اعتراضيةً .
قال القفّالُ : يحتمل أن يكون قوله : { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ } كلاماً أمر اللهُ نبيه أن يقولَه عند انتهاء الحكاية عن اليهود إلى هذا الموضع ؛ لأنه لما حكى عنهم في هذا الموضع قولاً باطلاً - لا جرم - أدب الله رسوله بأن يقابله بقول حَقِّ ، ثم يعود إلى حكايةِ تمامِ كلامِهم - كما إذا حكى المسلم عن بعضِ الكُفَّار قَوْلاً فيه كُفْر ، فيقول - عند بلوغه إلى تلك الكلمة - : آمنت بالله ، أو يقول : لاَ إلَه إلا اللهُ ، أو يقول : تعالى الله عن ذلك ، ثم يعود إلى تمام الحكاية ، فيكون قوله : { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ } من هذا الباب .
قال الزمخشريُّ في تقرير هذا الوجه - وبه بدأ - : { وَلاَ تُؤْمِنُواْ مُتَعَلِّقٌ بقوله : { أَن يُؤْتَى أَحَدٌ } وما بينهما اعتراضٌ ، أي : ولا تظهروا إيمانكم بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لأهل دينكم دون غيرهم ، وأسِرُّوا تصديقكُمْ بأن المسلمين قد أوتوا مثل ما أوتيتم ، ولا تُفْشُوه إلا لأشياعكم - وحدهم - دون المسلمين ؛ لئلاَّ يزيدَهم ثباتاً ، ودون المشركين ، لئلا يدعوهم إلى الإسلام .
{ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ } عطف على { أَن يُؤْتَى } والضمير في { يُحَاجُّوكُمْ } لِ { أَحَدٌ } لأنه في معنى الجميع ، بمعنى : ولا تؤمنوا لغير أتباعكم بأن المسلمين يحاجونكم عند ربكم بالحق ، ويغالبونكم عَنْدَ اللهِ - تعالى - بالحُجَّةِ .
قلت : معناه : إن الهدَى هُدى الله ، من شاء يَلْطُف به حتى يُسلم ، أو يزيد ثباتاً ، ولم ينفع كيدكم وحِيَلُكم ، وذَبُّكم تصديقكم عن المسلمين والمشركين ، وكذلك قوله : { قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } يريد الهداية والتوفيق .
قال شهاب الدينِ : " وهذا كلامٌ حسَنٌ ، لولا ما يُريد بباطنه " ، وعلى هذا يكون قوله : { إِلاَّ لِمَن تَبِعَ } مستثْنَى من شيء محذوفٍ ، تقديره : ولا تُؤمنوا بأن يُؤتَى أحد مل ما أوتيتم لأحد من الناس إلا لأشياعكم دون غيرهم ، وتكون هذه الجملة - أعني قوله : { وَلاَ تُؤْمِنُواْ } من كلام الطَّائِفَةِ المتقدمة ، أي وقالت طائفةٌ كذا ، وقالت أيضاً : ولا تؤمنوا ، وتكون الجملة من قوله : { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ } من كلام اللهِ لا غير " .
قال ابن الخطيبِ : وعندي أن هذا التفسير ضعيف من وُجُوهٍ :
الأول : أن جدَّ القوم في حفظ أتباعهم عن قبول دين محمَّد صلى الله عليه وسلم كان أعظمَ من جدهم في حفظِ غير أتباعهم عنه ، فكيف يليق أن يوصِيَ بعضُهم بعضاً بالإقرار بما يدل على صحة دين محمَّد صلى الله عليه وسلم عند أتباعهم ، وأشياعهم ، وأن يمتنعوا من ذلك عند الأجانب ؟ هذا في غاية البعد .
الثاني : أن على هذا التقدير لا بد من الحَذْف ؛ فإن التقدير : قل إن الهُدَى هُدَى اللهِ ، وإنّ الفَضْلَ بِيَدِ اللهِ ، وَلا بُدَّ مِنْ حَذْفِ قَلْ في قوله : { قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ } .
الثالث : أنه كيف وقع قوله : { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ } فيما بين جزأي كلام واحد ؟ هذا في غاية البعد عن الكلام المستقيم .
الوجه الثاني : أن اللام زائدة في { لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ } وهو مستثنى من " أحَدٌ " المتأخِّر ، والتقدير : ولا تصدقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا مَنْ تَبعَ دينَكُمْ ، ف { لِمَنْ تَبِعَ } منصوب على الاستثناء من " أحد " ، وعلى هذا الوجه جوَّز أبو البقاء في محل { أَن يُؤْتَى } ثلاثة أوجهٍ :
الأول والثاني : مذهب الخليل وسيبويه ، وقد تَقَدَّمَا .
الثالث : النصب على المفعول من أجله ، تقديره : مخافةَ أن يُؤتَى .
وهذا الوجه الثالث - لا يصح من جهة المعنى ، ولا من جهة الصناعة ، أمّا المعنى فواضحٌ وأما الصناعة فإن فيه تقديم المستثنى على المستثنى منه ، وعلى عامله ، وفيه - أيضاً - تقديم ما في صلة أن عليها ، وهو غير جائزٍ .
الوجه الثالث : أن يكون { أَن يُؤْتَى } مجروراً بحرف العلة - وهو اللام - والمُعَلَّل محذوف ، تقديره لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم قلتم ذلك ، ودبَّرتموه ، لا لشيء آخرَ ، وقوله : { إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } معناه : ولا تؤمنوا هذا الإيمانَ الظاهرَ - وهو إيمانكم وَجْهَ النَّهَارِ - { إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } ، إلا لمن كانوا تابعين لدينكم ممن أسلموا منكم ؛ لأن رجوعَهم كان أرْجَى عندهم من رجوع من سواهم ، ولأن إسلامَهم كان أغبط لهم ، وقوله : { أَن يُؤْتَى أَحَدٌ } معناه : لأن يؤتى مثل ما أوتيتُمْ قلتم ذلك ، ودبرتموه ، لا لشيء آخرَ ، يعني أن ما بكم من الحسد والبغي ، أن يؤتى أحَدٌ مثل ما أوتيتم من فَضْل العلم والكتاب دعاكم إلى أن قُلْتُم ما قلتم ، والدليل عليه قراءة ابن كثير{[5620]} : أأنْ يُؤتَى أحَدٌ ؟ - بزيادة همزة الاستفهامِ ، والتقرير ، والتوبيخ - بمعنى : ألأن يؤتى أحَدٌ ؟
فإن قلت : ما معنى قوله : { أَوْ يُحَاجُّوكُمْ } على هذا ؟
قلت : معناه : دبرتم ما دبرتم لأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم ، ولما يتصل به عند كفركم به في محاجتهم [ لكم ] عند ربكم .
الوجه الرابع : أن ينتصب { أَن يُؤْتَى } بفعل مقدَّرٍ ، يدل عليه : { وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } كأنه قيل : { قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ } فلا تُنكِروا أن يُؤتَى أحَدٌ مثل ما أوتيتم . ف " لا تنكروا " ناصِب لِ " أن " وما في حَيِّزها ؛ لأن قوله : { وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } إنكار لأن يؤتى أحد مثل ما أوتُوا .
قال أبو حيّان : وهذا بعيد ؛ لأنه فيه حذفَ حرف النهي وحذفَ معموله ، ولم يُحْفظ ذلك من لسانهم .
قال شهاب الدين{[5621]} : " متى دلَّ على العامل دليلٌ جاز حَذْفُه على أي حالةٍ كان " .
الوجه الخامس : أن يكون { هُدَى اللَّهِ } بدلاً من " الْهُدَى " الذي هو اسم " إنَّ " ويكون خبر { أَن يُؤْتَى أَحَدٌ } ، والتقدير : قُلْ إنَّ هدى الله أن يؤتى أحد ، أي إن هدى الله آتياً أحداً مثل ما أوتيتم ، ويكون " أوْ " بمعنى " حتى " ، والمعنى : حتى يحاجوكم عند ربكم ، فيغلبوكم ويدحضوا حُجَّتَكم عند الله ، ولا يكون { أَوْ يُحَاجُّوكُمْ } معطوفاً على { أَن يُؤْتَى } وداخلاً في خبر إن .
الوجه السادس : أن يكون { أَن يُؤْتَى } بدلاً من { هُدَى اللَّهِ } ويكون المعنى : قُلْ بأن الهدى هدى الله ، وهو أن يؤتى أحد كالذي جاءنا نحن ، ويكون قوله : { أَوْ يُحَاجُّوكُمْ } بمعنى فليحاجوكم ، فإنهم يغلبونكم ، قال ابنُ عطية : وفيه نظرٌ ؛ لأن يؤدي إلى حذف حرف [ النهي ] {[5622]} وإبقاء عمله .
الوجه السابع : أن تكون " لا " النافية مقدَّرة قبل { أَن يُؤْتَى } فحذفت ؛ لدلالة الكلام عليها ، وتكون " أو " بمعنى " إلاَّ أن " والتقدير : ولا تؤمنوا لأحد بشيء إلا لمن تبع دينَكم بانتفاء أن يؤتى أحَدٌ مثل ما أوتيتم إلا من تَبع دينَكُمْ ، وجاء بمثله ، فإن ذلك لا يؤتى به غيركم إلا أن يحاجوكم ، كقولك : لألزمنك أو تقضيني حقي .
وفيه ضعف من حيث حذف " لا " النافية ، وما ذكروه من دلالة الكلامِ عليها غير ظاهر .
الوجه الثامن : أن يكون { أَن يُؤْتَى } مفعولاً من أجله ، وتحرير هذا القول أن يجعل قوله : { أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ } ليس داخلاً تحت قوله : " قل " بل هو من تمام قول الطائفة ، متصل بقوله : ولا تؤمنوا إلا لمن جاء بمثل دينكم مخافةَ أن يؤتى أحد من النُّبُوَّة والكرامة مثل ما أوتيتم ، ومخافةَ أن يُحاجُّوكم بتصديقكم إياهم عند ربكم إذا لم تستمروا عليه ، وهذا القولُ منهم ثمرة حسدهم وكُفْرهم - مع معرفتهم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم .
ولما قدر المُبردُ المفعول من أجله - هنا - قدر المضاف : كراهة أن يُؤتَى أحد مثل ما أوتيتم ، أي : مما خالف دينَ الإسلام ؛ لأن اللهَ لا يهدي من هو كاذبٌ كَفَّار ، فهُدَى الله بعيد من غير المؤمنين والخطاب في { أُوتِيتُمْ } و{ يُحَاجُّوكُمْ } لأمة محمد صلى الله عليه وسلم .
واستضعف بعضُهم هذا ، وقال : كونه مفعولاً من أجْلهِ - على تقدير : كراهة - يحتاج إلى تقدير عامل فيه ويصعُب تقديره ؛ إذ قبله جملة لا يظهر تعليل النسبة فيها ، بكراهة الإيتاء المذكور .
الوجه التاسع : أن " أنْ " المفتوحة تأتي للنفي - كما تأتي " لا " ، نقله بعضهم أيضاً عن الفراء ، وجعلَ " أو " بمعنى " إلا " ، والتقدير : لا يُؤتَى أحد ما أوتيتم إلا أن يحاجُّوكم ، فإن إيتاءه ما أوتيتم مقرون بمغالبتكم أو محاجتكم عند ربكم ؛ لأن من آتاه الله الوحي لا بُدّ أن يحاجهم عند ربهم - في كونهم لا يتبعونه - فقوله : { أَوْ يُحَاجُّوكُمْ } حالٌ لازمةٌ من جهة المعنى ؛ إذ لا يوحي اللهُ لرسولٍ إلا وهو يُحاجُّ مخالفيه . وهذا قول ساقطٌ ؛ إذْ لم يثبت ذلك من لسان العربِ .
" أحد " يجوز أن تكون - في الآية الكريمة - من الأسماء الملازمةِ للنفي ، وأن تكون بمعنى " واحد " والفرق بينهما أن الملازمة للنفي همزته أصلية ، والذي لا يلزم النفي همزته بدل من واو فعلى جعله ملازماً للنفي يظهر عود الضمير عليه جمعاً ؛ اعتباراً بمعناه ؛ إذ المراد به العموم ، وعليه قوله : { فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } [ الحاقة : 47 ] - جمع الخبر لما كان " أحَدٌ " في معنى الجميع - وعلى جعله غير اللازم للنفي يكون جمع الضمير في { يُحَاجُّوكُمْ } باعتبار الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعِه .
وبعض الأوجه المتقدمة يصح أن يجعل فيها " أحد " - المذكور - الملازم للنفي ، وذلك إذا كان الكلام على معنى الجَحْد ، وإذا كان الكلام على معنى الثبوت - كما مَرَّ في بعض الوجوه فيمتنع جعلُه الملازم للنفي . والأمر واضح مما تقدم .
قرأ ابنُ كثير{[5623]} : أأن يؤتى - بهمزة استفهام - وهو على قاعدته من كونه يسهل الثانية بين بين من غير مدة بينهما ، وخُرِّجَتْ هذه القراءةُ على وجوهٍ :
أحدها : أن يكون { أَن يُؤْتَى } على حذف حرف الجر - وهو لام العلة - والمُعَلَّل محذوف تقديره : ألأن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم قلتم ذلك ودبَّرتموه - وتقدم تحقيقه - وهذه اللفظة موضوعة للتوبيخ ، كقوله تعالى : { أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِين }
[ القلم : 14-15 ] ، والمعنى : أمن أجل أن يُؤتَى أحدٌ شرائعَ مثلَ ما أوتيتم من الشرائع تُنْكِرون اتباعه ؟ ثم حذف الجواب ، للاختصارِ ، تقديره : أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشرَ اليهودِ من الكتاب والحكمة تحسدونه ، ولا تؤمنون به ، قاله قتادةُ والربيعُ{[5624]} ، وهذا الحذفُ كثيرٌ ؛ يقول الرجل - بعد طول العتاب لصاحبه ، وتعديده عليه ذنوبه بعد قلة إحسانه إليه - : أمِنْ قلة إحساني إليك ؟ أمِنْ إساءتي إليك ؟ والمعنى : أمن هذا فعلتَ ما فعلتَ ؟ ونظيره : { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ } [ الزمر : 9 ] ، وهذا الوجه يُروى عن مجاهد وعيسى بن عُمَرَ . وحينئذ يسوغ في محل " أن " الوجهان - أعني النصب - مذهب سيبويه - والجر مذهب الخليلِ .
وثانيها : أن { أَن يُؤْتَى } في محل رفع بالابتداء ، والخبر محذوف ، تقديره : أأن يُؤتَى أحَدٌ - يا معشر اليهودِ - من الكتاب والعلم مثل ما أوتيتم تصدقون به ، أو تعترفون به ، أو تذكرونه لغيركم ، أو تُشيعونه في الناس ، ونحو ذلك مما يَحْسُنُ تقديره ، وهذا على قول مَنْ يقول : أزَيْدٌ ضربته ؟ وهو وجه مرجوحٌ ، كذا قدره الواحديُّ تبعاً للفارسيِّ وأحسن من هذا التقدير لأن الأصل أإتيان أحد مثل ما أوتيتم ممكن أو مصدق به .
الثالث : أن يكون منصوباً بفعل مقدَّرٍ يُفَسِّرُه هذا الفعل المُضْمَر ، وتكون المسألة من باب الاشتغال ، التقدير : أتذكرون أن يؤتى أحَدٌ تذكرونه ؟ ف " تذكرونه " مُفَسِّرٌ ل " تذكرون " الأولى ، على حد : أزيداً ضربتَه ؟ ثم حذف الفعل الأخير ؛ لدلالة الكلام عليه ، وكأنه منطوقٌ به ، ولكونه في قوةِ المنطوقِ به صَحَّ له أن يُفَسِّر مُضْمَراً وهذه المسألة منصوص عليها ، وهذا أرجح من الوجه قبله ، لأنه مثل : أزيداً ضربته وهو أرجح ، لأجل الطالب للفعل ، ومثل حذف هذا الفعل المقدَّر لدلالة ما قبل الاستفهام عليه حذف الفعل في قوله تعالى : { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ } [ يونس : 91 ] تقديره : آلآن آمنتَ ، ورجعتَ وثبت ، ونحو ذلك .
قال الواحديُّ : فإن قيل : كيف جاز دخول " أحَدٌ " في هذه القراءة ، وقد انقطع من النفي ، والاستفهام ، وإذا انقطع الكلام - إيجاباً وتقريراً - فلا يجوز دخول " أحَدٌ " .
قيل : يجوز أن يكون " أحَدٌ " - في هذا الموضع - أحداً الذي في نحو أحد وعشرين ، وهذا يقع في الإيجاب ، ألا ترى أنه بمعنى " واحد " .
قال أبو العباسِ : إن " أحَداً " و " وَحَداً " و " وَاحِداً " بمعنًى .
وقوله : { أَوْ يُحَاجُّوكُمْ } ، أو في هذه القراءة - بمعنى " حتى " ، ومعنى الكلام : أأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم تذكرونه لغيركم حتى يُحَاجُّوكُمْ عند ربكم .
قال الفراء : " ومثله في الكلام : تَعَلَّق به أو يُعْطيك حَقَّك .
ومثله قول امرئ القيس : [ الطويل ]
فَقُلْتُ لَهُ : لا تَبْكِ عَيْنُكَ إنَّمَا *** نُحَاوِلُ مُلْكاً أو نَمُوتَ فنُعْذَرَا{[5625]}
أي حتى ، ومن هذا قوله تعالى : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } [ آل عمران : 128 ] ، ومعنى الآية : ما أعطي أحد مثل ما أوتيتم - يا أمة محمدٍ - من الدين والحُجَّة حتى يحاجوكم عند ربكم " ، قال : " فهذا وَجْهٌ ، وأجود منه أن تجعله عَطْفاً على الاستفهام ، والمعنى : أأن يُؤتَى أحَد مثل ما أوتيتم أو يحاجَّكم أحد عند الله تصدقونه ؟ " . وهذا كله معنى قول أبي علي الفارسي .
ويجوز أن يكون { أَن يُؤْتَى أَحَدٌ } منصوباً بفعل مُقَدَّرٍ لا على سبيل التفسير ، بل لمجرد الدلالة المعنوية ، تقديره : أتذكرون ، أو أتشيعونه . ذكره الفارسي أيضاً ، وهذا هو الوجه الرابع .
الخامس : أن يكون { أَن يُؤْتَى } - قراءته - مفعولاً من أجله على أن يكون داخلاً تحت القول لا من قول الطائفة ، وهو أظهر مِنْ جَعْلِه من قَوْل الطَّائِفَةِ .
قال ابن الخطيبِ : " أما قراءة من يقصر الألف من " أنْ " فقد يُمْكن إيضاحها على معنى الاستفهام ، كما قرئ : { سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُم } [ البقرة : 6 ] - بالمد والقصر - وكذا قوله تعالى : { أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ } [ القلم : 14 ] قرئ{[5626]} بالمد والقصر .
وقال امرؤ القيس : [ المتقارب ]
تَرُوحُ مِنَ الْحَيِّ أمْ تَبْتَكِرْ *** وَمَاذَا عَلَيْكَ بِأنْ تَنْتَظِر ؟{[5627]}
أراد : أتروح ؟ فحذف ألف الاستفهام ؛ لدلالة " أم " عليه ، وإذا ثبت أن هذه القراءةَ مُحْتَمِلَةٌ لمعنى الاستفهام كان التقدير ما شرحناه في القراءة الأولى .
وقد ضعف الفارسيُّ قراءةَ ابن كثيرٍ ، فقال : [ " وهذا موضع ينبغي أن تُرَجَّحَ فيه قراءةُ غيرِ ابنِ كثير{[5628]} على قراءة ابن كثير ] ؛ لأن الأسماء المُفْرَدةَ ليس بالمستمر فيها أن تدلَّ على الكثرة " .
وقرأ الأعمش وشعيب{[5629]} بن أبي حمزة : إن يُؤتَى - بكسْر الهمزة - وخرَّجها الزمخشريُّ على أنها " إنْ " النافية ، فقال : وقُرِئَ : " إن يؤتى أحد " على " إن " النافية ، وهو متصل بكلام أهل الكتاب ، أي : " ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم " وقولوا لهم : ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم حتى يحاجوكم عند ربكم ، يعني ما يُؤتَوْنَ مثلَه فلا يحاجونكم .
قال ابنُ عطيةَ : " وهذه القراءة تحتمل أن يكون الكلام خطاباً من الطائفة القائلة ، ويكون قولها : أو يحاجوكم بمعنى : أو فَلْيُحَاجُّوكُمْ ، وهذا على التصميم على أنه لا يُؤتَى أحدٌ مثلَ ما أوتيتم ، أو يكون بمعنى إلا أن يحاجوكم ، وهذا على تجويز أن يؤتى أحد ذلك إذا قامت الحجة له " ، فقد ظهر - على ما ذكره ابن عطية - أنه يجوز في " أوْ " - في هذه القراءة - أن تكون على بابها من كونها للتنويع والتخيير ، وأن تكون بمعنى " إلا " إلا أن فيه حذفَ حرفِ الجزمِ ، وإبقاء عمله وهو لا يجوز ، وعلى قول غيره تكون بمعنى " حَتَّى " .
وقرأ الحسن : أن يُؤتِيَ أحَد - على بناء الفعل للفاعل - ولما نقل بعضهم هذه القراءةَ لم يتعرَّض ل " أن " - بفتح ولا بكسر - كأبي البقاء ، وابن عطية ، وقيَّدَها بعضُهم بكسر " أنْ " وفسَّرها بإن النافية ، والظاهر في معناه أن إنعام الله تعالى لا يُشْبِهه إنعام أحد من خلقه ، وهي خطاب من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ، والمفعول المحذوف ، تقديره : إن يُؤتِيَ أحَدٌ أحَداً مثل ما أوتيتم ، فحذف المفعول الأول ، وهُوَ أحَدٌ ؛ لدلالة المعنى عليه ، وأبقى الثاني ، فيكون قول اليهودِ وقد تم عند قوله : { إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } وما بعده من قول الله تعالى ، يقول : " قل " يا محمدُ إن
{ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَن يُؤْتَى } " إنْ " بمعنى الجحد ، أي : ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا أمة محمد ، أو يحاجوكم ، يعني : إلا أن يجادلكم اليهودُ بالباطل ، فيقولوا : نحن أفضل منكم وهذا معنى قول سعيد بن جُبَيرٍ والحسن والكلبيِّ ومقاتلٍ{[5630]} وهذا ملخَّص كلام الناسِ في هذه الآية مع اختلافهم .
قال الواحدي : " وهذه الآيةُ من مشكلات القرآن ، وأصعبه تفسيراً ؛ ولقد تدبَّرْتُ أقْوَالَ أهلِ التفسير ، والمعاني في هذه الآية ، فلم أجد قولاً يَطَّرِدُ في الآيةِ ، من أوَّلِها إلى آخرهَا ، مع بيان المعنى في النظم " .
قال بعض المفسّرين : هذا من قول الله - تعالى - ، يقول : " قل " لهم يا محمدُ : { إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ } بأن أنزل كتاباً مثل كتابكم ، وبعث نبيًّا حسدتموه ، وكفرتم به ، { قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } وقوله : { أَوْ يُحَاجُّوكُمْ } - على هذا - رجوع إلى خطاب المؤمنين ، وتكون
" أوْ " بمعنى " إنْ " لأنهما حرفا شرط وجزاء ، ويوضع أحدُهما مَوْضِعَ الآخر ، وإن يُحاجُّوكم - يا معشرَ المؤمنين - عند ربكم فقل يا محمدُ ، إنَّ الهدى هدى الله ، ونحن عليه .
ويجوز أن يكون الجميعُ خِطاباً للمؤمنين ، ويكون نظمُ الآيةِ : إنْ يُؤتَ أحدٌ مثلَ ما أوتيتم - يا معشرَ المؤمنين - يَحْسدوكم ، فقل : إن الفَضْلَ بِيَدِ الله ، وإن حاجُّوكم فقل : إنَّ الْهُدَى هُدَى الله .
ويجوز أن يكون الخبر عن اليهود قد تم عند قوله تعالى : { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } وقوله : { وَلاَ تُؤْمِنُواْ } من كلام الله تعالى - كما تقدم - ثَبَّت به قلوبَ المؤمنينَ ؛ لئلا يشكُّوا عند تلبيس اليهود ، وتزويرهم في دينهم ، ومعناه : لا تُصدِّقوا يا مَعْشَرَ الْمُؤمنين إلا مَنْ تَبعَ دِينَكُمْ ، ولا تصدقوا أن يُؤتَى أحدٌ مثلَ ما أوتيتم من الدين والفَضْلِ ، ولا تصدِّقُوا أن يُحاجُّوكم في دينكم عند ربكم ، أو يقدروا على ذلك ؛ فإنَّ الهدى هدى اللهِ ، والفضل بيد اللهِ يؤتيه من يشاء ، والله واسعٌ عليمٌ ، فتكون الآية كلُّها خطاب الله - تعالى - مع المؤمنين .
و " الفضل " - هنا - الرسالة ، وهو - في اللغة - عبارة عن الزيادة ، وأكثر ما يُستعمَل في زيادة الإحسان ، والفاضل : الزائد على غيره [ في خصال الخير ، ثم كَثر استعمال الفَضْل حتى صار لكل نفع قَصَد به فاعله الإحسانَ إلى الغير ] {[5631]} ، وقوله : { بِيَدِ اللَّهِ } معناه : أن مالك له ، يؤتيه من يشاءُ ، أي : هو تفضُّلٌ موقوف على مشيئته ، وهذا يدل على أن النبوةَ تحصُل بالتفضُّلِ ، لا بالاستحقاق ؛ لأنه جعلها من باب الفَضْل الذي لفاعله أنْ يفعَلَه ، وأنْ لا يفعَلَه .
الواسع : الكامل القدرة ، والعليم : الكامل العلم ، فلكمال قُدْرَتهِ يصح أن يتفضل على أيِّ عَبْدٍ شاء بأي تفضُّل شاء ، ولكمال علمه لا يكون شيء من افعاله إلا على وَجْه الحكمة والصواب .