قوله : { هُوَ الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض ذَلُولاً } لما بين الدليل كونه عالماً بما يسرون وما يعلنون ، ذكر بعده هذه الآية على سبيل التهديد ، كقول السيد لعبده الذي أساء إليه سراً : يا فلانُ أنا أعلم سرك وعلانيتك ، فاجلس في هذه الدار التي وهبتها منك ، وكل هذا الخير الذي هيأته لك ، ولا تأمن تأديبي ، فكأنه تعالى يقول : يا أيها الكُفَّار أنا عالم بسركم وجهركم وضمائركم ، فخافوني ؛ فإن الأرض التي هي قراركم أنا ذللتها لكم ، ولو شئت خسفت بكم .
والذَّلُولُ : المنقاد الذي يذلّ لك ، والمصدر الذل وهو اللين والانقياد ، أي : لم يجعل الأرض بحيث يمتنع المشي فيها بالحزونة والغلظة .
وقيل : يثبتها بالجبالِ لئلا تزول بأهلها ، ولو كانت تتكفأ متمايلة لما كانت منقادة لنا .
وقيل : إشارة إلى التمكن من الزرعِ ، والغرس ، وشق العيون ، والأنهار ، وحفر الآبار ، وبناء الأبنية ، ولو كانت صلبة لتعذر ذلك .
وقيل : لو كانت مثل الذَّهب والحديد ، لكانت تسخن جداً في الصيف ، وكانت تبرد جداً في الشتاء{[57415]} .
قوله : { فامشوا فِي مَنَاكِبِهَا } . هذه استعارة حسنة جداً .
وقال الزمخشري{[57416]} : مثل لفرط التذليل ، ومجاوزته الغاية ؛ لأن المنكبين وملتقاهما من الغارب ، أرق شيء من البعير ، وأنباه عن أن يطأه الراكب بقدمه ، ويعتمد عليه ، فإذا جعلها في الذل بحيث يمشى في مناكبها لم يترك .
هذا أمر إباحة ، وفيه إظهار الامتنان .
وقيل : هو خبر بلفظ الأمر ، أي : لكي تمشوا في أطرافها ، ونواحيها ، وآكامها وجبالها .
وقال ابنُ عبَّاسٍ وقتادة وبشير بن كعب : «فِي منَاكبِهَا » في جبالها{[57417]} .
وروي أن بشير بن كعب كانت له سرية فقال لها : إن أخبرتني ما مناكب الأرض فأنت حرة . فقالت : مناكبها : جبالها ، فصارت حُرَّة ، فأراد أن يتزوجها ، فسأل أبا الدرداء ، فقال : «دَعْ ما يَريبُكَ إلى ما لا يَريبُكَ » .
وقال مجاهد : في أطرافها{[57418]} ، وعنه أيضاً : في طرفها وفجاجها{[57419]} ، وهو قول السديِّ والحسن .
وقال الكلبيُّ : في جوانبها{[57420]} . ومنكبا الرجل : جانباه ، وأصل الكلمة : الجانب ، ومنه منكب الرجل والريح النكباء ، وتنكب فلان عن فلان .
يقول : امشُوا حيث أردتم ، فقد جعلتها لكم ذلولاً لا تمتنع .
وحكى قتادةُ عن أبي الجلد : أن الأرض من أربعة وعشرين ألف فرسخ ، فللسودان اثنا عشر ألفاً ، وللروم ثمانية آلافٍ ، وللفرس ثلاثة آلافٍ ، وللعرب ألفٌ .
قوله : { وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ } .
وقيل : مما خلقه اللَّه لكم رزقاً من الأرض «وإليْهِ النُّشورُ » المرجع .
وقيل : معناه أن الذي خلق السماوات ولا تفاوت فيها ، والأرض ذلولاً ، قادر على أن ينشركم ، وإليه تبعثون من قبوركم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.