اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{قَالَ أَتَعۡبُدُونَ مَا تَنۡحِتُونَ} (95)

قوله : { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ } لما عاتبوا إبراهيمَ على كسر الأصنام ذكر لهم الدليل الدال على فساد عبادتها فقال : { أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ( * ) والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ } ووجه الاستدلال : أن الخشب والحجر قبل النحت والإصلاح ما كان معبوداً البتة فإذا نحته وشكله على الوجه المخصوص لم يحدث فيه الآثار تصرفه فلو صار معبوداً عند ذلك لكان معناه أن الشيء الذي لم يكن معبوداً إذا حصلت آثارُ تَصَرُّفَاتِهِ{[47236]} فيه صار معبوداً ( إلى{[47237]} ( ذلك ) ) ، وفساد ذلك معلوم ببديهة العقل .

قوله : { وَمَا تَعْمَلُون } في «ما » هذه أربعة أوجه :

أجودها : أنها بمعنى الذي أي وخلق الذي تصنعونه{[47238]} ، فالعمل هنا التصوير والنحت نحو : عمل الصانع السِّوار الذي صَاغَه . ويرجح كونها بمعنى الذي تقدم «ما » قبلها فإنها بمعنى الذي أي أتعبدون الذي تنحتون والله خلقكم وخلق الذي تعملون ( ه ){[47239]} بالنحت . {[47240]}

والثاني : أنها مصدرية أي خلقكم وأعمالكم{[47241]} ، وجعلها الأشعريَّة دليلاً على خلق أفعال العباد لله تعالى وهو الحق ، إلا أن دليل ذلك من هنا غير قوي لما تقدم من ظهور كونها بمعنى الذي{[47242]} ، وقال مكي : يجب أن تكون ما والفعل مصدراً جيء به ليفيد أن الله خالقُ الأشياء كلها . وقال أيضاً : وهذا أليق لقوله : { مِن شَرِّ مَا خَلَقَ } [ الفلق : 2 ] أجمع القراء على الإضافة فدل على أنه خالق الشر . وقد فَارَقَ عمرو بنُ عُبَيد{[47243]} الناس فقرأ مِنْ شَرِّ بالتنوين{[47244]} ليثبت مع الله خالقين{[47245]} ، وشنع الزمخشري على القائل هنا بكونها مصدريةً .

والثالث : أنها استفهامية{[47246]} وهو استفهام توبيخ ، أي : ( و ) أيُّ شَيْءٍ تَعْمَلُونَ ؟

الرابع : أنها نافية{[47236]} ، أي أن العمل في الحقيقة ليس لكم فأنتم ( لا ){[47237]} تعملون شيئاً ،


[47236]:تصحيح من الرازي ففي النسختين تصرفاتي.
[47237]:ما بين القوسين الكبيرين سقط من ب وما بين القوسين الصغيرين سقط من أ. وانظر: الرازي 26/149.
[47238]:في ب: يصنعونه. وقال بموصولية ما الزمخشري في الكشاف 3/345 وأبو البقاء في التبيان 1091 ونقلها مكي في المشكل 2/239 ورجحه أبو حيان في البحر 7/361 والسمين في الدر 4/563.
[47239]:الهاء سقطت من ب.
[47240]:وانظر المرجع الأخير السابق.
[47241]:مشكل الإعراب 2/239. وهو اختياره ورجحه على غيره. وانظر أيضا البيان 2/306 والإعراب 3/430 والتبيان 1091 والسمين 4/562.
[47242]:السابق وانظر: مشكل الإعراب 2/239.
[47243]:هو عمرو بن عبيد بن باب أبو عثمان البصري وردت عنها الرواية في حروف القرآن روى عن الحسن وسمع منه وعنه بشار بن أيوب مات سنة 144 هـ انظر: غاية النهاية 2/602.
[47244]:نقلها أبو حيان في بحره عن ابن عطية البحر 8/530 وكذلك صاحب الإعراب 2/239 ونسبها ابن خالويه إلى عمرو بن فائد ص 182.
[47245]:انظر: مشكل الإعراب لمكي المرجع السابق.
[47246]:المرجع السابق وانظر: التبيان 1091 والبيان 2/306 والإعراب 3/430 ومشكل إعراب القرآن 2/240 والبحر المحيط 7/367 والدر المصون 4/562.