مدنية وهي ثماني عشرة آية ، وثلثمائة وثلاث وأربعون كلمة وألف وأربعمائة وستة وسبعون حرفا3 .
قوله تعالى : { يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ } قرأ العامة بضم التاء وفتح القاف وتشديد الدال مكسورة . وفيها وجهان :
أحدهما : أنه معتمٍّ ، وحذف مفعوله إما اقتصاراً كقوله : { يُحْيِي وَيُمِيتُ }{[51935]} وكقولهم : «هُوَ يُعْطِي وَمْنَعُ » ، وكُلُوا واشْرَبُوا «وإما اختصاراً للدلالة عليه أي لا تقدموا مالا يصلح .
والثاني : أنه لازم نحو : وَجه وتَوَجَّه . ويعضده قراءة ابن عباس والضحاك : لاَ تَقَدَّمُوا بالفتح في الثَّلاَثَةِ . والأصل لا تتقدموا فحذف إحدى التاءين . وبعض المكيين لا تقدموا كذلك إلا أنه بتشديد التاء كتاءات{[51936]} البَزّي والمتوصل إليه بحرف الجر في هاتين القراءتين أيضاً محذوف أَيْ لا تَتَقَدَّموا إلى أمر من الأمور{[51937]} .
وعلى هذا فهو مجاز ليس المراد نفس التقديم بل المراد لا تجعلوا لأنفُسكم تقدماً عند النبيّ صلى الله عليه وسلم يقال : لفلان تقدم من بين الناس إذا ارتفع أمْرُهُ ، وعَلاَ شَأْنُهُ{[51938]} .
وقرئ : لا تُقْدموا بضم التاء و كسر الدال من أقدم أي لا تُقْدِمُوا على شيءٍ{[51939]} .
أحدهما : أنهم في السورة المتقدمة{[51940]} لما جرى منهم ميلٌ إلى الامتناع مما أجاز النبي صلى الله عليه وسلم{[51941]} من الصلح ، وألزمهم الله كلمة التقوى قال لهم على سبيل العموم : لا تقدموا بين يدي الله ورسوله أي لا تتجاوزوا ما أتى من الله تعالى ورسوله .
الثاني : أنه تعالى لما بين علو درجة النبي صلى الله عليه وسلم بكونه رسوله الذي يظهر دينه وأنه بالمؤمنين رحيمٌ قال : لا تتركوا من احترامه شيئاً لا بالفعل ولا بالقول وانظروا إلى رفعة درجته .
الثالث : أنه تعالى وصف المؤمنين بأنهم أشداء ورحماء فيما بينهم وبكونهم راكعين ساجدين{[51942]} وذكر أن لهم من الحرمة عند الله ما أورثهم حسن الثناء في الكتب المتقدمة قوله : { ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التوراة وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجيل } [ الفتح : 29 ] ، فإن المَلكَ العظيم لا يذكر أحداً في غيبته إلا إذا كان عنده محترماً ووعدهم بالأجر العظيم فقال في هذه السورة لا تفعلوا ما يوجب انْحِطَاط درجاتكم وإحباطَ حَسَنَاتِكم ( ولا تقدموا ){[51943]} .
روى الشعبي عن جابر أنه في الذبح يوم الأضحى قبل الصلاة وهو قال الحسن أي لا يذبحوا قيل أن يذبح النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن ناساً ذبحوا قبل النبي صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يُعِيدُوا الذَّبْحَ ، وقال : «من ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُك فِي شَيْءٍ » وروي عن مسروق عن عائشة أنه في النهي عن صوم الشك أي لا تصوموا قبل أن يصوم نبيكم .
وروى ابن الزبير أنه قدم ركبٌ من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر : أمر القعْقَاع بن معبد بن زرارة . وقال عمر : بل أمر الأقرعَ بن حابس . قال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي ، قال عمر : ما أردت خلافَك فَتَمَارَيَا حتى ارتفعت أصواتهما فنزلت : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } ؛ قال ( ابن{[51944]} ) الزبير : فكان عمر لا يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بعد{[51945]} هذه الآية ) حتى يستفهمه . وقيل : نزلت في جماعة أكثروا من السؤال . وقال مجاهد : لا تَفْتَاتُوا{[51946]} على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يَقْضِيَهُ الله على لسانه . وقال الضحاك : يعني في القتال وشرائع الدين ، أي لا تقضوا أمراً دون الله ورسوله . قال ابن الخطيب : والأصحّ أنه إرشاد عام يشتمل الكل ومنع مطلق يدخل فيه كل افتِيَاتٍ وتقدُّم واستبدادٍ بالأمر وإقدامٍ على فعلٍ غيرِ ضروري من غير مُشَاوَرةٍ{[51947]} .
ومعنى بين يدي الله ورسوله أي بحضرتهما ؛ لأن ما{[51948]} يحضره الإنسان فيهو بين يديه ناظر إليه . وفي قوله : { بين يدي الله ورسوله } فوائد :
إِحْدَاهَا : أن قول الإنسان فلان بين يدي فلان إشارة إلى أن كل واحد منهما حاضر عند الآخر مع أن لأحدهما علو الشأن وللآخر درجة العبيد والغِلْمَان ؛ لأن من يجلس بجنب الإنسان{[51949]} يكلفه تَقْليب الحَدَقَة{[51950]} إليه وتحريك الرأس غليه عند الكلام ومن يجلس بين يديه لا يكلفه ذلك ولأن اليدين{[51951]} تنبئ عن القدرة لأن قول الإنسان : فلانٌ بين يدي فلان أي يُقَلِّبِه كيف يشاء في أشغاله كما يفعل الإنسان بما يكون موضوعاً بين يديه وذلك يفيد وجوب الاجْتِنَاب من التَّقَدُّم .
وثانيها : ذكر الله إشارة إلى وجوب احترام الرسول والانقياد لأوامره ، لأن احترام الرسول احترام للمرسل ، لكن احترام الرسول قد يترك لأجل بُعد المرسل وعدم اطّلاعه على ما يفعل برسوله فقوله : «بين يدي الله » أي أنتم بحضرة من الله وهو ناظر إليكم . وفي مثل هذه الحال يجب احترام رسوله .
وثالثها : أن العبارة{[51952]} كما تقرر النهي المتقدم تقرر الأمر المتأخِّر ، وهو قوله : «واتّقوا الله » لأن من يكون بين يدي الغير كالمتاع الموضوع بين يديه يقلبه كيف يشاء يكون جديراً بأن يتقيه{[51953]} ، وقوله : «وَاتَّقُوا الله » أي في تضييع حقه ، ومخالفة أمره { إِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ } لأقوالكم ، «عَلِيمٌ » بأفعالكم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.