اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۖ لَهُ ٱلۡمُلۡكُ وَلَهُ ٱلۡحَمۡدُۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ} (1)

مقدمة السورة:

سورة التغابن

مدنية في قول الأكثرين{[1]} .

وقال الضحاك : مكية{[2]} . وقال الكلبي : هي مدنية ومكية{[3]} .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما : أن سورة " التغابن " نزلت ب " مكة " إلا آيات من آخرها نزلت ب " المدينة " في عوف بن مالك الأشجعي ، شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جفاء أهله وولده ، فأنزل الله - عز وجل- :{ يأيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم } [ التغابن :14 ] إلى آخرها{[4]} .

وهي ثماني عشرة آية ومائتان وإحدى وأربعون كلمة ، وألف وسبعون حرفا .

عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من مولود يولد إلا وفي تشابيك رأسه مكتوب خمس آيات من فاتحة سورة التغابن " {[5]} .

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى : { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض } . تقدم نظيره .

قال ابن الخطيب{[56839]} : وجه تعلق هذه السورة بما قبلها ، هو أن تلك السورة للمنافقين الكاذبين ، وهذه السورة للموافقين الصادقين ، وأيضاً فإن تلك السورة مشتملة على ذكر النفاق سرًّا وعلانية ، وهذه السورة مشتملة على التهديد البالغ لهم عن ذلك ، وهو قوله تعالى : { وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ والله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور } ، وأما تعلق هذه السورة بآخر التي قبلها فلأن في آخر تلك السورة التنبيه على الذكر والشكر كما تقدم ، وفي أول هذه السورة أشارة إلى أن في الناس أقواماً يواظبون على الذِّكر والشكر دائماً وهم الذين يُسَبِّحُون ، كما قال تعالى : { يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض } .

قوله : { لَهُ الملك } .

مبتدأ وخبر ، وقدم الخبر ليفيد اختصاص الملك والحمد لله تعالى ، إذ الملك والحمد له - تعالى - حقيقة{[56840]} { وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .


[1]:في النسختين تقدم. وندم تصحيح من الرازي. وانظر تصحيح ذلك وغيره في تفسير الإمام 28/117.
[2]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/605) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن أبي حاتم.
[3]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/612، 613) عن ابن عباس وأبي عبد الرحمن السلمي والضحاك. وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (/605) عن أبي عبد الرحمن السلمي وزاد نسبته إلى الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
[4]:أخرجه البخاري (4/301)، كتاب: فضل ليلة القدر، باب: التماس ليلة القدر في السبع الأواخر رقم (2015)، ومسلم (2/822)، كتاب: الصيام، باب: فضل ليلة القدر والحث على طلبها... رقم (205- 1165).
[5]:تقدم.
[56839]:ينظر: التفسير الكبير (30/19).
[56840]:ينظر: الدر المصون (6/325).