اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَٰكِهِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡ وَوَقَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡ عَذَابَ ٱلۡجَحِيمِ} (18)

وقوله : «فَاكِهِينَ » يريد{[53129]} في ذلك ، لأن المتنعم قد يكون آثار النعيم عليه ظاهرة وقلبه مشغول ، فلما قال : «فَاكِهينَ » دل على غاية الطيبة{[53130]} .

قوله : «فَاكِهِينَ » هذه قراءة العامة نصب على الحال ، والخبر الظرف ، وصاحب الحال الضمير المستتر في الظرف .

وقرأ خَالِدٌ : «فاكِهُونَ »{[53131]} بالرفع ، فيجوز أن يكون الظرف لغواً ، متعلقاً بالخبر{[53132]} ويجوز أن يكون خبراً{[53133]} آخر عند من يجيز تعداد الخبر{[53134]} .

وقرئ فَكِهينَ مقصوراً ، وسيأتي أنه قرأ به في المُطَفِّفِينَ في المتواتر حفصٌ عن عَاصِمٍ .

قوله : «بِمَا آتَاهُمْ » يجوز أن تكون الباء على أصلها وتكون : «ما » حينئذ واقعةً على «الفواكه » التي هي في الجنة أي متلذذين بفاكهةِ الجنة ، ويجوز أن تكون بمعنى في أي فيما آتاهم من الثمار وغير ذلك{[53135]} . ويجوز أن تكون «ما » مصدريةً أيضاً .

قوله : «وَوَقَاهُمْ » يجوز فيه أوجه :

أظهرها : أنه معطوف على الصلة أي فَكِهينَ بإيتائِهِم رَبَّهُمْ وبِوقايَتِهِ لهم عذابَ الجَحِيم .

والثاني : أن الجملة حال فتكون «قد » مقدرة{[53136]} عند من يشترط اقترانها بالماضي الواقع{[53137]} حالاً .

الثالث : أن يكون معطوفاً على : «فِي جَنَّاتٍ » . قاله الزمخشري{[53138]} يعني فيكون مخبراً به عن المتقين أيضاً فيكون المراد أنهم فاكهون بأمرين : أَحدِهِمَا : بما آتاهم ، والثاني : بأنه وَقَاهُمْ .

والعامة على تخفيف القاف من الوقاية . وأبو حيوة بتَشْدِيدِهَا{[53139]} .


[53129]:كذا في النسختين: يريد. في الرازي: يزيد، وهو المراد.
[53130]:المرجع السابق.
[53131]:وهي شاذة. وانظر البحر 8/148 والكشاف 4/23.
[53132]:وانظر الكشاف السابق والبحر السابق أيضا.
[53133]:البحر المحيط السابق.
[53134]:في جواز تعدد الخبر لمبتدأ واحد أقوال: أحدها: وهو الأصح وعليه الجمهور الجواز، كما في النعوت، سواء اقترن بعاطف أم لا مثل: {وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد فعّال لما يريد} (البروج 14 -16). الثاني: المنع وهو اختيار ابن عصفور وكثير من المغاربة، وقد جعلوا المتعدد إما صفة للخبر أو خبرا لمبتدأ مقدر. الثالث: الجواز إن اتحدا في الإفراد والجملة والمنع إن كان أحدهما مفردا والآخر جملة. الرابع: قصر الجواز على ما كان المعنى منها واحدا نحو: الرمان حلو حامض أي مزٌّ. وانظر الهمع 1/108. والأشموني على الألفية 1/221 إلى 223.
[53135]:بالتوضيح لما في التبيان للعكبري 1183.
[53136]:قاله في البحر 8/148.
[53137]:قال في الهمع 1/247: "ويجب في الماضي المثبت المتصرف غير التالي "إلا" والمتلوّ بأو العاري من الضمير "قد" مع الواو، فإن كان جامدا كليس أو منفيا فلا. هذا ما جزم به المتأخرون كابن عصفور والأبذيّ والجُزوليّ تبعا للمبرد والفارسي. قال أبو حيان: والصحيح وقوع الماضي حالا بدون قد. ولا يحتاج إلى تقديرها للكثرة" انظر همع الهوامع المرجع السابق.
[53138]:الكشاف 4/23.
[53139]:البحر 8/148 شاذة.