اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{۞وَٱذۡكُرۡ أَخَا عَادٍ إِذۡ أَنذَرَ قَوۡمَهُۥ بِٱلۡأَحۡقَافِ وَقَدۡ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَمِنۡ خَلۡفِهِۦٓ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا ٱللَّهَ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ} (21)

قوله تعالى : { واذكر أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بالأحقاف . . . } الآية لما ذكر دلائل النبوة والتوحيد وكان أهل مكة بسبب استغراقهم في لذات الدنيا أعرضوا عنها ولم يلتفتوا إليها لهذا{[51004]} السبب قال تعالى في حقهم : { وَيَوْمَ يُعْرَضُ الذين كَفَرُواْ عَلَى النار أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدنيا } [ الأحقاف : 20 ] فلما كان الأمر كذلك بين أن قوم عاد كانوا أكثر أموالاً وقوةً وجاهاً ، ثم إن الله تعالى سلَّط عليهم العذاب بكفرهم وذكر قصتهم ليعتبر بها أهل مكة فيتركوا الاغترار بما وجدوه في الدنيا ويقبلوا على طلب الدين الحق{[51005]} فقال : «وَاذْكُرْ يا محمد لقومك أَخَا عَادٍ » أي هوداً عليه الصلاة والسلام .

قوله : { إِذْ أَنذَرَ } بدل من «أخا » بدل اشتمال وتقدم تحقيقه . وقوله { بالأحقاف } هي جمع حِقْفٍ وهو الرمل المستطيل المعوجُّ{[51006]} ومنه احْقَوْقَفَ{[51007]} الهِلاَلُ ، قال امرؤ القيس :

4454 فَلَمَّا أَجَزْنَا سَاحَةَ الحَيِّ وَانْتَحَى *** بِنَا بَطْنُ حقْفٍ ذِي حِقَافٍ عَقَنْقَلِ{[51008]}

قال ابن عباس ( رضي الله عنهما ){[51009]} وادٍ بين عمان ومَهْرة . وقال مقاتل : كانت منازل عاد باليمن في حضرموت ، بموضع يقال له : مَهْرَةَ إليها تنسب الإبل المَهْرِيَّة ، وكانوا أهل عُمُد سيارة في الربيع فإذا العُود رَجَعُوا إلى منازلهم وكانوا من قبيلة إرَم ، وقال قتادة : ذكر لنا أن عاداً كانوا حياً من اليمن كانوا أهل رمل مشرفين على البحر ، بأرض يقال لها الشِّحْر{[51010]} .

قوله : { وَقَدْ خَلَتِ } يجوز أن يكون حالاً من الفاعل ، أو من المفعول والرابط الواو ، والنُّذُر جمع نَذِيرٍ ويجوز أن يكون معترضة بين «أَنْذَرَ » وبين «أَنْ لا تَعْبُدُوا »{[51011]} أي أنذرهم بأن لا .

وقوله : { مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ } أي مضت الرسل من قبل هود ومن خلفه أي بعده . ( والمعنى{[51012]} أعلمهم أن الرسل الذي بعثوا قبله والذين يبعثون ) بعده كلهم منذرون نحو إنذاره .

فصل


[51004]:في ب فلذلك السبب.
[51005]:الرازي السابق 26/27.
[51006]:مجاز القرآن 2/213 وغريب القرآن 407.
[51007]:اللسان وفيه معان أخرى اللسان حقف (939).
[51008]:من الطويل له شاهده في: حقف حيث المعنى على ما ذكر وأجرنا قطعنا والساحة تجمع على الساحات والساح والسوح الجبيل الصغير، والحي القبيلة، ولانتحاء واللتنحي والنحو: الاعتماد على شيء والبطن مكان مطمئن حوله أماكن مرتفعة. والحقف رمل مشرف معوج وهو محل الشاهد. ويروى: قفاف بدل حقاف وهي جمع قف وهو ما غلظ من الأرض ولم يبلغ جبلا. والعقنقل: الرمل المنعقد المتبلد. وانظر البيت في شرح الزوزني للمعلقات 19 و20 وأدب الكاتب 273 والبحر 8/53 والإنصاف 457، والمنصف 3/41.
[51009]:زيادة من أ.
[51010]:انظر هذه المعاني في الكشاف 3/523 والقرطبي 16/203 و204.
[51011]:البحر المحيط 8/64.
[51012]:ما بين القوسين سقط من ب بسبب انتقال النظر.