اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنۡ غِسۡلِينٖ} (36)

وقد ذكره القرطبي{[57816]} فقال : «لأنه يصير المعنى : ليس هاهنا طعام إلا من غسلين ، ولا يصح ذلك ؛ لأن ثمَّ طعاماً غيره » . انتهى وفي هذا نظر ؛ لأنا لا نسلم أولاً أن ثمَّ طعاماً غيره ، فإن أورد قوله : { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ }[ الغاشية : 6 ] فهذا طعام آخر غير الغسلين .

فالجواب : أن بعضهم ذهب إلى أن الغسلين هو الضريع بعينه ، فسمَّاه في آية «غسليناً » وفي أخرى «ضريعاً » .

ولئن سلمنا أنهما طعامان ، فالحصر باعتبار الآكلين ، يعني : أنَّ هذا الآكل انحصر طعامه في الغسلين ، فلا ينافي أن يكون في النار طعام آخر .

وإذا قلنا : إن «له » الخبر ، وأن «اليوم » ، و «هاهنا » متعلقان بما تعلق هو به ، فلا إشكال ، وكذلك إذا جعلنا «هاهنا » هو الخبر ، وعلقنا به الجار والظرف ، ولا يضرّ كون العامل معنوياً للاتساع في الظروف وحروف الجر .

وقوله : { إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } ، صفة ل «طعام » ، دخل الحصر على الصفة ، كقولك : «ليس عندي إلا رجلٌ من بني تميم » .

والمراد ب «الحميم » : الصديق ، فعلى هذا الصفة مختصة بالطَّعام ، أي : ليس له صديق ينفعه ، ولا طعام إلا من كذا .

وقيل : التقدير : ليس له حميم إلاَّ من غسلين ولا طعام . قاله أبو البقاء .

فجعل «مِنْ غسْلِين » صفة ل «الحميم » ، كأنه أراد الشَّيء الذي يحم به البدن من صديد النَّار .

وقيل : من الطعام والشَّراب ؛ لأن الجميع يطعم ، بدليل قوله : { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مني }[ البقرة : 249 ] .

فعلى هذا يكون { إلاَّ من غسلين } صفة ل «حميم » ول «طعام » ، والمرادُ بالحميم : ما يشرب ، أي : ليس له طعام ، ولا شراب إلا غسليناً .

أما إذا أريد بالحميم : الصديد فلا يتأتَّى ذلك .

وعلى هذا الذي ذكرنا ، فيه سؤالٌ ، وهو أن يقال : بأي شيء تعلَّق الجارُّ والظرفان ؟ والجواب : إنَّها تتعلق بما تعلق به الخبرُ ، أو يجعل «له » أو «هاهنا » حالاً من «حميم » ويتعلق «اليوم » بما تعلق به الحال ، ولا يجوز أن يكون «اليوم » حالاً من «حميم » ، و «له » و «هاهنا » متعلقان بما تعلق به الحال ؛ لأنه ظرف زمان ، وصاحبُ الحال جثة ، وهذا موضعٌ حسنٌ مفيدٌ .

و «الغِسْلين » : «فِعْلين » من الغُسَالة ، فنُونُه وياؤه زائدتان .

قال أهل اللغة : هو ما يجري من الجراح إذا غسلت .

قال المفسرون : هو صديدُ أهل النَّارِ .

وقيل : شجر يأكلونه .

وعن ابن عباس : لا أدري ما الغِسْلينُ{[57817]} .

وسمي طعاماً ؛ لقيامه مقامه فسمي طعاماً ؛ كقوله : [ الوافر ]

4852 - . . . *** تَحِيَّةُ بَينِهمْ ضَرْبٌ وجِيعُ{[57818]}


[57816]:ينظر الجامع لأحكام القرآن 18/177.
[57817]:ذكره السيوطي في "الدر المنثور" (426) وعزاه إلى ابن أبي حاتم وأبي القاسم الزجاجي النحوي في "أماليه".
[57818]:تقدم.