وقد ذكره القرطبي{[57816]} فقال : «لأنه يصير المعنى : ليس هاهنا طعام إلا من غسلين ، ولا يصح ذلك ؛ لأن ثمَّ طعاماً غيره » . انتهى وفي هذا نظر ؛ لأنا لا نسلم أولاً أن ثمَّ طعاماً غيره ، فإن أورد قوله : { لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ }[ الغاشية : 6 ] فهذا طعام آخر غير الغسلين .
فالجواب : أن بعضهم ذهب إلى أن الغسلين هو الضريع بعينه ، فسمَّاه في آية «غسليناً » وفي أخرى «ضريعاً » .
ولئن سلمنا أنهما طعامان ، فالحصر باعتبار الآكلين ، يعني : أنَّ هذا الآكل انحصر طعامه في الغسلين ، فلا ينافي أن يكون في النار طعام آخر .
وإذا قلنا : إن «له » الخبر ، وأن «اليوم » ، و «هاهنا » متعلقان بما تعلق هو به ، فلا إشكال ، وكذلك إذا جعلنا «هاهنا » هو الخبر ، وعلقنا به الجار والظرف ، ولا يضرّ كون العامل معنوياً للاتساع في الظروف وحروف الجر .
وقوله : { إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ } ، صفة ل «طعام » ، دخل الحصر على الصفة ، كقولك : «ليس عندي إلا رجلٌ من بني تميم » .
والمراد ب «الحميم » : الصديق ، فعلى هذا الصفة مختصة بالطَّعام ، أي : ليس له صديق ينفعه ، ولا طعام إلا من كذا .
وقيل : التقدير : ليس له حميم إلاَّ من غسلين ولا طعام . قاله أبو البقاء .
فجعل «مِنْ غسْلِين » صفة ل «الحميم » ، كأنه أراد الشَّيء الذي يحم به البدن من صديد النَّار .
وقيل : من الطعام والشَّراب ؛ لأن الجميع يطعم ، بدليل قوله : { وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مني }[ البقرة : 249 ] .
فعلى هذا يكون { إلاَّ من غسلين } صفة ل «حميم » ول «طعام » ، والمرادُ بالحميم : ما يشرب ، أي : ليس له طعام ، ولا شراب إلا غسليناً .
أما إذا أريد بالحميم : الصديد فلا يتأتَّى ذلك .
وعلى هذا الذي ذكرنا ، فيه سؤالٌ ، وهو أن يقال : بأي شيء تعلَّق الجارُّ والظرفان ؟ والجواب : إنَّها تتعلق بما تعلق به الخبرُ ، أو يجعل «له » أو «هاهنا » حالاً من «حميم » ويتعلق «اليوم » بما تعلق به الحال ، ولا يجوز أن يكون «اليوم » حالاً من «حميم » ، و «له » و «هاهنا » متعلقان بما تعلق به الحال ؛ لأنه ظرف زمان ، وصاحبُ الحال جثة ، وهذا موضعٌ حسنٌ مفيدٌ .
و «الغِسْلين » : «فِعْلين » من الغُسَالة ، فنُونُه وياؤه زائدتان .
قال أهل اللغة : هو ما يجري من الجراح إذا غسلت .
قال المفسرون : هو صديدُ أهل النَّارِ .
وعن ابن عباس : لا أدري ما الغِسْلينُ{[57817]} .
وسمي طعاماً ؛ لقيامه مقامه فسمي طعاماً ؛ كقوله : [ الوافر ]
4852 - . . . *** تَحِيَّةُ بَينِهمْ ضَرْبٌ وجِيعُ{[57818]}
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.