اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَفَمَن يَمۡشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجۡهِهِۦٓ أَهۡدَىٰٓ أَمَّن يَمۡشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ} (22)

قوله :{ أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً على وَجْهِهِ أهدى } . «مُكِبًّا » حال من فاعل «يمشي » .

قال الواحديُّ{[57446]} : «أكب » ، مطاوع كبه ، يقال : كببته فأكب .

قال الزمخشريُّ{[57447]} : هو من الغرائب والشواذ ، ونحوه قشعت الريح السحاب فأقشع ، وما هو كذلك ولا شيء من بناء «أفعل » مطاوع ، بل قولك : أكب ، من باب «أنفض ، وألأم » ومعناه : دخل في الكب ، وصار ذا كب ، وكذلك أقشع السحاب دخل في القشع .

ومطاوع «كب ، وقشع » انكب وانقشع .

قال أبو حيان{[57448]} : «ومُكِباً » حال من «أكب » وهو لا يتعدى ، و «كب » متعد ، قال تعالى : { فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النار }[ النمل : 90 ] والهمزة فيه للدخول في الشيء ، أو للصيرورة ، ومطاوع كب انكب ، تقول : كببته فانكب . قال الزمخشريُّ{[57449]} : «ولا شيء من بناء » أفعل «مطاوعاً ولا يتقن نحو هذا إلا حملة كتاب سيبويه » انتهى .

وهذا الرجل يتبجح بكتاب سيبويه ، وكم من نص في كتاب سيبويه عمي بصره وبصيرته عنه ، حتى إن الإمام أبا الحجاج يوسف بن معزوز صنف كتاباً يذكر فيه ما غلط الزمخشري فيه ، وما جهله من كتاب سيبويه . انتهى .

قال شهاب الدين{[57450]} : انظر إلى هذا الرجل كيف أخذ كلام الزمخشري الذي أسلفته عنه طرز به عبارته حرفاً بحرف ثم أخذ ينحي عليه بإساءة الأدب جزاء ما لقنه تلك الكلمات الرائقة ، وجعل يقول : إن مطاوع «كَبَّ » «انكب » لا «أكب » وأن الهمزة للصيرورة ، أو للدخول في الشيء ، وبالله لو بقي دهره غير ملقن إياها لما قالها أبداً ، ثم أخذ يذكر عن إنسان مع أبي القاسم كالسُّها مع القمر ، أنه غلطه في نصوص من كتاب سيبويه ، والله أعلم بصحتها : [ الوافر ]

4804 - وكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلاً صَحِيحاً***وآفتُهُ من الفَهْمِ السَّقيم{[57451]}

وعلى تقدير التسليم ، فالفاضل من عدت سقطاته .

قال القرطبيُّ{[57452]} : يقال : أكب الرجل على وجهه فيما لا يتعدى بالألف ، فإذا تعدى قيل : كبه الله على وجهه بغير ألف ، وقوله : «أمنْ يَمْشي » هو المعادل ل { أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً } .

وقال أبو البقاء{[57453]} : «وأهْدَى » خبر «مَنْ يَمِشِي » وخبر «من » الثانية محذوف .

يعني أن الأصل : أم من يمشي سوياً أهدى ، ولا حاجة إلى ذلك ؛ لأن قولك : أزيد قائم ، أم عمرو لا يحتاج فيه من حيث الصناعة إلى حذف الخبر ، نقول : هو معطوف على «زيد » عطف المفردات ، ووحد الخبر لأن «أمْ » لأحد الشيئين .

فصل :

قال المفسرون{[57454]} : { أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً } منكساً رأسه لا ينظر أمامه ، ولا يمينه ، ولا شماله ، فهو لا يأمن من العثور والانكباب على وجهه { كَمنْ يَمْشي سويّاً } مُعتدِلاً ناظراً ما بين يديه ، وعن يمينه وعن شماله .

قال ابن عباسٍ : هذا في الدنيا ، ويجوز أن يريد به الأعمى الذي لا يهتدي إلى طريق ، فلا يزال ينكسه على وجهه ، وأنه ليس كالرجل السوي الصحيح البصير ، الماشي في الطريق المهتدي له{[57455]} .

قال قتادةُ : هو الكافر أكب على معاصي الله في الدنيا ، يحشره الله يوم القيامة على وجهه{[57456]} .

وقال ابن عباس والكلبيُّ : عنى بالذي يمشي على وجهه أبا جهل ، وبالذي يمشي سوياً رسول الله صلى الله عليه وسلم{[57457]} .

وقيل : أبو بكر .

وقيل : حمزة .

وقيل : عمار بن ياسر .

قال عكرمة : وقيل : هو عام في الكافر والمؤمن ، أي : إن الكافر لا يدري أعلى حق هو ، أم على باطل ، أي : هذا الكافر أهدى ، أم المسلم الذي يمشي سوياً معتدلاً يبصر الطريق ، وهو على صراطٍ مستقيمٍ وهو الإسلام{[57458]} .


[57446]:ينظر البحر المحيط 8/297.
[57447]:ينظر: الكشاف 4/582.
[57448]:ينظر: البحر المحيط 8/297.
[57449]:تقدم.
[57450]:ينظر: الدر المصون 6/347.
[57451]:البيت للمتنبي ينظر ديوانه 2/357، والدر المصون 6/347.
[57452]:ينظر: الجامع لأحكام القرآن 18/143.
[57453]:ينظر: الإملاء 2/266.
[57454]:ينظر: الجامع لأحكام القرآن 18/142.
[57455]:ينظر: تفسير البغوي (4/372)، والقرطبي (18/142).
[57456]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/171-172).
[57457]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/143).
[57458]:ينظر المصدر السابق.